“ربيع الغابة” للكاتب جمال مطر  السياق السوسيوثقاقي على لسان الحيوان د. مريم الهاشمي*     –    الإمارات

إن الرواية نافذة لفن مرن ومفتوح ، ويمكنه ابتلاع أجسام كاملة من الأصوات المتعددة والأجناس الأدبية ، ويحق لها أن تنقلب على أنماط السرد التقليدية والأطر الثابتة وتكسر نطقها السردي الرتيب – كما يجده  بعض منا – لتتجسد بشكل حضور كتابي متعدد الايحاءات، وببعد انفتاحي عميق ليستدعي الدهشة التي يريدها المتلقي .

تعد الكتابة على لسان الحيوان أسلوبًا أدبيًا شائعًا في تاريخ الآداب العالمية ، وعرف الأدب العربي هذا النوع من الأدب بطبيعة الحال من خلال نص “كليلة ودمنة” لابن المقفع ، وكلنا يدرك كم تغيرت الكتابة الروائية منذ بدء ظهورها كجنس أدبي متكامل العناصر ، لتتطور وتصل  إلى ”  ظاهرة التلقي ” ودورها في تكوين الحضور الروائي والأدبي، كما نجد مستويات تلقي النص تبعًا لثقافة المتلقين وهدفهم من القراءة ، فمن يقرأ “ربيع الغابة” وهو الإصدار الأخير للكاتب جمال مطر، يدرك السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والإنساني والآني من العمل الروائي ، وفعل القراءة على اختلافها كان له أثره في تفعيل النص الأدبي للوصول إلى استخراج مقاصد النص، وإنتاج تلك الدلالات مع مراعاة السياق السيسوثقافي لكن على لسان الحيوان، على اختلاف أبعادها الرمزية ومقاصدها النصية مولدة لمجموعة من العلاقات والرموز التي لا يمكن الكشف عنها إلا عن طريق العودة لحقول معرفية مختلفة ، فالرمز أوالعلامة ليس وسيلة لنقل الأفكار وحسب،  بل هو وسيلة لنقل المشاعر، وتحولت من وظيفة تقريرية إلى وظيفة نفسية تسعى إلى القبض على حركة واقع يتشظى باستمرار، وحقائق تتشكل بناء على التوازنات التي يفرضها الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي،  ليحول تلك اللفظة إلى إحالة أو إشارة  لكل تلك الأحداث التي يريد.

  يمكن أن تختلف التأويلات في نص “ربيع الغابة” باختلاف البنى الذهنية والسياقية والمؤهلات القرائية وإمكانات فك الشفرات النصية ، ويمكن كذلك  لمستويات عمرية مختلفة أن تتفاعل مع النص لسهولة لغة النص ومباشرة الأحداث في تسلسلها، ويمكن  لمستويات أخرى أن تغوص أبعد من ذلك لتصل لقيم إنسانية وواقعية وفلسفية وفكرية، فالنص وقع في استعارة الحيوان وقصَد الإنسان، إلا إن الإنسان الرواي  في “ربيع الغابة، تميز بشاعريته المفرطة ومثله الرومانسية التي طغت هنا وهناك بين أروقة فصول الحكاية، وقد يدل ذلك على شخصية الكاتب الميالة لهذا النوع من الأدب، إلا إن الواقع استثاره ولجأ كما يفعل الرومانسيون إلى التعبير عن الصراعات والرؤى بأسلوب شعري درامي  قادرعلى استنطاق المسكوت عنه .

*ناقدة إماراتية