الحاضر في التراث و الوجدان
الشيخ زايد خلال تفقده احد الافلاج في العين 1967
سلطان الكويتي نبض الأفلاج والواحات
حسن بحمد *
هي الإمارات التي أنجبت أبناءً صنعوا تاريخها، وعاشوا حكايات شظف العيش وكدّ الحياة وعذبها، ومن ثمّ شهدوا تحوّلاتها. أولئك الرجال الذين على الرغم من الأيّام الصعبة التي مرّوا بها، سطّروا بجهودهم وكفاحهم مسيرة مضيئة يحفظها التاريخ بين صفحاته، هم نخلة من نخلات الإمارات الباسقة، ونبع من ينابيعها الصافية، هم الرجال الذين عاصروا مراحل التكوين الأُولى التي بدأت على يدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيّب الله ثراه ـ الذي ببعد نظره وحكمته خطّط بعصاه مدناً على الرمال، لنراها بعد فترة قياسية حقائق متجسّدة.
وعندما نتحدث عن تاريخ مدينة العين العريقة التي تفيض بالخضرة والجمال، وسيرة الماء والنخيل والأفلاج الموغلة في القدم، والتي ترعرع فيها أبناؤها ِالمخلصون، ومنهم المرحوم سلطان بن أحمد الكويتي الذي توفي في شهر مايو من العام 2021 عن عمر ناهز 93 عاماً بعد مسيرة حافلة في رعاية مصادر المياه والإشراف على قنواتها منذ أن عيّنه الشيخ زايد في العام 1968 مسؤولاً عن الأفلاج، في وقت كانت فيه هذه القنوات تحظى بأهمية كبرى استمرت حتى يومنا هذا، فكان سلطان الكويتي حريصًاً على تنفيذ جميع توجيهات الشيخ زايد برعاية وترميم الأفلاج وإصلاحها، والمحافظة عليها وحفظ ثروة المياه، فأرست له الحياة قصة كفاح طويلة في مهمة الإشراف على تراث الأفلاج وشريان الحياة في واحات النخيل، حيث كان ملمّاً بقصة وتفاصيل كل فلج، ومشجعاً في الوقت ذاته على المحافظة على الواحات والعناية بها، لكونها ثروة تراثية وطنية و أحد أهم الرموز والمعالم الحضارية والطبيعية لمدينة العين التي صارت تجتذب السيّاح من كل مكان.
لقد كان الراحل سلطان بن أحمد الكويتي أحد المهتمين والحافظين لتاريخ منطقة العين ومسارات الماء فيها، ورئيساً ومستشاراً لسنوات في قسم الأفلاج في بلدية العين، بل عُرف عنه أنّه كان مرجعًا تاريخيًا شاملاً في الزراعة ونظام الأفلاج في مدينة العين التي تزخر بمزارعها وبواحاتها التي تعدّ تراثاًً إنسانيًاً وثقافياًً مسجلًا في قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، حيث ما يزال نظام الأفلاج فيها قائماً بفضل الرعاية والصيانة وتوظيف الإمكانات للمحافظة على ديمومتها الحضارية، ومظهرها البيئي التقليدي القديم الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 3000 سنة.
يُعتبر سلطان الكويتي واحدًا من الرعيل الأوّل في العمل الوظيفي في دائرة الزراعة والبلديات آنذاك قبل تأسيس دولة الاتحاد، وواحدًا من الذين تحملوا المسؤولية لعقود بهمة وعزيمة، فقد عانى كغيره من أبناء جيله خلال الفترة الماضية، ظروفاً حياتية صعبة، لكنّه على الرغم من ذلك، حمل مشقة إكمال مشواره في خدمة وطنه حتى الرمق الأخير، وذلك لاقتناعه بأنّ الوطن الذي أسسه الشيخ زايد – طيب الله ثراه – ورفع البنيان والتعمير في ربوعه، وزرع فيه المسطحات الخضراء في الصحراء القاحلة، علينا واجب التفاني والإخلاص في خدمته، والحرص على رقيّه وازدهاره.
هذا هو سلطان أحمد الكويتي رحمه الله وأسكنه إلى جوار الأبرار الصالحين.. رمز اجتماعي وحارس لذاكرة الأفلاج والواحات والري والتراث ومحطات الارتباط بالأرض عبر الزراعة والتعايش مع الطبيعة.. مسيرته رحلة طويلة لعقود من الزمن مع سيرة الماء وعبق الأفلاج والنخيل، وبيئته الإجتماعيّة والزراعية التي تعامل معها بالخبرة والعطاء من معين الآباء والأجداد في حب العلاقة الحميمة مع الأرض الطيبة ونخيلها الباسق.
*مدير مركز “عين للإعلام” – الإمارات