د. أبو الفضل بدران
ألا أيها العاشقونَ
إذا ما مررتم بقبري هنا فانزلوا
واسكبوا دمعَكمْ
عَلَّ مِنْ دمعكمْ ينبتُ الغاب
ويأتي من بَعْدكمْ عاشقون
يصنعون من الغابِ نايا
على عِشقِهمْ يعزفون،
فنأتي فرادَى على نايهمْ
نمنحُ الشوق أوراقه،
نسكبُ الحبَّ فوقَ الثرى
نلفُّ على الوجدِ أوراقَ أشواقِنا،
ونلقَى الجُموعَ التي لا تُرى
وتأتي العصافيرُ خُضْرًا تغني على قبرنا
فيا أيّها العاشقون:
إذا ما سمعتمْ شظى الناي في القلبِ لا تفزعوا وارقصوا
وادخلوا الحضرةَ كي تسمعوا
وازرعوا عند قلبِ المحبينَ أشجارَكُمْ
واهتفوا: عاشقونْ
ستأتي القصائد من وِرْدِكمْ
حَرْفُها شوقكمْ
ياؤها عينُكُمُ
نُونُها نايُ حضْرتِنا
مُنْشدُ الليلةِ صاحَ المدَدْ
وعلى صوتِه سَبَّحَ الحاضرون
وهام المُحِبُّون
واستيقظَ العابدون
فيا مُنشدَ الليلِة خَفِّفْ
فقلبي صريعٌ ولن يحتمل
وصاحَ المُنْشِدُ البَكّأءُ:
أنا يا صَاحِ مُتّهَمٌ بهذا الحبِّ
حَسْبي أنني أهوى
أنا المَعْدودُ في العُشّاقِ من صِفْرٍ، ولا أقْوَى
أنا يا صَاحِ مُتّهَمٌ بأنِّي صِرتُ بينَ الناسِ لا أهْوَى
وأني صِحْتُ في الأسواقِ بينَ الخَلْقِ بالبُشرى :
أحِبُّوا بعضَكمْ بعضا
ذَرُوا ما أنتمُ فيهِ
وغُوصُوا في بحارِ الحبّ
وانتبهوا بأن بحارَه مَلْأى
وأن ضِفافَهُ وَهْمٌ
وأن الواردِينَ لشرْبه غَرقَى
مَشَوْا بالماءِ ما ابتلُّوا
وباحُوا بالذي كَتَمُوُا
لأنَّ السِرَّ وسطَ قلوبِهمْ جَمْرٌ
يحَوَّلَ بَحْرَهمْ سُحُبا
أنا يا صاحِ مُتّهَمٌ بأنَّ الناسَ يَتّبعون ما أَهوَى
وما أرضاهُ لا يأتي
وما يأتي فلا أَرْضَى
شرابُكَ أيها الساقي
غّدَتْ روحي به ظَمْأى
فِدَعْني وانْعَ لي رُوحي
فأنتَ الآنَ ما أرْجُو وما أهْوى
…….
وصاحَ المُنْشِدُ البَكّأءُ:
“فُؤَادي بالأحبّةِ ماتَهَنَّى…وَدَمْعي حين زادَ الوَجدُ أَنَّ”
ألا يا مُنْشِدَ الأرواح
أَسْكتِ النايَ قلبي تَمَزقَ من نغماتِ الفراقِ ومن أنَّةِ العاشقين
أَسْكتِ النايَ ، واسْكُبْ على زَيتهِ شُعلةَ الوجدِ ، عَلَّ المحبَّ ينامُ قليلا،
وعَلَّ المُرِيدِينَ إنْ أصبحَ الليلُ أن يُبصروا وَجْهَ ليلى
وقدْ يفرحون
“سَلَبتْ ليلَى مِنِّي العقلَ
…قلتُ ياليلى ارحمي القتلَى”
أيها العاشقون سَيَقتُلُكْم قاتِلِي
سوفَ أُلْقِي بقلبي على باب “نون”
وأدخُل في خلوةِ الروحِ،
ها قدْ تلاشَيْتُ ، حتى تواجدتُ، حتى تكلمتُ
لمّا صرختُ وقلتُ لهمْ ما أرى
ما أرَى لا يُرَى
وما لا يُرى قد سما
عنِ الوصف ؛ لكنّما
أحاولُ وصف الذي قدْ ترون من الحالِ
حالي خُضوعٌ ، مقامي سَرَى
يا مُنْشدَ الحضرةِ غرِّدْ وَ صِفْ لي اللّمَى
الذاكرُ هامَ وألقى جُبّتَه
ما في الجُبَّةِ غير الحُب
وما في العشاقِ سوايَ أنا
المنشدُ بَشَّرَ بقُدومِ الغوثِ
ولا أجدُ الآنَ الوصفَ لأن الحالَ عَلَا
ها أنتَ تُمَزّقهم يا مطربَ حَضرتِنا فترفقْ ، لا ، واشددْ
واحْدُ اليومَ وليسَ غدا
بَشِّرْ بِقُدومِ حبيبٍ
أَنْفَقْتُ العمرَ لرؤيتهِ
والآنَ أتى
يا مُنْشدنا هاتِ المشرَبَ والمورِدَ
أُسْقيِتُ فَغَنَّيْتُ ، وصاحَ النايُ: متَى؟
نامتْ كلُّ عيونِ القومِ
فشاهد كلُّ القومِ جبالَ الـ “كافِ” بلا “نونٍ”
دُكَّ الكونُ
فَخَرَّ الناس سُجودا ، وَ أَنا
يا منشدَ حَضْرتنا لا تَقْسُ بنوْحكَ ؛ لا تُفشِ الأسرارَ
مقامُ الفرحةِ ذاكَ أتى
أيها العاشقونَ:
هنا مَرقَدي
جَسَدي هُنا
وَرُوحي بأرواحكمْ
ترفرفُ يا فرحةَ العاشقين،
أنَا طائرٌ أخضر فوق غُصن المحبين روحي
واقفٌ في انتظار جَناحَيْن
أمضي إلى وُجهَتي
فيا أيها العاشقونَ:
إذا أَحرقَ النايُ قلبَ المحبينَ منكمْ
فلا تَيْأسُوا
واقْبِضوا جَمْرةَ الحب
سلامٌ عليكمْ
وطوبى لكمْ
فياأيها العاشقونَ:
“هَذِي مدينَتُكمْ
وَ أنا بَابُها
فادخُلوها بسلامٍ عاشقينْ!”
