أخبار

“صندوق القراءة” في دبي .. فعاليات أدبية متتابعة

د. زينب الياسي و د. عبير الحوسني و حمدة العوضي

مريم حمود و د. يوسف حطيني و رشا رمضان

 

دبي    –    “البعد المفتوح”:

حفل “صندوق القراءة” قي مركز “مردف سيتي سنتر” في دبي بعدد من الفعاليات الأدبية ، منها فعالية “ما بعد النشر: هل النقد شريك أم خصم؟”،التي نظمها فرع دبي لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بالتعاون مع “صندوق القراءة” في “هيئة الثقافة والفنون” في دبي،حيث دارت جلسة حوارية ثرية شاركت فيها د. عبير الحوسني و د. زينب الياسي وأدارتها باقتدار الناقدة حمدة العوضي.

كان مدخل موضوع الجلسة الحوارية على النحو التالي :                          بعد صدور العمل الأدبي، كيف تصفون طبيعة الاستقبال في المشهد الثقافي الإماراتي اليوم؟

  • هل تعتقدون أن كثرة الإصدارات وتنوع الأصوات تسهّل وصول الكاتب إلى القارئ أم تجعل المنافسة أصعب؟

ودارت محاور الجلسة حول: دور النقد

  • ما الدور الحقيقي الذي يمكن أن يلعبه النقد الأدبي في توجيه الذائقة القرائية داخل الإمارات؟

  • هل ترون أن النقد المحلي مواكب لحجم الإصدارات الأدبية، أم أنه ما زال دون مستوى التطلعات؟

  • كيف يمكن أن يساهم الناقد في تعزيز جودة النشر والإبداع بدلاً من الاكتفاء بوصف النصوص؟

  • في رأيكم، هل يشكّل النقد رافعة تدعم المبدع أم أنه قد يتحول أحيانًا إلى عائق أمام انتشاره وانتشار أعماله؟

 وتناولت المتحدثتان العلاقة بين الكاتب والناقد، وكيف ينعكس غياب أو حضور النقد على تجربة الكاتب نفسه؟ و هل يشعر الكاتب أن النقد شريك في رحلته الإبداعية، أم خصم يحاول فرض وصاية على النص؟ و إلى أي مدى يثق القارئ الإماراتي بآراء النقاد عند اختياره للكتب؟

وتطرقت الجلسة إلى :  النشر والذائقة الأدبية,. كيف يمكن للنقد أن يواكب حركة النشر المتسارعة في ظل الجوائز والمنصات الرقمية ودور النشر الجديدة؟ و هل يمكن اعتبار وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من “النقد الجديد” الذي يؤثر في الذائقة الأدبية؟ و ما المطلوب اليوم لتعزيز دور النقد ليكون أداة لترسيخ الجودة بدلاً من أن يكون مجرد ترف ثقافي؟

عقدت بعد ذلك جلسة بعنوان “القصة القصيرة في عصر الرواية” شارك فيها د. يوسف حطيني و الكاتبة مريم حمود و أدارتها بحيوية الإعلامية و الكاتبة رشا رمضان.

توجهت مقدمة الجلسة بحوارها إلى الكاتبة مريم حمود، وهي قاصة ومحررة وباحثة في الأدب العربي. صدرت لها مجموعتان قصصيتان بالعربية، وترجمت أعمالها ضمن إصدار مشترك في بريطانيا، ومما طرحته عليها الأسئلة التالية:

· كيف ترين السرد القصير وأنت تشتغلين بالتحرير والكتابة والإعلام؟

*أرى القصة القصيرة فنًّا يقترب من النَفَس الشعري، وهي عندي فنٌّ كاشف، ومشهدٌ يُراد له أن يُرى، فيها تكثيف واختزال، ولكنها تظل مرآة لعالم كامل في لحظة خاطفة. من خلال عملي لسنواتٍ محررةً، ألاحظ أن هذا الشكل السردي صار مساحة للتجريب اللغوي والفكري، خاصة بين الكتاب الشباب. القصة القصيرة اليوم تتجه نحو الداخل أكثر، نحو التجربة الفردية والوعي الذاتي، ولكنها في الوقت نفسه تعكس قلق العالم، وتعيد مساءلته بطرق أكثر رمزية وتقطيعًا. أعتقد أن السرد العربي يتجه إلى هذه المسافة، حيث الجمال في المشهد الخاطف، المركَّز، الجزل، بعيدًا عن الاسترسال.

  • كيف ترين دور الجيل الجديد من الكتاب في رسم ملامح المرحلة المقبلة؟

*الجيل الجديد يكتب من دون خوف من التصنيف أو التابوهات، وهذا بحد ذاته علامة صحية.الانفتاح على العالم موجود، والتحرر من القوالب المدرسية التي كبلت الأجيال السابقة ملاحظٌ أيضًا. لكنَّ هذا الجيل يواجه تحديًا مختلفًا: الوفرة. الكتابة اليوم متاحة للجميع، ولكنْ ليس كل صوت يستحق أن يُسمَع. نعم، لعلَّها عبارة قاسية، لكنها حقيقية. أتمنى أن يستثمر الجيل الجديد حريته في صياغة سرد أكثر صدقًا ووعيًا، لا أن يكرر ضجيج المنصات، بل أن يحول التجارب إلى معنى، ويستفيد إلى جانب ذلك من النقد، ويعيد تجسير العلاقة بينه وبين الناقد، سعيًا نحو التكامل، وتجاوز العداء.

· حدثينا عن خصوصية الكتابة النسائية، كيف تجدينها في السرد؟

*الكتابة النسائية ليست “نوعًا أدبيًا”، بل زاوية لرؤية العالم. حين تكتب المرأة، فإنها لا تكتب عن المرأة فحسب، بل عن الوجود من خلال جسدها وتجربتها ومعناها الخاص للحرية والخذلان والنجاة، في مجموعتي «بيت بابهما موارب»، حاولت أن أقدِّم هذا الانفتاح من خلال شخصيات نسائية تقف عند العتبات، بين الداخل والخارج، وبين الصوت والصمت.. ربما يشبه ذلك ما قيلَ سابقًا من أن الكتابة فعل مقاومة، وثبات. أرى اليومَ أن حضور المرأة في السرد العربي المعاصر ليس استثناءً، بل هو إعادة توازن لصوت الإنسان نفسه.

· أثر المنصات الرقمية ومشهد النشر الحديث في تشكيل الذائقة

*لا يمكنني أن أنكر أن المنصات الرقمية أعادت تشكيل علاقة الكاتب بالقارئ، اليوم، يعيش النص في فضاء فوري ومفتوح، وقد منح هذا الفضاء القصةَ القصيرةَ مثلًا حياة جديدة خارج المطبوع. ولكن، في المقابل، هذا المشهد أدى أيضًا إلى إيجاد نوع من “القراءة السريعة”، إذ يبحث القارئ عن أثرٍ آني لا عن تجربة تأملية، وأعتقد أن التحدي الحقيقي هو أن نحافظ على عمق الأدب في زمن سريع. الكتَّاب اليوم، والفنانون مطالبون بأن يجدوا توازنًا بين الوصول إلى القارئ الحديث والحفاظ على جوهر النص الأدبي كفعل تأمل ومعرفة.

· حضور الترجمة والتواصل مع الأدب العالمي

*تجربتي مع ترجمة عدد من قصصي إلى الإنجليزية كانت تجربة كاشفة؛ لم تكن مجرد نقل لغوي أو ثقافي، بل اختبار لمدى قدرة نصوصي على العبور الثقافي؛ حين تُترجَم القصة، يتعرَّى جوهرها من محليتها ليظهر إنسانها المشترك، وهذا ما جعلني أقرأ نصوصي بوعي مختلف. وقد أدركتُ أن القارئ حيثما كان لا يبحث عن الغرابة، بل عن الصدق؛ لأن الكتابة الجيدة لا تعني أن تقول شيئًا جديدًا، بل أن تقول شيئًا صادقًا بطريقة جديدة. الترجمة منحتني تلك المسافة التي أحتاجها لأعيد النظر في صوتي السردي، في إيقاع الجملة، وفي ما يمكن أن يُفهَم وما قد يُفقَد بين اللغتين. صرت أكتب وأنا أعي أن القصة ليست مجرد انعكاس لبيئتي، ولكنها جسر أُعوِّل عليه نحو الآخر.

د. يوسف حطيني قدم قراءة نقدية في مسار التحوّل السردي وكانت دراسته على النحو التالي:

أولاً ـ البدايات وتأسيس القصة الإماراتية القصيرة:

تعود جذور القصة القصيرة الإماراتية إلى سبعينيات القرن العشرين، وهي مرحلة تشكّلت فيها الهوية الثقافية الوطنية مع قيام الاتحاد، حين فتحت الصحف والمجلات المحلية صفحاتها أمام كتابات الشباب الطموحين إلى التعبير عن ذواتهم ومجتمعهم المتحوّل. وقد سعى الجيل الأول من كتّاب القصة إلى تمثيل الواقع الاجتماعي الجديد الذي فرضته الطفرة النفطية والتعليم والتحوّل من الصحراء إلى المدينة، فكانت القصص الأولى بمثابة وثائق فنية تسجّل الصراع الذي عاشه الإنسان الإماراتي بين ماضيه المحمَّل بالقيم التقليدية وحاضره المثقل بتحديات التمدّن.

وقد برزت في هذا الجيل أسماء مثل علي عبد العزيز الشرهان، وعبد الله صقر، وشيخة مبارك الناخي، مثّلت النواة الأولى لوعي سردي وطني. وقد جاءت قصصهم محكومة بالبنية التقليدية ذات البداية والذروة والنهاية، مع التركيز على حدث خارجي ولغةٍ أقلّ من التجارب اللاحقة غوصاً في أعماق النفس البشرية، لكن البدايات تميّزت بصدقها الفني وارتباطها الوثيق بالتحوّل الاجتماعي، و انشغلت موضوعات البدايات بالبيئة المحلية كالبحر، والصحراء، والصيادين، والعلاقات الأسرية، والتعليم، وظروف المرأة، والعمالة الأجنبية. وهكذا كانت القصة القصيرة آنذاك مرآة للتحولات المجتمعية والذاتية معاً، بحكم مرونتها الفنية وقدرتها على استيعاب المتغيّرات الثقافية والاجتماعية المتسارعة.

ثانياً ـ تحولات التسعينيات على يد الجيل الجديد:

مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، شهدت القصة الإماراتية القصيرة تحوّلاً نوعياً في البنية والرؤية مع انفتاح الإمارات ثقافياً، وازدهار حركة النشر والملتقيات الأدبية؛ إذ صارت تجربة الكتّاب أكثر جرأة في التجريب، وأكثر انشغالاً بالإنسان الفرد لا بالمجتمع الكلي، وبرزت أسماء مهمة من مثل: ناصر الظاهري، وفاطمة السويدي، وسارة الجروان، فانتقلت القصة من مرحلة التسجيل الواقعي إلى مرحلة التأويل الرمزي، وانتقل السرد من الواقعية التقريرية إلى الواقعية الرمزية، ومن الخطية الزمنية إلى تقنيات التقطيع والمونتاج، فتقلّصت أهمية الحدث لصالح التجربة الداخلية والوعي الذاتي. وصار القاص يهتم بالوعي أكثر من الفعل، وباللحظة الشعورية أكثر من الحبكة، وبرز الميل إلى التكثيف، ما قاد إلى نشوء القصة القصيرة جداً والنص المفتوح، حيث تسود اللغة المكثّفة، والإيحاء، والمفارقة.

وهكذا لم يعد الكاتب ينظر إلى المجتمع من الخارج بوصفه مراقباً أو ناصحاً، بل من الداخل، بوصفه ذاتاً قلقة تبحث عن المعنى وسط صخب الحداثة. ونتيجة لذلك غدت اللغة أكثر شاعرية، والبناء القصصي أكثر انفتاحاً على تقنيات السينما والمسرح واللوحة التشكيلية، ما أضفى على النص الإماراتي بعداً جماليًا حديثاً.

ثالثاً ـ السمات الفنية للقصة الإماراتية الحديثة:

اتسع نطاق التجريب في القصة الإماراتية الحديثة حتى غدا سمةً أساسية لنتاج جيلها الجديد. فقد اتّسمت التجارب السردية بـالجرأة الفنية والتنوّع النوعي، وبرز عبيد بو ملحة في تجريبه اللافت للنظر، سواء في كتاباته الشذرية القصيرة أم سردياته الطويلة، كما تميّزت لطيفة الحاج بغرائبية لافتة في نصوصها القصصية، على نحو ما نجد في قصة “مواء” التي تستدعي أجواء إدغار آلن بو، و”قهوة باردة” التي تستثمر شعرية السرد، في حين مثّلت فاطمة الكعبي نموذجاً للجرأة الاجتماعية، وعبيد بو ملحة نموذجاً للجرأة الثقافية والفكرية.

وعلى المستوى البنائي صارت الشخصيات أكثر عمقاً وتعقيداً، تمزج بين الأنا والآخر، وتعكس أزمات الإنسان الخليجي والعالمي على السواء، كما شهد المشهد تنوّعاً في الأجناس الأدبية لدى الكتّاب، فجمعت أسماء الحمادي بين الشعر والقصة القصيرة والمقالة، ومريم الزرعوني بين الشعر والرواية، وبديعة الهاشمي بين القصة القصيرة جداً والنقد، ولطيفة الحاج بين القصة والرواية والشعر، وعبيد بو ملحة بين الرواية والكتابات الشذرية. هذا التنوّع يدل على حيوية السرد الإماراتي وقدرته على تجاوز الحدود الصارمة بين الأجناس الأدبية.

المحور الرابع: الموضوعات والتحولات الدلالية

شهدت القصة الإماراتية الحديثة انفتاحاً ملحوظاً على موضوعات جديدة تجمع بين القصة والمهنة، كما نرى عند نافع الياسي في مجموعاته «مريض لن أنساه» و*«تحت الأنقاض»* و*«غرفة 722»*. بعد أن كانت الحكاية في الجيل السابق مرتبطة بالسفر والحنين كما في أعمال محمد المر.

ورغم ما أحرزته القصة من تطوّر، فقد ظهرت بعض الإشكالات الفنية كالنزعة الإنشائية التي يمكن أن نلمحها عند فاطمة المزروعي، ويرجع ذلك غالباً إلى الانتقال من الشعر إلى السرد دون تمرين كافٍ على تقنيات القصة.
ومن الوجوه الجديدة اللافتة مريم حمود في مجموعتها «بيت بابه موارب» التي تجمع بين السردية والشعرية ودفء الأمكنة والشخصيات.

وإذا كانت القصص القديمة قد ارتبطت بأسماء طبعت المشهد بطابعها الخاص (محمد المر = السخرية، مريم جمعة فرج = رمزية الماء)، فإن الجيل الجديد وسّع الأفق الموضوعي ليشمل قضايا الإنسان الحديث: الاغتراب داخل المدينة، وحدة الإنسان أمام التكنولوجيا، العلاقة بين الأصالة والحداثة، والبحث عن الزمن المفقود.
ولم تغب الصحراء عن النصوص الحديثة، لكنها لم تعد مكاناً جغرافياً بقدر ما غدت رمزاً للنوستالجيا والحنين والهوية.

المحور الخامس: العلاقة بين الأجيال واستمرارية التطور

لا تقوم العلاقة بين جيل الرواد وجيل المحدثين على القطيعة، بل على الحوار والتفاعل. فقد قدّم الجيل الأول الأساس الواقعي والأخلاقي الذي مكّن اللاحقين من التجرؤ على التجريب، في حين أعاد الجيل المعاصر استثمار رموز الماضي (البحر، الصحراء، المرأة، المدينة) ضمن أسئلة ما بعد الحداثة.
تكشف المقارنة بين الجيلين عن اتساع الفضاء الإبداعي وتنوّع الرؤى، مما يعكس حيوية السرد الإماراتي وقدرته على التجدد، إذ تتجاور الواقعية الرمزية مع السرد التجريبي، وتتفاعل الأصالة مع الحداثة في نسيج واحد.

المحور السادس: التحديات والآفاق المستقبلية

تواجه القصة الإماراتية اليوم تحديات تتصل بسرعة الاستهلاك وضعف التلقي النقدي، مما يستدعي حركة نقدية مواكبة قادرة على تأصيل التجربة وتوثيق تطورها.
تقف القصة القصيرة الإماراتية الآن بين إرث جمالي متين ورؤى رقمية مفتوحة، وتتّجه بخطى واثقة نحو استثمار الوسائط الجديدة في السرد، مثل القصة الرقمية والقص السمعي البصري الذي يدمج الكلمة بالصوت والصورة في تجربة سردية تفاعلية.

إن مستقبل القصة الإماراتية واعد، شريطة أن يظل الكاتب أميناً لأسئلته الجوهرية لا لشكل نصه فقط، وأن يوازن بين التجريب والإخلاص للتجربة الإنسانية الأصيلة. فكلّ نص صادق هو إضافة حقيقية إلى مسار القصة الإماراتية التي ما زالت تكتب فصولها بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والابتكار، وبين الذات والعالم.

ومن فعاليات فرع دبي لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات بالتعاون مع “صندوق القراءة”في هيئة الثقافة والفنون في دبي، جلسة حوارية بعنوان “من الحكاية إلى التنشئة الوطنية .. كيف نصنع قارئًا صغيرًا؟”بمشاركة د. عبدالله الشرهان و القاصة عائشة عبدالله وإدارة هاجر يوسف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى