عرف العربُ منذ قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، الجواهر والدرر من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ومرجان، يلبسونها ويتزينون بها في كل آن.
ويرجع الباحث إلى تأريخ التزين عند العرب من بحثه صفر اليدين، وكل ما يجده في الغالب لا يشفي غليلًا ، ولا يروي عليلًا، وأين منه حوض الخليفة الذي يقول فيه الشاعر:
حوض الخليفة بالندى
يشفى الغليل من الأُوام (العَطَش).
وفي القرآن الكريم امتنان الله سبحانه تعالى على عباده بأن خلق لهم ما يتحلون به من أنواع الحلي.
ذكر ذلك جنبًا إلى جنب مما يصطاد من البحر ، ومما هو من ضرورات الحياة الإنسانية وحاجاتها.قال تعالى 🙁 وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها)، والْحِلْيَةِ: اسْمٌ لِمَا يُتَحَلَّى بِهِ، أَيْ يُتَزَيَّنُ بِهِ، وقد وقع في قلبي أن هذه العادة قد بدأت مع وجود الإنسان وخلافته في هذه الأرض، وقد استنبطنا ذلك من الآية الكريمة:{أومن ينشأ في الحلية } [الزخرف: 18] .
ومعلوم أن المرأة بطبيعتها، والأنثى بغريزتها تنشأ على حب الزينة والتزين، والبنت تنبت وتكبر وتترعرع على ذلك. قَالَ بَعْضُ الشُعَرَاءِ
وَمَا الحَلْي إِلَّا زينَةٌ مِنْ نقيصةٍ
يتمّمُ مِنْ حُسْن إِذَا الحُسْن قَصَّرا
وأمَّا إذَا كَانَ الجمالُ موفَّرا
كحُسْنك، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يزَوَّرا
وقال تعالى :{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وشبه الله بها ساكنات الجنة، فقال عز من قائل: (كأنهن الياقوت والمرجان) قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ قَوْلِهِ تعالى: “وَمَساكِنَ طَيِّبَةً” فَقَالَا: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، سَأَلْنَا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، فِيهِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ…الحديث، وقد زعموا أنهم وجدوا عقدًا خرزيًا قديمًا، قدروا عمره بمئة ألف عام، غير أن هذا القول “ظن” ويحتاج إلى دليل وبرهان، وليس ثمة دليل .. .( إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).
ونظرة واحدة إلى التراث العربي تريك اهتمام العرب والمسلمين وتأنقهم في ذلك، حتى أنك لتجدُ مصداق ذلك في كتبهم وأشعارهم وأمثالهم، ورسائلهم وخطبهم، فأول كتاب وصل إلينا يحمل كلمة “الجواهر”، هو كتاب ” التبصرة بالتجارة في وصف ما يستظرف في البلدان من الأمتعة الرفيعة والأعلاق النفيسة والجواهر الثمينة” للإمام أبي عثمان الجاحظ (المتوفى 255للهجرة) وكتاب :” الجواهر الحسان في تفسير القرآن”،وقد حفلت المكتبة العربية من هذا بالكثير، أما كتاب الإمام (البيروني المتوفى : 439هـ) :” الجماهر في معرفة الجواهر” فهو كتاب يتيم في موضوعه، فريد في بابه، فهو أول كتاب كامل يتحدث عن الأحجار الكريمة، وصفًا لكمالها، وألوانها، وعيوبها، وقيمها، وأماكن وجودها، والكتاب شيق وممتع لكل من له شغف بهذا المجال. أما الإمام الأديب ابن عبد ربه الأندلسي فقد ألف كتابًا من أهم كتب الأدب على الإطلاق، وهو كتاب” العقد الفريد” حيث قسمه إلى أبواب، سمى كل باب منه على جوهرة من جواهر العقد، فابتدأه ” باللُّؤْلُؤَةُ وهي الدُّرَّةُ، والخَريدة: قَبْلَ ثَقْبِهَا، وَالْجَمْعُ اللُّؤْلُؤُ والَّلآلِئُ، وبائعُه اللّأّء.قال الشاعر:
دُرَّةٌ منْ عَقائِل البَحْرِ بِكْرٌ
لَمْ تَخُنْها مَثاقِبُ اللّآلي
و”الفريدة”. وهي التي لا مثل لها، وفي اللسان : الْفَرِيدَةُ، شَذْرة مِنْ فِضَّةٍ كَاللُّؤْلُؤِ. أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ
كالظَّبْيةِ البِكْرِ الفَرِيدةِ تَرْتَعِي
فِي أَرْضِها، وفَراتِها وعِهادَها
وقد ذكر أبو حيان في كتابه “الإمتاع والمؤانسة” كتابًا لابن فارس بعنوان ” «الفريدة والخريدة”.
و”الزبرجدة” قال الجاحظ :” وَخير الزبرجد الشَّديد الخضرة، الصافي الْجَوْهَر”. قال الشاعر الأخطل:
خلع الرّبيع على الثّرى من وشيه
حللا يظلّ بها الثرى يتخيّل
نور إذا مر الصّبا فيه الندى
خلت الزّبرجد بالفريد يفصّل
و”المرجانة” قال الشاعر:
ولكن لعمر الله ما طل مسلمًا
كغر الثنايا واضحات الملاغم
إذا هن ساقطن الحديث كأنه
سقاط حصى المرجان من سلك ناظم
و”الياقوتة”قال صَاحب الْعين، التَّضْريس فِي الياقُوتَةِ أَو اللُّؤْلؤة – حَزٌّ فيهمَا ونَبْر.
و”الجوهرة” قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما واسِطةُ القِلادة فَهِيَ الْجَوْهَرَةُ الْفَاخِرَةُ الَّتِي تُجْعَلُ وسْطها، ويقال: قَضَّ الجَوْهرة إِذا ثَقَبَها. والجوهرة. المخزونة: التي جعلت في الخزانة لرفعتها. والكلام الحسن يشبه بالدرر والجواهر و”الزمردة” قال صاحب كتاب ” الجماهر في معرفة الجواهر”: الزمرد والزبرجد اسمان يترادفان على معنى واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر بالجودة والندرة، وللشاعر صاعد بن الحسن الربعي:
لم أدر قبل ترنجان عبثت به
أنّ الزّمرّد قضبان وأوراق
وقد ذكر الإمام القلقشندي أن مدينة قوص هي معدن الزّمرّد، ولم يزل مستمرّ استخراجه إلى أواخر الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون”.
و”الدرة” قال صاحب الْعين، الدُّرَّة – الَّلؤلؤة العَظِيمة وَالْجمع دُرٌّ ودُرَر، ومن الحكم الشائعة :” «لا تدعوا الدّرّة في أفواه الكلاب»، يعني العلم|، ولحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم :
ولأَنْتِ أَحسنُ، إِذْ بَرَزْتِ لَنَا
يَوْمَ الخُروجِ، بِساحَةِ القَصْرِ
مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ، صافيةٍ
مِمَّا تَرَبَّب حائرُ البحرِ
يَعْنِي الدُّرَّةَ الَّتِي يُرَبِّيها الصَّدَفُ فِي قَعْرِ الماءِ. وكان المهديّ يحبّ القيان وسماع الغناء، وكان معجبًا بجارية يقال لها «جوهر» ، وكان اشتراها من مروان الشامي، فدخل عليه ذات يوم مروان الشامي وجوهر تغنّيه، فقال مروان:
أنت يا جوهر عندي جوهرة
في بياض الدرّة المشتهره
فإذا غنت فنار ضرّمت
قدحت في كلّ قلب شرره
و”اليتيمة” قال صاحب شرح “مقامات الحريري” :” الدرّة اليتيمة: الجوهرة النفيسة”، وبهذا سمّى الثعالبي كتابه ”الدرة اليتيمة”، أي الدّرّة المنفردة التي لا مثل لها. واليتيمة درّة مشهورة في البيت الحرام أكبر من بيضة الحمامة، استخرجها من البحر كلب جاء ليلَغَ، فتعلّقت محارتها بفمه، ففضها في البرّ، فهي من عجائب الدّنيا، وقد ذكر ابن الطوير في “تاريخ الدّولة الفاطمية” أنه كان عند خلفائهم درّة تسمّى ”اليتيمة” زنتها سبعة دراهم تجعل على جبهة الخليفة بين عينيه عند ركوبه في المواكب العظام. و”العسجدة” قال ابن منظور :” العَسْجَدُ: الذَّهَبُ؛ وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْجَوْهَرِ كُلِّهِ مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَسْجَدِ؛ فَرَوَى أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي فِي قَوْلِهِ:
إِذا اصْطَكّتْ بِضيقٍ حُجْرَتاها
تَلَاقَى العَسْجَدِيَّةُ واللَّطيمُ
و”المجنبة” أما هذا الاسم فلم أجد سبب تسميته، وربما سمي بذلك لأنهم وضعوه في جنب بعيد عن الامتهان.
و”الواسطة” قَالَ أَبُو عَليّ، الواسِطَة – أنْفَس دُرَّة فِي العِقْد من قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أمَّةَ وَسَطًا – أَي خِيَاراً، ولو ذهبنا نستقصي كل ما قيل في كتب التراث عن الجواهر والدرر لاحتجنا إلى مقالات كثيرة، لذا آثرنا أن يكون الكلام مختصرًا ومفيدًا، ومن أحب الاستزادة فدونه كتب التراث.
مفيد معلومات راقية لعشاق اللغة العربية والتعمق سواء بتاريخ أو معنى كل مايستهويه الإنسان بالتوفيق وبانتظار المزيد
مقال علمي وأدبي بامتياز، بوركت أستاذة ميرفت على هذه المعلومات التي استطعت بأدبك ولغتك أن تضعيها في قوالب أدبية شهية استطعنا من خلالها أن نتذوقها ونسيغها.
جيد
بمقالك هذا أستاذة ميرفت زدتِني حبًا باللغة العربية، فشكرًا لك ولكل كتاب المجلة الذين يعملون على خدمة هذه اللغة العالية
بصراحة تامة لم أكن أتخيل أن لغتنا عظيمة إلى هذا الحد حتى قرأت هذا المقال!!
مقال طيب وممتع ومفيد، الشكر لك أستاذة ميرفت وللمجلة التي تكتبين فيها
أحسنت الوصف واجدت استخدام الشواهد
و حققت بذلك مقوله بنيامين فرانكيلين حينما قال
انا ان تكتب شيئا يستحق القراءة أو تفعل شيئا يستحق الكتابه، فكتبت بجهد و حب ظهرت ملامحه في سطورك مقالك.
باسمي واسم جميع القراء والكتاب المتابعين لمجلة البعد المفتوح نشكر السيد رئيس التحرير الذي جعل مجلته أبعاداً موغلة في العمق الثقافي، والفضاء الأدبي والمعرفي، وتركها مشرعة الأبواب والنوافذ على فضاءات معرفية وثقافية متنوعة، وفسح المجال لأقلام- نسائية- شقائق الرجال ليعبرن بدورهن عن هذا الإرث الحضاري العظيم..
فثمة الأستاذة ريما آل كلزلي، والكاتبة منال والنعيمي وتغريد – على إقلالها- والأديبة الشاعرة بشرى الغفوري ، وأخيراً وليس آخرا مسك الختام، الأديبة الوفية لأدبها وقوميتها والبارة بتراثها التي تعمل في مجال اللآليء والمجوهرات والأحجار الكريمة، الأستاذة ميرفت التي أثبت بالفعل أن لغتنا أيضاً تحتوي على كنوز من الجواهر الكريمة، والدرر اليتيمة، ما تفتقده سائر اللغات ..
وكأنها تقول بلسان شاعر النيل:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي!
الدكتور العزيز ..اشكرك لحسن ظنك و لعباراتك الرائعه و لوصفك البليغ.
انه لشرف لي لن اذكر من بين سطورك و ان اكون موجة في بحر أدبك و علمك .
تحياتي لك و لأسره المجله الكرام
ميرفت الوكيل
أحسنت الوصف واجدت استخدام الشواهد
و حققت بذلك مقولة بنيامين فرانكيلين حينما قال
انا ان تكتب شيئا يستحق القراءة أو تفعل شيئا يستحق الكتابه، فكتبتِ ما تفعل بجهد و حب ظهرت ملامحه في سطورك مقالك.
بالتوفيق الدائم
شكر و تقدير و عرفان إلى صاحبه القلب الطيب و النفس الأبيض و الابتسامه الفريدة.. إلى من حاربت و ساهمت من أجل البقاء.. فكان بقاؤها ساطعا كالشمس.. اضافه جميله لمسيرتك المهنيه و درب جميل تسلكين فيه قوة الذات بالعلم و الأدب ..
ربي يوفقك يا اجمل كاتبة
مِنك تعلمنا .. أنّ للنجاح أسرارًا .. ومنك تعلمنا أنّ المستحيل يتحقّق .. ومنك تعلمنا أنّ الأفكار الملهمة تحتاج إلى من يغرسها في عقولنا .. فلك الشكر على جهودك القيّمة.
تتسابق الكلمات وتتزاحم العبارات لتنظم عقد الشكر الذي لا يستحقه إلا أنت .. إليك يا من كان لها قدم السبق في ركب العلم والتعليم .. إليك يا من بذلت ولم تنتظري العطاء .. إليك أهدي عبارات الشكر والتقدير.
استاذتنا الكريمه ميرفت
تتسابق الكلمات وتتزاحم العبارات لتنظم عقد الشكر الذي لا يستحقه إلا أنت .. إليك يا من كان لها قدم السبق في ركب العلم والتعليم .. إليك يا من بذلت ولم تنتظري العطاء .. إليك أهدي عبارات الشكر والتقدير.
هذا التألق ليس بجديد عليك، دام جمال قلمك.
عبير
سلمت الأيدي التي قدمت لنا ابداعًا فاق الحدود
دمت متألقه في افادتنا – تمنياتي لك على جهودك الرائعه
من كندا لك كل تحياتي
لطالما كانت مقتنايتك من العلم و المعرفه غاية تطمح لها كل من تعرفك، لقد اضأت طريقا من الادب يضاف الى بحور موسوعتك.
زادك الله من علمه و يسر خطاك
يا حبيبتي يامرفت- طول عمري فخورة بكِ و بهمتك و طموحك ، ربنا يوفقك ياحبيبتي
انت و الجواهر و جوهرة قصه عشق لاتنتهي، اللي لفت نظري في المقال هو حبك لمهنتك التي تشتغلين فيها ، من ساعة ما اشتغلتِ في عالم المجوهرات و انت تتعبين على تثقيف نفسك أدبياً و مهنيا بهذا الخصوص ، و أكاد أشك انه بعيداً عن خبرات أصحاب المهن أنه يوجد من يعمل بمهنه المجوهرات و يكون على اطلاع كاف بهذه المعلومات القيمه.
امنالك كل التوفيق
نوران البعلبكي
Words can’t describe how proud I am of
You !! I don’t know anyone who deserves it more.
.
All the best my friend and please keep me always copied with your new articles
sorry i don’t have Arabic in my laptop
الأستاذة الأديبة ميرفت:
اسمحي لي أن أشكرك باسمي واسم كل المغتربات في المهجر، لأنك صرت لنا أملا وعشقا وفخرا، فمن خلالك، وبقلمك برهنت على أصالة المرأة العربية التي تستطيع وبقوة وجدارة أن تنافس الرجل في العلم واللغة والأدب.
ودعيني أتمنى عليك أمرا راجباً أن تستجيبي لي ولكل عشاق التراث العربي.
فلو تكرمت علينا في بلاد المهجر لا سيما أمريكا وأوروبا أن تبهجينا بمقال عن قصص حب عذري بين أدباء وأديبات، وشعراء وشاعرات، فإن أدبنا وتراثنا فقير في هذا النوع.
دمت لنا صوتا مسموعا دائما وأبدا.
عزيزتي في بلاد المغرب
اشكر لك كلماتك الجميله و الرائعه و اشكر حسك الرائع داعيه الله أن يوفقك و كل اخواننا خارج الأوطان.
بالنسبه للحديث عن قصص الحب، اعذريني غاليتي فما للحب عندي نصيب لا في كتبي و لابين سطوري.. أكاد أجزم ان الحب كلمات تعبيريه و مشاعر مؤقته و غفوات مؤلمه تحفر أعماق الإنسان على مد الوجود.
فلا مصالحه و لا مصلحه لي معه.. 🙂