نظم بيت الشعر في الشارقة، يوم الثلاثاء ٢٤ مايو ٢٠٢٢ في قصر الثقافة أمسية شعرية احتفت بثلاثة وجوه شعرية ذات حضور متميز في المشهد الشعري العربي، وهم د. سعد الدين كليب من سوريا، د. عارف الساعدي من العراق، و أ. محمد طه العثمان من سوريا.
حضر الأمسية الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير “بيت الشعر” في الشارقة وجمهور غفير من المثقفين والشعراء، والإعلاميين والمهتمين، وغرد الشعراء الثلاثة فشنفوا أسماع الحاضرين بأجمل الأنغام، وعطروا الأجواء بأريج المعاني. قدم للأمسية الإعلامي السوداني عصام عبدالسلام الذي افتتح الأمسية بتحية لبيت الشعر والقائمين عليه و للحضور، و في هذه المناسبة قال محمد البريكي: “استطعنا من خلال هذه الأمسية أن نستعيد الزمان من خلال المكان، فهذه القاعة شهدت في يناير 2020 أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي، وها هي تشهد أمسية شبيهة بأمسيات المهرجان من حيث الحضور الكبير، وانتقاء الشعراء الذين استطاعوا بحضورهم حشد الذائقة وإغراءها بالحضور”.
افتتح القراءات الشاعر د. سعد الدين كليب الذي ابتدأ بقصيدته “الحجر/ البيت/التراب” في أبيات تجلى فيها عشق الوطن شعرا نديّا، يقول من قصيدة “تطريز شامي”:
قلبي على حجرٍ في الشام سكناهُ
لو لم يكن حجراً، كنا عبدناهُ
قال النبيّون هذا كوكبٌ عجبٌ
يا ليتهُ بلدٌ يدنو فنحياهُ
فكانَ ما كانَ مما لم يكن قدراً
فسيفساءٌ، بروح الشرق تيّاهُ
أعقبتها قصيدة أثارت فيها الذات الشاعرة تساؤلات وجودية غارقة في التيه والوحدة والحيرة، محفوفة بالبياض، الذي يحيلنا للفراغ/ العدم/ واد غير ذي زرع، في وقفة يقفها الشاعر على حافة ذاته متأملًا ضياعها :
وماذا سوف أفعل هكذا وحدي
بوادٍ غير ذي زرعٍ
أجدّف دونما أفقٍ
وأخبطُ تائهاً توّاهْ
هنا لا شيء أفعلهُ
هنا لا شيء غير الأبيض المسفوحِ
أسقط في حُميّاه
ويصلبني على حُمّاهْ
كأني لم أكن من قبل
تلاه الشاعر العراقي د. عارف الساعدي الذي افتتح قراءاته بحكاية النهر الذي غدا رمزاً جسّد أوجاع الشاعر التي يهرب منها إلى محاولة التقاط الجمال من حوله يقول:
منذ أن قيل حزنُه لا يُجارى
ذرف النهر دمعه وتوارى
واختفى العشب من يديه وتاهتْ
ضحكاتٌ على شفاه الحيارى
أيقظِ النهر مرةً بعد أخرى
فنعاس الأنهار شيبُ صحارى
كما قرأ الساعدي بعدها مقطعا من “مدونة أعرابي”، ثم سافر بالحضور في مخيلة الرسام الذي ينظر للعالم من خلال لوحته محاولًا هدم واقع يرفضه ورسم واقع يشتهيه، إلا أن عوالمه تداخلت وتمازجت حتى تلاشى الخط الفاصل بين الواقع والخيال، يقول من قصيدة “ما لم يقلْهُ الرسام”:
رسمت غيمًا ولم أرسم له مطرا
لكنّه كسر اللوحات وانهمرا
وفزّز الماء طينًا كان مختبئًا
في لوحتي، ناطرًا في صمته المطرا
وكان في الطين حلْمٌ، لو منحت له
وقتاً نديّاً لكانت لوحتي شجرا
لكنه اختلطت ألوانُنا فإذا
هذا الرماديُّ ليلًا يصبغ الفقرا
ثم اختتم الساعدي قراءاته بقصيدة أهداها لابنه الطيب، صديقه الوحيد، والتي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور.
اختتم القراءات الشاعر السوري محمد طه العثمان الذي افتتح قراءاته بقصيدة مثقلة بالوجع، ومضمخة بدموع الأمهات، عبر “بريد الثكالى إلى الحرب”، يقول:
(الغناءُ) بريدُ الشعوب إلى الوقتِ
حين تطولُ بها الحربُ
وهْو بريد الثكالى إلى الله
حين يحاصرهنّ الحنينُ لأبنائِهِنَّ
بلا أيِّ جَدوى
وحينَ تهمّشُ عذرية ” القصفِ ” سادية الأعْدِقَاءْ
بعدها وجه العثمان رسالة إلى شاعر بدائي في قصيدة تنم أبياتها عما يجول في خاطر الشعراء منذ الأزل من فخر بأنفسهم وشعرهم، في محاولة انتقاد مبطنة لهذا الواقع، ثم وقف بين يدي المعري في نص جاء فيه:
لأنّـني الرّيحُ .. لا أَحْبــُو عَلى زَلـَلٍ
وَلن يُـوَسَّدَ فِي أَبْـعَـاديَ الدَّنَسُ
هَا قَدْ وَقَفْتُ عَلى الأَعْتَابِ مُبْتـَهِلا
رُوْحي مَعَرّيَةٌ، والقلبُ مُخْـتـَلسُ
ثم اختتم الشاعر قراءاته بقصيدة شكلت أغنية للحرب، التي يتبرأ منها الشاعر في “سدرة الموت”، مخاطبًا والده الذي اتخذه رمزًا للضمير/ الذات الغاضبة:
أنا لم أقمْ للحربِ يا أبتي
ولم أتركْ سبيلاً للرماةِ الواقفين على النّدى
لكنّهم زرعُوا خطايَ على الخطيْئةِ
وزّعُوني خِلْسةً
ودماً على حاناتِهم
ليصيرَ ذئبي مُمْكناً
للقادمين بمائِهم، ولكلّ ريحْ
نعيم رضوان
أمسية مميز ة وشعراء مميزون رغم بعض ما قدموه من اشعار كان فيها بعض ما لم يكن مناسبا في بعض معانيه
كانت أمسية متميزة, وغنية بالإبداع والتألق والتميّز, حلّق الشعر في فضاءات الروح والوجدان.