عرفت الأستاذ اللغوي الأديب “عارف حجاوي” في أوائل عام 2006م ، وكان ذلك من خلال كتاب أهدانيه أحد تلامذته ومريديه ؛ أخي وصديقي المقدسي الأستاذ عصام بدران رئيس القسم العربي في محطة: “يورونيوز” الفرنسية، وكنا يومذاك نعمل معًا في محطة”روسيا اليوم ” التلفزيونية في مدينة موسكو؛ تلك المدينة الحالمة؛ التي تنام وتصحوعلى ضفاف نهر” موسكڤا “في الجزء الأوروبي من الاتحاد الروسي .
كان اسم الكتاب الذي أهدانيه صديقي الأستاذ عصام.. “زبدة النحو”، قرأت الكتاب مرتين ، الأولى: كانت من أجل الكتاب والثانية كانت من أجل التعرف إلى أسلوب صاحبه ومنهجه وبعض سماته، وساقني ذلك إلى تطلب مؤلفاته في المكتبات وعلى الشبكة العنكبوتية، والتفتيش عن برامجه التلفزيونية، وحاولت أن أتقصى خُبْرهُ وسَبْرُهُ،لا سيما ممن زاملوه أو عاشروه، أو حاوروه.، وأكثر من نفعني في ذلك صديقي الأديب الأريب نقيب القضاة في موريتانيا الأستاذ عمر السالك الشيخ سيدي محمد عمر السالك حفظه الله ورعاه، فماذا وجدت؟!
وجدت علمًا وافرًا، وتواضعًا سافرًا، وحلمًا زاخرًا، وصفاء نفس، وسعة صدر…! وهنا أبادر إلى الاعتذار إلى القراء الكرام ، إذ لم أقصد في هذا المقال التحدث عن الخلال الكريمة للأستاذ ومناقبه الأثيرة، وإنما أردت أن أعلق على بعض ما جاء على لسانه من تغريدات، ربما تكون – في نظري- جانبت الصواب…!
كتب الأستاذ عارف حجاوي على صفحته في “تويتر” تحت عنوان “دهاقنة الأسلوب” تعليقات مختصرة انتقد فيها جملة من الأدباء والمفكرين والمصلحين قديمًا وحديثًا، ولا يفهمن أحد من القراء أن كلمة النقد تعني شيئًا سلبيًا فقط، فهي تحمل في طياتها معاني إيجابية، وتتجاوز ذلك إلى التغني بقيم الخير والحب والجمال.
قال الأستاذ عن أبي حيان التوحيدي: “مفرداته كالشلال الهادر ،وتقع كل كلمة في موقعها، فإذا العبارات تنثال حارة حارقة”. انتهى. قلت: هذا صحيح لا سيما في كتابه :”أخلاق الوزيرين”.
الجاحظ: “استقى علمه من الكتب والسوق، وكتب بقلم حر وعابث، كان يكتب وهو يضحك”.انتهى ، وسيأتي الرد مفصلًا.
المعري: “مثلما أكل الجدري عينيه أكل السجع أسلوبه، ولكن فكره العميق وبركان العبث في روحه جعلا رسالة الغفران تحفة من تحف النثر العربي”.انتهى. وأكثر ما يظهر أسلوب السجع في كتابه :”الصاهل والشاحج” بتحقيق بنت الشاطيء يرحمها الله.
زكي مبارك: “دونكيشوت الأدب العربي، من ملوك الكلمة، يكتب القصيدة ويضع لها مقدمة نثرية، فلا تجد في القصيدة شعرًا، وتجد المقدمة النثرية شعرًا! أنظر كتابه من ثلاثة الأجزاء “ليلى المريضة في العراق”
المنفلوطي: “يغترف الأساليب القديمة من أعماق التراث فيجعلها دموعًا تسيل على اليتامى والفقراء، ترجم كثيرًا عن الفرنسية – وهو لا يعرفها – يقصون عليه القصة فيكتبها بعربية تفوق الأصل رقة وبكائية”!
هذا معروف لمن قرأ “النظرات” و”العبرات” مرة واحدة، فكيف به إذا قرأها مرات!!
طه حسين: “كتلة مجاملات ومصارحات وتكرار، أخافه المتزمتون سنة 1927م، ذوقه الأدبي في الذروة، رغم أنه متاورب فقد دافع عن الفصحى دفاعًا مجيدًا! نعم ، خاف ولكن خوفه ومجاملاته لم يمنعاه من نشر كتابه الخطير”في الشعر الجاهلي”.
محمود شاكر: “غضوب كمريديه، كتب ثلاثمائة صفحة ليشتم رجلاً، فقرأها الناس لروعة الأسلوب ولذعة السخرية، لم يفهم الشعر القديم فى زمننا أحد مثله، عبارته كحجر الألماس، لا عيب فيها” ! سيأتي الكلام عنه في ما يأتي.
الرافعي: “متعمل يشتهي أن يخترع عربية جديدة أصعب من عربية الجاهلية، فإذا ما راق ترقرق كالجدول العذب، إذا خاصم غلبت عليه السوداء، وإذا عشق فتح المعجم! لهذا كله يوصي العلماء والمشايخ بقراءته ، و كتبه تشي بذلك.
العقاد: ” لبس قناعًا ليخفي ما في روحه من ظرف، امتلك اللغة وعبر بها عن رصانة مجتلبة، يحشد الحجج لإدحاض ما لا سبيل إلى إدحاضه، أو لتأييد ما يمكن تأييده بأيسر سبيل، قلم عنيد، وشديد على من يعاديه”! لله درك، فقد أصبت كبد الحقيقة !
المازني: “سخر الفصحى ليسخر من نفسه، اللغة عجينة بين يديه يصنع بها الخبز والبقسماط والكيك. كان ظريفاً. له ديوان كبير ليس فيه بيت شعر واحد. خلق ناثراً ” ! نعم، ألينت له اللغة كما ألين لداود – عليه السلام- الحديد!
ميخائيل نعيمة: “قلم سيال يكتب العربية الجميلة الصحيحة بلا تقعر، جرب أن يكون فيلسوفاً لكنه ظل أديباً، عرف روسيا وكتب بلغتها، وأمريكا وكتب بلغتها، وظلت العربية أجمل ما يسيل من قلمه، كانوا يدعونه إلى الفكر العروبى فيأبى إلا الإنسانية! وهذا أيضا صحيح بلا ريب، لا سيما في كتابه “الغربال” وكتابه “جبران”.
مارون عبود: “متفاصح متحذلق، يحفظ الشعر القديم ويكتب النثر بأشطاره، سخر من العقاد وطه حسين فبلغ ذروة الظرف والمقدرة، وضع كتاب الرؤوس عن كبار الشعراء فكان من كبار النقاد! هذا الكاتب لم أتعرف عليه إلا حديثا، وأراني غير قادر على الحكم له أو عليه بسبب ذلك!!
وأنا هنا لا أنازع أستاذنا في ما قاله مجملًا، ولكن أريد أن أقف معه وقفات يسيرة قصيرة –أقصر من وقفات “الملك الضليل” – على الأطلال- مع كل “دِهْقَان “بل مع عدد منهم فالمجال لا يتسع لأكثر من ذلك . – والدِّهْقَانُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا: رئيسُ القَرْية، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، ونُونُه أصليةٌ، لِقَوْلِهِمْ تَدَهْقَنَ الرجلُ، وَلَهُ دَهْقَنَةٌ بموضِع كَذَا. وَقِيلَ النونُ زائدةٌ وَهُوَ مِنَ الدَّهْق: الامْتِلاءِ.
وفي التنزيل الكريم “وكأسًا دهاقًا”.
في البداية تعالوا نتفق على شيء، إن تقييم أديب أو كاتب ما يقتضي – ولا شك – من “المقيم” الذي نصب نفسه حكمًا لذلك، أن يكون قد قرأ وهضم إنتاج ذلك الكاتب أو كثيرًا منه، وقد يزيد على ذلك فيقرأ ما كتب عنه من المتعصبين ضده ومعه، والأستاذ “حجاوي” مثقف موسوعي لا نشك في أنه قد اطلع على إنتاج هؤلاء الدهاقنة وغيرهم وربما – بل هو شيء أكيد – أن يكون الأستاذ قد قرأ وطالع غيرهم من الأدباء العرب وغير العرب ، وهذا واضح لا مشاحة فيه ، فنظرة واحدة إلى ما ذكرنا من كتبه ، أو مشاهدة حلقة من برامجه توحي بذلك، فأين الإشكال إذن؟!
الإشكال أن الأستاذ حجاوي قد غالط في مسائل قد يكون متفقًا عليها ، وسياتيك بيانها..
فهل يأذن لي الأستاذ عارف بما أعهده فيه من سماحة خلق، وسعة صدر، ودقة نظر ، أن أراجعه بعض المراجعة الهينة في ما جاد به علينا من أحكام على أؤلئك الدهاقنة؟ فقد رأيته يقول في بعض أحكامه جنفًا واعتسافًا وتنكبًا للسبيل .
غرد الأستاذ تغريدته عن الجاحظ فقال : ” استقى علمه من الكتب والسوق”..!
وقبل الكلام عن الجاحظ نسأل الأستاذ عارف عن كلامه، فلعله يكون مازحًا كعادته، متظرفًا في بعض أوقاته، أبجدّ يقول ما قاله عن الجاحظ ؟! أم أنها كلمة هو قائلها !!
من المعلوم بداهة عند قراء الأدب” والأستاذ عارف –لا شك- من كبارهم ” أن الجاحظ قد تتلمذ على فحول العلم والأدب في عصره، فقد أخذ اللغة والأدب عن الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي زيد الأنصاري، والنحو عن الأخفش، والحديث عن حجاج بن محمد، وتفقه على أخص أصحاب أبي حنيفة النعمان؛ أبي يوسف صاحب كتاب “الخراج” ثمّ أخذ الاعتزال على إمام المعتزلة في عصره “النظّام”..!
ولا بأس بعد ذلك؛ في أن نقول إن الجاحظ كان شديد الولع بالقراءة والمطالعة، وكان يكتري دكاكين الورّاقين ويبيت فيها للنظر في ما حوته من الكتب، وقتها لا نكون ظالمين للجاحظ بل نكون منصفين.
والأمر لا يخفى على أستاذ ذي مكانة مرموقة مثل الأستاذ عارف حجاوي! ولا نزيد على هذا، ومن أراد أن يتأكد فما عليه إلا أن يقرأ في كتب التراجم قديمها وحديثها، وقد أُلفت في الجاحظ مؤلفات مستقلة فليرجع إليها.
أما ما قاله الأستاذ حجاوي عن المعري، والتوحيدي، والرافعي وميخائل نعيمة، والعقاد، وزكي مبارك ، والمازني ، والمنفلوطي ، وعبود – مع أنني لم أقرأ “للأخير” إلا القليل – وطه حسين، فإني أوافقه فيه تمام الموافقة، وأكاد أقول إن حجاوي ينطق بما هو على لساني، ويعبر عما هو في جناني، ولا أظن قارئًا بصيرًا يعلم ما يقرأ يخالف في ذلك !!
وليت قلم حجاوي “السيال” جرى على هذا المنوال في حكمه على علامة العربية أبي فهر، وفي هذا ، وحسبنا منه أنه صحيح العزم ، صادق النية، بعيد النظر.
وكأني بالأستاذ حجاوي يعتذر عن هذا فيقول ما قال “شاعر النيل” حافظ إبراهيم :
رُبَّ ساعٍ مُبصِرٍ في سَعيِهِ أَخطَأَ التَوفيقَ في ما طَلَبا
ونحن نقول بدورنا :
العذرُعند كِرام الناس مقبولُ والعفو من شيم السادات مأمولُ.
وقبل أن أرجع فأصل ما قطع من التعليق على تغريدة الأستاذ حجاوي، أرجع فأذكِّر نفسي وأذكِّر القراء برأيي في الأستاذ.
أول ما يلفتك في الأستاذ عارف حجاوي ويجذبك إليه حبه الشديد للغةَ العربية؛ بشعرها ونثرها ،ويشعرك بل يأسرك ويحملك معه على بساطه السحري ليطوف بك ومعك عوالم سحرية ترجع منها بكنوز من الأخبار والمعاني والحكم، وجميل الشعر وباهر النثر، حتى إذا سمعته آخرًا وهو يقصف العربية بالشرف والعلو، لم تملك إلا أن تقول: آمين وألف آمين!
وربما يرجع السر في ذلك إلى قدرته الفائقة على إظهار جماليات اللغة ومحاسنها، فلا ترى أمامك إلا عروسًا متألقة في كامل أناقتها وجمال فتنتها، فلا تملك إلا أن تقول: ” لا عطر بعد عروس”، فهو يمتاز بحبه الأصيل للغة العالية في كل كلمة ينطقها، ويبهرك بفصاحته العفوية، ويأخذك بأسلوبه الرشيق ، وصوته الرقيق، وبعده الشديد عن التقعر والتكلف والتأنق والتشدق ، ويزين ذلك كله – كما قلنا – تواضع جم ودماثة خلق.
يعد الأستاذ عارف حجاوي من المقلين في التأليف وفي تقديري لا غرو في ذلك، فقد قالوا قديمًا :
ولو أراد أن يتكثر في التأليف كما يفعلون اليوم لبلغت مؤلفاته العشرات، فهو في ذلك يتبع سنة الأئمة الكبار الذين يبحثون عن النوع لا الكم! له من المؤلفات : ” موجز النحو، واللغة العالية، وغلط غلط ، وعزيزي المستمع، وأول الشعر، وتجدد الشعر،,تألق الشعر، وإحياء الشعر، وآخر الشعر، وعصارة المتنبي، وزبدة النحو”.
وها نحن نرجع مرة أخرى للحديث عن تغريدة حجاوي ..
قال أستاذنا عن العلامة أبي فهر : “غضوب كمريديه. كتب ثلاثمئة صفحة ليشتم رجلاً، فقرأها الناس لروعة الأسلوب ولذعة السخرية. لم يفهم الشعر القديم في زمننا أحد مثله. عبارته كحجر الألماس..لا عيب فيه”.
تكلم الأستاذ حجاوي منتقدًا الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر بكلمات جلست مع نفسي سويعات أضرب أخماسًا بأسداس، أقلب الأمر يمينًا وشمالًا أحاول أن أجد لها محملًا حسنًا، أوتصريفًا جيدًا فلم أستطع لذلك سبيلًا، فإما أن يكون الأستاذ حجاوي لم يقرا كتاب “أباطيل وأسمار” الذي ألفه شاكر ليرد فيه على افتراءات د. لويس عوض ومحاولته تشويه التاريخ والعبث بالتراث، وهذا مستبعد جدًا لصدق الرجل وأمانته..! وإما أن يكون نظر في الكتاب نظرة عجلى أوقعته في المحظور، وإما أن يكون محتقبًا في نفسه شيء على الأستاذ شاكر حمله على قول ما قال، وهذا الاحتمال أبعدها جميعًا ؛ لما مر معنا سابقًا من أن الأستاذ حجاوي حليم، كريم، لا يحمل ضغينة على أحد من الناس لا سيما العلماء !
فماذا بقي؟ ما أرجحه أنا هو أن الأستاذ حجاوي قال ذلك القول في لحظة غضب، حمله على ذلك تعصب بعض أتباع شاكر ومريديه لأستاذهم وشيخهم…، فقد نقل لي الأستاذ المحقق الشيخ مطيع الحافظ صديقي وزميلي في “إدارة الإفتاء والبحوث” سابقًا في دبي “.. نقل لي كلمة عن المؤرخ الكبير والأديب “الطباخ” وهو أحد تلامذة محمود شاكر النجباء قوله: ” محمود شاكر أفصح من نطق بالعربية”، والذي يرجح هذا الاحتمال هو مهاجمة حجاوي تلاميذ شاكر في الوقت نفسه الذي هاجم فيه أستاذهم، وذلك عندما قال :” غضوب كمريديه”، فكيف يسوغ ذلك ، ولمَ يقول ذلك والمقام لا يستدعي !!
على كل حال ومن باب التوضيح فإن العلامة محمود شاكر حينما كتب كتابه الموسوم “أباطيل وأسمار” كان باعثه الأول والأخير هو الرد على مقالات الدكتور لويس عوض، حيث كان يُسوّد بها صحيفة “الأهرام” – كان مستشارها – في وقت كانت فيه “الأهرام” أهم صحيفة في حياة الأمة العربية ثم الأمة الإسلامية يوم كان تعدادها نحو ثمانمئة مليون نسمة، فلم يجد بدًا من الرد عليه وتفنيد أقواله بالأدلة والبراهين العلمية ، وقد قال في ذلك: “إنما حَمَلتُ أمانة هذا القلم لأَصْدعَ بالحق جِهارًا في غير جَمْجَمَة ولا إِدْهان. ولو عرفتُ أني أعجَزُعن حَمْل هذه الأمانة بحقِّها لقذفتُ به إلى حيث يذِلُّ العزيز ويُمْتَهَن الكريم. . . وأنا جنديٌّ من جنود هذه العربية، لو عرفتُ أني سوف أحمل سيفًا أو سِلاحًا أَمْضَى من هذا القلم، لكان مكاني اليوم في ساحة الوغى في فلسطين، ولكني نَذَرتُ على هذا القلم أن لا يكُفَّ عن القتال في سبيل العرب ما استطعتُ أن أحمله بين أناملي، وما أتيح لي أن أجد مكانًا أقول فيه الحق وأدعو إليه، لا ينهاني عن الصراحة فيه شيء مما ينهى الناس أو يخدعهم أو يغرر بهم أو يغريهم بباطل من باطل هذه الحياة”، وقال في مكان أخر : “ولهذه الفصول غرض واحد. . . هو الدفاع عن أمة برُمَّتها، هي أمتي العربية الإسلامية. . . فصار حقًا عليَّ واجبًا أن لا أتلجلجَ أو أُحْجِم أو أُجَمْجِمَ، أوأداري، ما دُمْت قد نَصَبْتُ نفسي للدفاع عن أُمَّتي ما استطعت إلى ذلك سبيلًا ،وصار حقًا عليَّ أن أستخلص تجاربَ خمسين سنة من عمري قضيتُها قَلِقًا حائرًا، أصارِع في نفسي آثارَ عدوٍّ خَفِيٍّ، شديدِ النِّكاية، لم يَلْفِتْني عن هول صِراعه شيءٌ، منذ استحكمت قُوَّتي واستنارت بصيرتي” انتهى.
نعم، كتب ذلك – يرحمه الله – من أجل الدفاع عن أمته العربية.. يرد عنها سهام الطعن والتشكيك، في وقت تتعرض فيه لأبشع هجمة منذ أن كانت أمة عزيزة مرهوبة الجانب، تخشاها الأمم، وتخشاها الدول وتحسب له ألف حساب، وأي غزو أبشع من الغزو الفكري، وأنكى من التبشير الثقافي !!
وقراءة الكتاب تشي بذلك، أما تهمة التهكم وظنة السخرية التي ألحقت بالرجل فلا أظنها كانت مقصودة لذاتها، وإنما جاءت نبعًا لما أرده المؤلف من دحض لشبهات وإفساد لقضايا مزعومة لا تقف على ساق صحيحة ولا ساق عرجاء،-كما عبر محمود شاكر- ولا تصمد تحت مطرقة الأدلة والبراهين.
وأخيرًا، وقبل أن ألقي القلم من يدي أسارع فأشهد شهادة حق في الكتاب وصاحبه : ” إن هذا الكتاب “أباطيل وأسمار” الذي وصف الأستاذ عارف حجاوي صاحبه بأنه:” كتب ثلاثمائة صفحة ليشتم رجلاً، فقرأها الناس لروعة الأسلوب ولذعة السخرية” لهو كتاب نفيس، وعلق خطير، ورفيع القدر، والجهد المبذول في جمع مادته ، يدل على منهج صحيح في طلب المعرفة، ويرشد إلى الصدق في طلب الحقيقة وفضحها، ويعلم النفاذ في إدراك الحقائق وسبر غورها، مع طول صبر وتروٍّ وأناة في معاناة النكت والتنقيب بلا كلال ولا ملل، ولا أظنني قرأت منذ عهد بعيد كتابًا مثله ، فضلًا عن أن يكون أحسن منه، موضوعه المسائل العامة في حياتنا الحديثة، بذل فيه صاحبه من الوقت والجهد والصدق والإخلاص والأناة ومن حريته معشار ما بذل فيه صاحبه العلامة الكبير– يرحمه الله – محمود محمد شاكر في كتابه هذا، ولا أظنني قرأت أيضًا في هذا الدهر كتابًا، ينبغي لكل عربي ومسلم ينبغي أن يقرأه من ألِفه إلى يائه مرات ومرات مثل هذا الكتاب.