تحت ظله تسمع أعذب الألحان لصوت “الهون” و”المدق “و”المنحاز” عند تجهيز القهوة للضيوف الذين يأتون من كل مكان إلى النعت والموعد عند عود خلفان، ذلك الصوت الذي بقي صداه يملأ المكان بالحكمة وسماع أجمل قصص وحكايات البداوة وعنوان الكرم، وعندما تدور القهوة على الضيوف تسمع صليلاً كصليل السيوف للفناجين، وحين يحل موعد الصلاة، يتقدم خلفان بن سيف مترف الطنيجي جموع المصلين ، وصوته يتردد في كل الأرجاء.
تتربع “عود خلفان” معلماً من ذلك الزمان يحكي الحكاية لمن يتفيأ تحت ظله في استراحة تعود به إلى زمن خلفان الذي تعلم الكثير من الحياة فأعطته الحكمة ليفيض بها لمن يجالسه، وقد انتقل رحمه الله انتقل إلى رحمته في ثمانينيات القرن الماضي، و ذكره الطيب والخير لا يزال موجودًا عند أهل المنطقة، لكن المشهد اليوم عند عوده الذي يقع في حي الحصن على الطريق الرابط بين الذيد وفلج المعلا اختلف تماماً، فقد تحول المكان إلى شارع تجاري، ويعد رمزًا من الشواهد المكانية لا يزال موجودًا حتى الآن ، ولتبقى الصورة تحكي قصته لكل الناس، وكان خلفان يحرص على الالتقاء بالمواطنين وتفقد مطالبهم والاطمئنان على أحوالهم والاستماع إلى احتياجاتهم, كان رجل محبًا للخيروتقديم المساعدة للفقراء والأيتام.
استقبال الضيوف
عن ضيوف خلفان حدثنا الدكتورسالم الطنيجي فقال إن استقبالهم كان يتم في الحضيرة أو(البرزة)، بينما “الشنان” المشدود إلى العود تتساقط قطرات الندى منه على الأرض، حيث يحوي المياه الباردة في انتظار الضيوف، وتشكل الدعون أفضل موقع تعد الولائم فيه للقادمين لزيارة خلفان، في حين تتهادى دواب خلفان وعلى ظهورها السعون الملأى بالمياه، تساق من طوي الرفاعة القريبة من مسكنه، والتي هي على طرف وادي الذيد وبجوارها مركز المطافئ الآن، وذكرالطنيجي أن تربية الجمال والعناية بنسلها من هواية خلفان لا يستطيع أن يفارقها، فمن عاداته اليومية أن يقضي جل ساعات نهاره بين حظائر الإبل للعناية بها وإطعامها و تأديبها.
علاقة ودية
أشار سالم الطنيجي إلى العلاقة الشخصية والودية التي تربط بين خلفان بن سيف والشيخ صقر بن حميد القاسمي لسنوات طويلة، فقد كان يتردد لزيارته دائماً في مدينة الذيد، وله مكانة خاصة ووقع طيب في قلب الشيخ صقر بن حميد القاسمي.. إنها علاقة صداقة وطيدة قائمة على الاحترام والتقدير.
بقيت سيرة خلفان ذلك الإنسان على كل لسان،حتى إن ناقته وبعيره بقيا وقفًا للبشر الذين يرسلون إلى الساحل، ولا تتوفر لديهم مطية لتنقل وبيع “الحمايل” في سوقي “العرصة” و”صقر” في الشارقة.
رحلة خلفان
وصف سعيد بن سيف الطنيجي خلفان قائلاً: كان يتنقل ويرتحل على ناقته حاملاً أغصان السمر بأشواكها إلى مزرعة نخيله في وادي السيجي، حيث يضعها على رأسه بعد أن يرتبها ويجمعها بعضها إلى بعض ، وكلما أرهقته حملها يستريح تحت ظل سمرة وينزل الأشواك عن رأسه ليسترجع قواه، وفي الطريق يلتقي العديد من المرتحلين من الساحل الشرقي عبر وادي حام والسيجي ويتحدث معهم عن أحوالهم، وعندما يصل وادي السيجي، حيث المزارع على ضفتي الوادي لوفرة المياه بغزارة صيفاً وشتاءً، يضع أغصان السمر كسورٍ حول مزرعته، وبعد أن يطمئن على نخله، يجهز لرحلة العودة، حيث يحمل التمر عائداً إلى عوده،لموعد اللقاء اليومي مع ضيوفه من كل مكان.
الذكريات
استرجع سعيد بن سيف من عايش تلك الذكريات لخلفان واستقباله للضيوف، وهو يتمنطق الخنجر الإماراتي المميز ويلبس المقصر وترحيبه الذي يسمعه القاصي والداني “مرحباً الساع” وعندما تتأمل أغصان عود خلفان وهي تتمايل مع نسمات الصباح، يخيلَ لك أنها تصدر صدى صوته الذي بقي في الآذان.
رمز للكرم
بقي خلفان وعوده قصة فارقة في المنطقة ورمزاً للجود والكرم ونقطة لقاء شيوخ القبائل مع رجل عركته الحياة وأعطته من الحكمة ما يفيض بها على من يجالسه حتى رحل، رحمه الله، في ثمانينات القرن الماضي.
ممتاز