غرباءٌ نحنُ، أينما حَللنَا
نفلقُ الحروفَ من الصخرِ ومن الدَهشةِ
أغبطهم أولئكَ الذين يعيشونَ الحياة ببساطةٍ و دون اهتمام ..الحياة بالنسبة لهم متعة، ونحن في كل زقاقٍ يطلُّ علينا من يقدم لنا الألم على طبقٍ من ذهب ..ألمٌ لا نريدهُ ..لا ننتظرهُ ..لكنه يأتي ..
قالها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر “المعرفة هي الجحيم” وقال أيضًا “الآخرون هم الجحيم”.. نعم المعرفة محرقة، والآخرون، بعض الآخرين ربما يجلبون لنا التعب. ليتني كنت إنسانًا عاديًا لا أفكر لا في قصيدة ولا قصة ولا رواية..بل المتعة ..متعة الحياة و لو كانت متعةً غبية..
أحيانًا أتساءلُ: هل القدر منحنا ملكة الكتابة وأرسل معها أدويةً من النيران ….مرةً في شبابي توجّهت إلى طبيب نفسي أشكو له اكتئابي فقال لي: تريد أن تكون كاتبًا ولا تكتئب..هذا مستحيل! …لذلك قررت مداعبة الشقاء فربما يحنو ولو قليلًا…
(2)
النخيل
واقفٌ بينَ نَخِيلٍ
بينَ شُموعٍ، بين عَواصفَ، بينَ نيِرانٍ، وسطَ براكينٍ،
لم يحترقَ بعدُ، لامَسَ الرُمادُ رُوحَهُ حتى وصَلَ إلى عَينيهِ،
لم يأبَه، لم يَتراجع. ما زالَ يَعدو نحو الحَدائِقِ،
مُصمّمًا أن يتذوقَ المانجو والنارجيلَ من الأشجارِ العَاليةِ وهي تطاولُ العَلياءَ
ما زالَ شامخًا في الوقوفِ وفي الحُزنِ وفي السكونْ ….
زمنٌ مصنوعٌ من عِظام المَوتى
يدفنُ الأنقياءَ في أرديةٍ سوداءَ، في أقفاصٍ بلا قضبانٍ، في عُتمةِ ليلٍ بلا سَمَرٍ ولا سامرينَ،
زمنٌ يَصطادُ الحروفَ المتوهجةَ المُسافرةَ نحو السَديمِ البَعيدِ لتزرعَ بنفسجةً لا تموت،
معلقٌ في رقابِ الغرباءِ هذا الزمنُ المُسَنَّنُ بالقلوبِ البخيلةِ …..
الكَائداتُ، مدَّعِياتُ العِشْقِ
قذفوهُ بأخشابٍ مُشتعلةٍ، لا تَنطفىءُ، وضَعنَ مَشاعلَ حَارقةٍ تحتَ ظِلالِ قَلبِهِ،
ليَحرقنَ جُذورَهُ وصهيلَهُ، وجَسدهِ المَجنُون
ما زال واقفًا، عاشقًا حتى دون عاشقةٍ ، دون وجدٍ ..دونَ هوًى،
حَاملًا في مُهجتهِ شوقَ الأزاهيرِ وحنينَ الأيائل.
ما زالت عيناهُ تعانقُ الأفقَ بشغفِ العاشقين
يَعدُو ..يَعدُو
نحو نَبعٍ خلفَ المَسافاتِ، نَبعٍ مَاؤه مَطرٌ عُذريٌ ….نبعٍ يتلأْلأُ في العَتماتِ لا يَراهُ سِواهُ ،
نبعٌ يُضيءُ الروحَ المُتعبةَ، هو يركض،
الوقوفُ حَتفٌ….وما زالَ يَركضُ …..
صَنع قبرهُ، حَجرًا حَجرًا، خَبَّأ فيه كلَّ ذكرياتهِ العتيقةِ،
فتحَ في قبرهِ نَافذةً يَطلُّ منها على الخَلقِ، على الوَطنِ المُستَهامِ المَعشُوق،
على الأحبَابِ الذينَ من أجلهم لَقى حَتفَه بدونِ حتفٍ
ما زال حيًّا وسيظلُ فاتحًا عينيهِ حتى بعد الموتِ لأن النوارسَ تحلّقُ داخلَه إلى أبدِ الآبدين.
ما زال يحلمُ خارجَ النَوم ويفرِّطُ في الرؤَى …..