كورونا.. ماذا عن التوقيت ؟
هل من عالم جديد سيحتل العالم ؟
ليس من مهام الكاتب أن يقدّم حلولًا، وإنما أن يوحي ويصوّر ويشخّص الأمور كما أقرّ الفلاسفة والنقّاد
من هذا المنطلق رأيت الحديث عمّا أريد،
فبعيدًا عن المرض وأهواله المرعبة.. عن حصده أحبّتنا بالجملة.. عن حجم الكارثة التي حلّت بنا – بسبب ذنوبنا وهناك من يعتقد ذلك أو لسبب نجهله – عن الموت الذي صوِّر لنا بوجه كوفيد المُربك، ومن ثم عن القلق الذي بات يلازمنا كلدغة سامة لا نعلم متى سيكون المصل المضاد لها فعالًا.
بعيدًا عن أسوأ الذكريات المصاحبة للأعوام الثلاثة التي مرّت بنا، واحتمالات البقاء التي كنا نتأمل حدوثها، هل كنّا على أهبّة الاستعداد لاستقبال هذا الفيروس الذي تحوّل اليوم وبإعلان دول أوروبية عديدة إلى مرض “متوطن” ؟ ما يشير إلى أن “كوفيد” باق من دون شك كأي مرض تم التعامل معه والسيطرة عليه.
إذن السؤال البديهي ما الداعي لكل ما حصل ؟
في السابق كانت تعدّ العزلة الاجتماعية ظاهرة مضرّة تُصيب الإنسان وتعطله عن حياته الطبيعية والحيوية، فهي انعزال الفرد عن الآخرين وأحاديثهم وإنجازاتهم، وبالتالي قد تصل بالفرد المعزول إلى عدم الشعور بالرغبة في أيّ ‘نجاز يمكن أن يُحققه، وتنمو في داخله رغبة البقاء وحيدًا بعيدًا عن الإنتاج العملي والترفيه الشخصيّ، ومن آثارها السلبية ؛
•الإصابة بالاكتئاب وصعوبات النّوم
•ضعف وظائف القلب والأوعية الدموية
•ضعف المناعة بسبب التأثير في خلايا الدم البيضاء، التي تلعب دورًا رئيسيًّا في استجابة الجهاز المناعي للعدوى.
•التدهور المعرفيّ المتسارع
•زيادة خطر الإصابة بالجلطات الدماغية وأمراض القلب التاجية
•ارتفاع مستوى التوتر والقلق.
لكن العزلة القسرية التي تعايشنا معها رغم صعوبتها، وعمل معظمنا على فك رموزها وأخذ كل أمر إيجابي منها، حتى بعد عودة الأوضاع الاجتماعية في ما بعد إلى حدّ مقبول ، بعيدًا عن ضغط المجاملات وترف المناسبات المزعج، وثورة العلاقات الاجتماعية، صارت العزلة أمرًا معتادًا أو مستحبًّا عند بعض من الناس.
إن أكثر ما نشكّك فيه هو أكثر ما قد نرغب فيه، وإن كانت الصور النمطية السائدة تصورات مُعمَّمة أو مُفترضة عن مجموعات مختلفة في مجتمعات متنوعة، وتخلق توقُّعات متحيِّزة لمظهرالآخرين وكيف يفكرون ويشعرون ويتصرَّفون، التي لا يتوقف تأثيرها في النظرة تجاه الآخرين وطريقة التعامل معهم، بل يتعدَّى ذلك إلى نظرتنا إلى أنفسنا وتوقعاتنا نحو ما نريد وما يمكن أن نفعل ، حيث بدأت العزلة تمنحنا مساحات من التفرّغ واكتشاف الذّات، والرغبات بوصفات غير معدّة سابقاً، خالية من التّعميم على نحو شامل، غير مبنية على توجّه سياسي أو ديني أوعرفي.
وبالرغم من أن سلطة القوانين ساهمت في تحطيم القوالب الجاهزة لبعض العادات المتوارثة، استطاع “كوفيد” كسر الصورة النمطية السائدة، وجعلنا نعتاد مزاولة أعمال عبر الإنترنت كثيرة ، ليس أولها العمل من المنزل والتسوّق الإلكتروني المريح، والتواصل الاجتماعي و..
هل نحنُ الآن في الوضع الآمن؟ في هذا العالم الافتراضي، من يفترض أننا لن نصبح على مجاهل غير معلومة بعد مرور أعوام ليست بعيدة، من يفتي بأن حدود الدين لن تتقلص كذلك كما التواصل الاعتيادي؟ من الذي سيحدد أننا داخل الدائرة أم سيُلقى بنا في الخارج ؟
تساؤلات كثيرة تفتح علامات استفهام مثبتة.
العالم يتشكل من جديد وفق شركات عملاقة لسنا سوى أيقونات داخلها، حيث ملامح الحروب الكونية التي نقف أمامها مصابين بالذهول !؟؟
لاحدود للخيال ولا حدود للتكنولوجيا، أُعلِن عن عالم افتراضي يستخدم تقنية “الهولوجرام” على شبكة الجيل الخامس التي تزيد سرعة نقل البيانات بشكل هائل، وتقلل الوقت المطلوب لبث البيانات من نقطة معينة إلى أخرى لتسهل بذلك الاتصال بالإنترنت وتزيد سرعته، ومن ثم تحسّن كفاءة وسلاسة الاجتماعات الافتراضية.
وقد حذّرت من تغيرات مستقبلية أعمال فنية (أفلام،ومسلسلات)غربية تصور هذا العالم بالمرعب، وقد يبدو أن هناك ما يثير تساؤلًا أكبرإذا ما تم انقطاع الإنترنت بسبب العواصف الشمسيّة المتبّأ بها، ماذا سيكون البديل الأفضل؟
وإذا خضعنا بالكليّة لهذه العوالم المفترضة واندمجنا معها لدرجة التخلي عن عوالمنا الحقيقية لأسباب كثيرة، ليس أولها تعدد الوجوه التي نرتديها وتتناسب مع دوافع النقص والتمرد الخفي، ونحن أسرى خيالاتنا الجامحة ، ماذا سيحل بالعالم ؟
أسئلة كثيرة لانملك لها إجابات محددة أو واضحة.. هنا مربط الفرس ، ليست لدينا خيارات بديلة، نسأل فقط بلا أي حق لللحصول على الإجابة، نحن المجتمعات المستهلكة.
زر الذهاب إلى الأعلى