لا تصلح الكتابة إلا باستقرارٍ نفسي واضطرابٍ شعوري .. على أقل تقدير، هكذا كان الأمر بالنّسبة لي خلال رحلتي التي شَرَعت في صنع أدواتي من أجلها في الكتابة، وعلى الرغم من المعتقد السّائد أن لابد للكاتب أن يملك رصانة حسيّة حتى يُفلح في التعبير عما يختلج به صدره، في الواقع كانت الفكرة غير دقيقة والحقيقة معقّدة بالنسبة للضفّة الأخرى القارئة والمهتمة وغير المهتمة بشؤون الكتابة، وعلى مر العصور كان من الملحوظ أن معظم الكتّاب الذين لمعت أسماؤهم في مجال الكتابة كانوا يمتلكون ندوبًا ومعاناة في ماضيهم أو ربما حاضرهم، لتصل البشريّة إلى حجر الأساس “الإبداع وليد الألم” في شتى أنواع الفنون: الرسم والغناء والعزف والكتابة وغيرها، وقد يكون هذا الأمر الذي نردده على الدّوام إلى أن نلامسه حقيقةً على أرض الواقع بتجربة شخصية مهما كان حجمها هو أعظم وأسوأ وأفضل اكتشافاتنا.
لِمَ النصوص التي تكنز في داخلها وجعًا هي الأقرب إلى قلوبنا؟ ولِمَ مفردات الحزن والأسى هي الأمهر في ملامسة أرواحنا؟
في بداية هذه التساؤلات كنت أحسب أن مرحلة المراهقة التي أحاول إنهاءها باكرًا هي السبب.. ميل المراهق إلى خلق قوقعة من الكآبة يعيش فيها بسبب الهرمونات المتخبّطة هو العرض الأول، لكن مع مرور الوقت واتساع نطاق دائرة المعارف والأصدقاء بدا الأمر عاملًا مشتركًا بين الأغلبية، وأخذت أبحث عن الإجابة بين كومة الاحتمالات التي تحاوطنا ليل نهار، هل يُمكن أن يكون العالم مكانًا قاسيًا وصلبًا إلى هذا الحد؟ أم أن “الحزن” عامل أسياسي في تكوين المجتمع؟ إلى أن صادفني منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يعرض المشاعر الأساسيّة للبشر: الحب، الفرح، الفضول، الحزن، الغضب، الخوف، الذنب، الصدمة والاشمئزاز.
هذا ما أجاب على تساؤلاتي في وقتٍ لاحق؛ الإنسان معرّض للمشاعر السلبية بنسبة أكبر من معايشة حالة شعورية إيجابيّة.
لن تميّز الفرح من دون الحزن، ولا الحب من دون الكره، وعلى مبدأ النقيضين لابد أن يخوض المرء غِمار الوجع لكي يشعر بمعنى الراحة، لذا فإن أي عمل فنّي يمسّ حزن الآخر هو إيجابي؛ كل الآلام لابد أن تُعاش بكل ما فيها من قمم وأودية حتى تزيح أكبالها عنا، وهنا يأتي دور الفن في أن يكون البوصلة لأن يَصِلَ الآخَر إلى آخرِ النّفق .. النّور.
زر الذهاب إلى الأعلى
ولدت مجلة البعد المفتوح لأول عهدها ولادة طيبة مباركة تحمل في طياتها تباشير المستقبل الواعد والأمل المنشود…وليس ذلك على الله بكثير لا سيما وأن رئيس تحريرها أستاذ كبير وصحافي مقتدر وهو الأستاذ وائل الجشي صاحب الخبرة العريقة ، كذلك وجود أقلام طيبة لأداباء وشعراء أخص منهم قلم الدكتور أحمد الزبيدي والشاعرة ساجدة الموسوي وغيرهم..
شكرًا للدكتور فتحي الزبيدي على هذه الشهادة للمجلة وأحيي الشعراء والكتاب المشاركين جميعًا