إبداعات

عن الألم العالي و النبيل

حوارية بين يوليوس قيصر وبروتوس سميحة التميمي - الإمارات

العار أطول من العمر يا ولدي فيا ويلك من عارك!
وبعد أن –بكف قوتك وزهو شبابك- غدرت بي، ماذا بعد؟
الآن أبرأ من الغفلة، وأخاطب حمقك حيث يبغتني، يبهتني، الغدر ودمي النافر من كل مكان، لي الاحتجاب الأبدي ولك قِصَر تشوّف الرعيان ولي من بعد طول السلامة
هل كان عليك ان تطوح بالقيصر ساحلاً المجد والوفاء ناصباً صنم الخيانة أبد الدهر!
لكَ هول الضآلة ومضضها مثل بهلوان يسقط من جبلٍ الى هوّة ، حين تُهرّب أنت نشيجك لوحشتك الجوّانية وأبدك القصير والظلمة التي لن تفقدَ خطاها وتضل طريقها إليك، فلتحتمل الضجر ولتحذر من الصروف الحُمر في الليالي البائسات، وأدر عينك نحو غُفَّل-على قلّتهم- أعطوك الأماني ، واضرب لسرّك قبابا فالدهر يقلب العيش نكداً وكل ما فيه زور وإنني ما وصلت الى رأس روما الا لأنني حين شئتُ سكتتُ وكأنني لا اعلم ، وحين شئتُ قلت حتى ولو لم أجد للقول سامعا ولا للحديث راغبا، كنتُ أغزر غزرا من بحر هيّاج وكان الحظ يجيبني وكنت أخبَرُ دفائن الرجال ولما غدرتني عرفت انني ربيت الضبع ليقتلني ويظل يتيما يمتطيه ضره وعارهُ وأقصى أمانيه ان تُبارَك فعلته وما هي مباركةٌ فوجه الغدر لا تطول به الهدءآت ولا تتخطاه العثرات، ثم تصبرتُ أتأمل في وقاحتك وإقدامك على الغدر بوسيلتك وفصاحة سواد حجتك !
لو كنتَ عدوّا على مقاسي لكنتُ حاربتكَ وهزمتكَ، ولكنك كنت صغيرًا على المحبة صغيرًا على الوفاء والامتنان، ومن حيث لم ألتفت اليك غدرتني، فاحمل تندّمكَ يا ولدي وطُف به فالسرّاجون قليل وبضاعتك وسم عار لنواميس أهل روما، لقد وافق مبيت سيفك في جَلْدي حيثُ رسمتَ ليلة العمى تلك وحظك ليس ملء الشمس، فمتى عزمتَ فأمَن الذين غالوني معك فهم سيخلعون بردة الصديق ويرقصون على الظفر بك والنيل منك، فمن أنبأك بأنك نبي؟! ألم أحذرك من أن الحسرة لا شموع في لياليها؟ هل كنت بحاجة إلى سفسطائيين ليباركوا غدرك والى سحرة وشعراء كي يقنعوا الناس بأنك ورهطك تصونون عرض روما المهتوك!
فيا حظ الكؤوس والعذارى….
ولكن يا ولدي ان الزهرة التي سكنت قلبي لن يقطفها أحد، انها روما
فاحمل عبئك واهدم اطلالك ثم ابك طويلا عليها.
أي بُني: لقد عَميَّ عن معرفتكَ ظنّي، وتطاولتَ شَينا فثكلكَ الدهر قبل الأوان وعدوت في سوق المزايدات على الأوطان بجيش يشبه السحابة الكاذبة فاذا صحوت مختنقا بنفسك فتذكر وصاياي: لكل بحر عينه الذي يعرف أسراره، فليكن غورك مثل بطون الاودية وان كُشفت أستار الحروب السود وجفت الاحداق قبل العروق وعَلَّتْك الابهة الكاذبة فقايس قبل ان تقاسي وكن أخ الصعاب ولا تصحب المواكب اللامعة ولا تعرض دواء العلل الصعبة في الأسواق التي لا يرتادها الشرّاءون والشواؤون ولا تركض إلى الغواية، فالدهر بعد كل هذا لن يسقيك سائغة، ولن يلبسك سابغة.
من بروتوس إلى قيصر
منذ زمن بعيد لأول مرة ترخي بصرك وتطرق الى ما لانهاية زدني سؤالًا أنا الذي زدتك مواتًا وصحبت ُرفقاء لم أنكرهم من السوء، ولم اعرفهم إلا بعد أن اعتكر الصبح وبقل وجه الغدر في عيشي بعد أن هجع الكل، فلا صاحب وطؤه خفيف يوقف عواء النفس وخواء روما ولا جفن ينسدل على الغدر، ولشد ما قتلتْ عضدي الخصاصة فهذا دمك دم الخاصة ومن يؤسيه ومن يلمّ صدري من طعنتي التي أقعدتْ همتك الشجاعة؟ أما بعد ولما فرغت من نشواتي الكاذبة والتفتت إذا بأحد الرفاق وقد انتفخ سنام أنفه، وصار يضرب الأرض بحافره وقد بقلت عيناه وارتخت شفتاه وضرب بيديه غصن خده وعيناه لم تبرح سيفي وساعدي، فأدركت حينها أن صدري لن يبرحه الرعب وخانتني الأرض تحت قدمي وصرختُ خائفاً :
فلتحيَ روما وليمت قيصر، فرقّت عينك وقلت لي: “حتى أنت يا بروتوس ؟ ” وذهبت ولم ترجع، فحظيتُ بالخداع والمكر والغدر والقتيل ورائحة الغدر ومات قيصر أبي معرضًا عني، فلا عجاف ولا سمان ولا رؤىً …
قد بلغ السواد الزُبى، وها أنّي أتلمس بياضك فلا أجده
وقعتَ أيها الواقفُ على اسمك وتوَشّى الدهر بدمك، وقام الأرجوان وهويتُ أنا سارق النار وصرت غادرًا، فاعصر كرمتك من ثقب في صدري فإن الحرية الآن هي الجحيم وما أثقل الرعب الذي لا تستطيع كشفه.
سيطلع نهار ضرير فلا أنا فيه مقبول ولا شمسه تطلع. نَسَلْتُني من الأنفاس وأنا الذي طالما قطعت الوعود أن أكون ساعدك وعضدك، وها أني أصير خصمك اللدود يا أيها الذي يغمرك صفصاف الدهر وحجابك الذي دخل ما وراء الأبد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى