متفرقات

عرض كتاب   “رؤية دوستويفسكي للعالم” اكتشاف الجانب الروحي ورؤيته للعالم   محمد هجرس      –      الإمارات

دوستويفسكي فيلسوف المستضعفين و أكثر الفلاسفة إنسانية

دوستويفسكي

 

محمد هجرس
محمد هجرس

 

كان يرى اكتمال وعي الإنسان وإدراكه الحياة، فرصة لمنحه حق الاختيار، إما ان يختار الصمت والانطواء على نفسه للأبد، وإما أن يصبح ثرثاراً في وجه كل شيء، إنه الروائي والفيلسوف فيودور دوستويفسكي، الذي يعد أشهر الكُتاب والمؤلفين في العالم لما تحتويه أعماله من فهم عميق للنفس البشرية وتحليل للحالة الروحية   والاجتماعية والسياسية لروسيا من خلال طرح المواضيع الفلسفية والدينية في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو ما جعل النقاد يعتبرونه من أعظم النفسانيين في الأدب العالمي، وأحد مؤسسي المذهب الوجودي، ما يؤكد أنه لم يكن فناناً عظيمًا فحسب، بل كان مفكراً عظيماً أيضاً وصاحب رؤية عظيمة في رؤيته، كما كان جدلياً عبقرياً في جدله.

  ومن الكتب التي حاولت توضيح أفكار ورؤى دوستويفسكي كتاب “رؤية دوستويفسكي للعالم” للفيلسوف الروسي نيقولاي برديائف، الذي صدر عام 1946 في باريس، وترجمة للعربية فؤاد كامل وطباعة آفاق المصرية (2018)، وهو كتاب لا يقدم عن دوستويفسكي سيرة ذاتية أو صورة أو نقد في أعماله، إنما هو اكتشاف الجانب الروحي والنفاذ إلى الطريقة التي عانى بها العالم من وجهة نظره، ومن خلالها قدم لنا رؤيته لهذا للعالم.

يقع الكتاب في 240 صفحة ويتكون من مقدمة و9 فصول كلها عن الروح والإنسان والحب والشر والاشتراكية وروسيا، وكلنا دوستويفسكي.

انتقادات:

 يشير الكتاب إلى أن كل عبقرية لابد أن تكون قومية الذات بقدر ما تكون إنسانية، وهو حق يُقصد به دوستويفسكي، فهو روسي على وجه الخصوص حتى أعمق أعماقه، لكنه في الوقت نفسه اكثرهم إنسانية، وكل أعماله تفسير روسي لما هو عالمي، وهو ما يدفع العالم إلى البحث في أعماله عن الإنسانية المؤنسنة لهذا العالم.

 وينتقد الكتاب كل الكتابات التي كتبت عن دوستويفسكي، ويعتبرها أشياء لا تمت للحقيقة بصلة، ولم تبلغ الإحاطة بكل جوانبه الشخصية، وأن كل من تصدوا بالكتابة عنه نظرتهم محدودة، ولم يدرسوا منه سوى ما أدرِج تحت إطار بحوثهم، لأن دوستويفسكي في حقيقته إنسان قومي رغم روسيته، وهب حياته وعقله للدفاع عن المستضعفين والمهانين، وهو موهبة قاسية، وبمعنى أدق كان المفكر الذي يبحث عن الإنسان تحت الأرض.

 ويقول المؤلف: الافكار تحيا حياة عضوية لدى دوستويفسكي، كما أن لها مصيراً حياً محتوماً، والوجود لديه كان في أعلى صوره دينامية، ولا شيء ساكن، فهي لا تتوقف ولا تتحجر، مشيراً إلى أن دوستويفسكي درس العملية الحية لهذه الدينامية بعمق، وقام بعرض الأفكار في أعماله وكأنها أعاصير من اللهب وأحاطها بجو مشتعل من النيران، فيما كانت المفاهيم الباردة لا تعنيه أبداً، لأنه كان يحمل بين جنبيه نفحة من روح الفيلسوف هيراقليطس الذي كان يرى أن كل شيء نار وحركة تضاد وصراخ، والأفكار موجات من النيران، وليست مقولات متجمدة أبداً.

 ويرى أن كل فكرة عند دوستويفسكي ترتبط بمصير الإنسان وبمصير العالم، وهي مصائر تحددها الأفكار، ولأن تلك الأفكار وجودية من حيث إنها تحتوي على جوهر الوجود نفسه فإنها تخفي الطاقة المدمرة الشبيهة بالديناميت، موضحاً أن دوستويفسكي يبين لنا أن انفجار تلك الطاقة المدمرة ينشر الدمار في ما حولها، لكنها تملك أيضاً الطاقة التي تُبعث بها الحياة.

 الحرية ومصير الإنسان

 حول الإنسان ومصيره عند دوستويفسكي يقول المؤلف: مصير الإنسان وجولاته تتحدد بواسطة حريته، وهي حرية توضع عند دوستويفسكي في مركز تصوره لهذا العالم، مستغرباً من عدم فطنة أحد إلى تلك السمة حتى الآن على نحو كافٍ، فيما ترتبط مشكلة الشر والجريمة بمشكلة الحرية لدى الإنسان بشكل عام، وبدون الحرية لا يمكن أن يوجد الخير لأن الحرية هى سر الحياة.

 ويؤكد الكتاب أن دوستويفسكي نفذ إلى داخل الأعماق الإنسانية وكشف عن الأفكار والأسرار المختبئة استعداداً لارتكاب الجريمة قبل ارتكابها، ولا يدرك القانون ولا الرأي العام ما في أعماق الإنسان من تلك الجريمة الكامنة، موضحًا أن معرفة الإنسان بنفسه وما تنطوي عليه، ومعرفته قبل ارتكابه للجريمة بما ينتظره من عقوبة قاسية، تأكيد على أن الضمير الإنساني هنا يكون أقسى من القانون في صرامته، وهو ما يؤكد أيضاً أن الجريمة ترتكبها الروح الإنسانية بمجرد التفكير في المخيلة.

الحب والانفجار البركاني

  بشكل عام، تدور كل مؤلفات دوستويفسكي في جو من العاطفة العاصفة المحرقة، والحب لديه انفجار بركاني وانطلاق لكل القوى الوجدانية الكامنة في طبيعة الإنسان، وهو حب لا يعرف القوانين ولا يعترف بالشكليات، وبتأثير اندفاعاته التي لا تقاوم صعود أعماق النفس الإنسانية نفسها إلى السطح، وهي نزعة دينامية في أعمال دوستويفسكي لا نجدها في أعمال أخرى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى