ليل ومقهى ورحيل وباب للمغادرة والدخول لعالم جديد. أربع كلمات تحمل معاني عظيمة وكثيرة، فالليل هو السكون.. هو إلهام الشعراء والرحيل عن الأحبة والجَمعة بين الناس.. هو الالم ومخاض القصيدة، والباب هو الدخول لعالم القصيدة والخروج منها سالمًا.. هو بين عالمين يختلفان عن بعضهما بعضًا، و لكلٍ أثره في الآخر، والمقهى لمة الصحبة والأحباب والقهوة والأنس والأحاديث التي تفتح للشاعر الآفاق، وتزخمه بالمعاني والأفكار والمعلومات والحب الذي ينضح بها، ويحولها إلى كلمات عذبة تسمى القصيدة.
شاعرنا محمد البريكي، هذا الشاعر الممتليء بحب الناس والرحيل والقصيدة والسكون الذي يسبق العاصفة، الشاعر في المقهى ويشرد خلف زجاج لشارع يسكر في همومه ودعائه إلى الله، وإن الله قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه. الليل ساتر الهموم والأحزان والدعاء والأفراح، لكن الليل سيترك باب المقهى عنوانًا لقصيدته الأولى ، واستحضر أبا نواس، ولكن الاختلاف كبير فخمرة البريكي خالية من الذنب والإثم.. مليئة بالسكون الروحاني والضجيج المجتمعي، والصور التي يرسمها تتصاعد منها ريح الياسمين والحب للبسطاء.
يقول أبو نواس:
صفراء لا تنزل الاحزان ساحتها لو مسها حجر مسته سراء
و يقول البريكي:
لا تعنيني نشوة في الحانة
أو ضجة من في المقهى
فالشارع أكثر سكرًا من كل أؤلئك
لا من خمر يترنح
لكن طال الصبر
فمال على حائط بيت مكتهل
تتعلق في شباك البيت دموع ثكلى
ويقوم دعاء
ورأى في ما لا يدركه النشوان
ملائكة تتنزل
أمطارًا تشدو
وسماء
قرر هذا الشارع أن يلبس ثوب الليل
على باب الحائط
فالليل سيترك باب المقهى
إنها قصيدته التي تنضح بالصور والمعاني إن مسها قلمه وعقله وقلبه وروحه السكرى بحب الناس.
وفي رقصة في الريح يزفر خلف الشبابيك العاشقة يكتب شاعرنا، واستحضر امرأ القيس:
وليل كموج البحرأرخى سدوله
علي بأنواغ الهموم ليبتلي
أيا أيها الليل الطويل ألا انجلِ
بصبح وما الاصباح منك بأمثل
كأن الثريا علقت في مصامها
بأمراس كتان إلى صم جندل
فيقول:
إذا أيقظ العصفور شباك وحدتي
أدرت طواحين السؤال بليلتي
أقول ونجم السهد مثلي متيم
تزورين نومي أو تزورين يقظتي
حنانيك لو يأتي غرامك هاربًا
إلى الحرف أو يأتي ليشدو بلوعتي
وهو بذلك يعود إلى باب المقهى شباك بيته، ويعود إلى الليل وأحزانه ونجومه وشروده وسرحانه.. ذاك السكر النبيل الذي لا يقوى عليه سوى الشعراء، ويرجع إلى امرئ القيس ثانية:
مكر مفر مقبل مدبر معًا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
في قصيدته “العابرون” يتوهج الشاعر غضبًا وحزنًا والمًا وشاعرية، ويتدفق كالموج ويصبح خيلًا مع خيول الحق التي تشق سراب الليل وعتمته بضيائها، فيقول:
على مهل حين تسقط يا دمع
فالحد ليس هو السفح
كي يتحمل جلمود صخر هوى
من أعالي العيون
لقد سقطت قلعة المشرق المتشبث باللغة المستجيرة بالنار من لهب ورياح
تجرح جبهة فرسانها في الصحاري
ويتدفق الأمل في صدر شاعرنا ، فيغني كعصفور على شبابيك الحزانى والصابرين، ويزرع أغانيه في صدورهم:
كم أحب العصافير يا صاحبي
فالعصافير لا تأكل الآدميين
حتى وإن هم نيام
فعلى زقزقات العصافير مني السلام
إنه الشاعر الإنسان، والنور الذي ينبع من الداخل ليضيء الكون بأسره،ة هو ذاته محمد هذا الطفل الطيب الذي لا يعرف سوى الطيب يقول:
أيها الطيبون
المحبون المعزف والقافية
أنا أتسكع حول الحمى
وأصبِّر جوعي بصوت العصافير
أهرب من لهب الصيف تحت ظلال الحروف
وإن كانت الروح طفلة حارتنا
تتمشى على جمر اللهب
وأقدامها حافية
صديقي وأستاذي، إن حروفك بثت فينا الحب والروح النقية من جديد إلى طفلة حينا، وإلى حبنا الفطري الأول.. إلى منبتنا الأصلي.. إلى أصلنا.. إلى ذاتنا. لقد جاءت قوافيه وعروضه منوعة، فقد نهل من أنهار عدة، وسبح في بحور شتى، وجاءت صوره موقعة لوحدها من دون النظر للعروض، وجاءت قصائده مغناة على إيقاع التعاطف الإنساني الخالص من أي شائبة، والحب المتفجر في كلماته ومعانيه، وجاءت جمله صحيحة وموزونة صرفًا ونحوًا وتماسكًا وانسيابية وقوة، ومفرداته زاخرة بالموسيقا وبعيدة عن التقعر.. سهلة شاعرية.. عذبة تفتح أبواب المعنى.. عميقة في فحواها ومرتبة بنظام هيكلي متين.. تنم عن قدرة الشاعر الكبيرة وهي بين الحداثة والتقليدي، ولكنه استطاع أن يدخلنا عالمه ويخرجنا لا كما دخلنا.
محمد البريكي شكرًا، فالليل سيترك باب المقهى، وقصائدك ستترك الباب مفتوحًا لاحتمالات الحياة.
شكرا من القلب للاستاذ وائل ولمجلة البعد المفتوح على نشرهم مقالتي وانا اتشرف بذلك ولي الفخر فمجلتكم غنية بالمواضيع الهامة والقراءات المميزة واكل قراء ومتابعي هذه المجلة الغراء الحب والتحية ولكم خالص مودتي وحبي ……………………مهند الشريف
شكرا من القلب للاستاذ وائل ولمجلة البعد المفتوح على نشرهم مقالتي وانا اتشرف بذلك ولي الفخر فمجلتكم غنية بالمواضيع الهامة والقراءات المميزة واكل قراء ومتابعي هذه المجلة الغراء الحب والتحية ولكم خالص مودتي وحبي ……………………مهند الشريف
لقد أحسنت تطوافا في هذه المجموعة، ووضعت الكلام على الكلام في رقي حرف، وجلاء معنى، وسبرا لغور، وإظهار مكامن الروعة والإبداع.