قد يكون الفن بوصفه مصطلحًا متداولًا منذ غابر الأزمان ، عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة ما، أو مجموعة الوسائل التي يستخدمها الفرد لإثارة المشاعر والعواطف بما فيها عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر، كما أنه مهارة يحكمها الذوق ومواهب الإنسان، لكن السؤال: لماذا الفن؟ والإجابة إنه يفتح آفاقًا كثيرة لصناعة غايات أخلاقية تتماشى مع جمالياته، أو ربما التعامل بحرفية أدق ليشكل متعة ترتقي بالانسانية والمجتمعات.
لهذا يمكن اعتبار الأخلاق محور الدّور التربوي والتهذيبي للفنّ، فعلى الرغم من أنّ اللّذّة تعدّ ركنًا أساسيًّا في العمل الفني، فإنّ التهذيب يعدّ غايةً أساسيّةً أيضًا، فالتهذيب فوق اللّذّة، فالجمال ليس هو الصورة الحسّيّة التي تُحدث في النّفس لذّة حسّيّة جماليّة، إنّما الجمال الحقيقي هو جمال الحق والخير(١)، ولقد أكّد أفلاطون أنّ للفنّ أثرًا في السلوك البشري بشرط أن يكون هذا الفن في خدمة الأخلاق ومن أجل رُقيّها لا العكس، وهو ما يعبّر عنه بقوله: «إنّ كلّ الفنون ذات الشأن تستلزم المناقشة وإمعان الفكر في الطبيعة وفي السماء، وبهذا تحصل على السمو الفكري والكمال الصحيح(٢)».
تتشكل الفنون تماهيًا مع الهويّة، فطالما عُدَّ الفن من المفاهيم المفتوحة التي تعبّر عن رؤية الذين ينتسبون إليه، ولكل أمّة ثقافتها التي تتبين من خلال الفنون التي تعتنقها برغم أن ماركس يرى أن ” الفن هو قول الحقيقة بصفته رهينة البنية التحتية”.
بينما في الواقع أن الفن تجاوز للحقيقة بكل مناظيرها التي تحتفي بالغرابة والحلم واللاوعي. الفن أبعد من قول مايجب أن يقال، وأقرب من كل شيء قيلَ.
الفن لغة: هو الأنواع، كما يقال: فنَّ الشيءَ أي زيَّنه، وتفننّ الشيءُ أي تنوعت فنونه، وتفننّ في الحديث أي حَسُن أسلوبه في الكلام.
أمّا في اللغة الإنجليزية فقد ورد في معجم أكسفورد الفن (Art) هو تعبير الفرد عن مهارة الإبداع في صورة مرئية؛ مثل النحت، والرسم، أو هو مصطلح يعبر عن الفنون الإبداعية بمختلف أشكالها كالشعر والموسيقى والرقص وغيرها.
وبشكل عام فإن الفن هو كل ما يعبّر عن مهارة أو قدرةٍ ما يمكن تنميتها بالممارسة والدراسة.
وفي معجم ويبستر (بالإنجليزية: Webster) ورد الفن على أنه المهارة المكتسبة من خلال الدراسة أو الملاحظة، وهو استخدام المهارة والخيال بشكل واعٍ لإنتاج أمور جمالية، كما جاء فيه أن الفن عبارة عن صنعة ومهارة إبداعية. (٣)
عرّف الفن اصطلاحًا بأنه: التطبيق العملي للنظريات العلمية، وهو ما يسمى بالعلوم التطبيقية، وبمعنى خاص: الفن مهارة شخصية يمتلكها شخص محترف، وهو ما يسمى بالفنون التطبيقية التي تشتمل على الفنون اليدوية المعتمدة على مهارة الإنسان في تقديم أمور نافعة ومفيدة كعمل جماليٌّ يثير مشاعر السرور والفرح والبهجة في الناس كنوع من الفنون الجميلة الهادفة إلى تمثيل وتصوير الجمال ومن أجل اللذة البعيدة عن كل منفعة أو مصلحة،
وعنه يقول أفلاطون: «إنّ الفنّ القائم على المحاكاة بعيد كلّ البُعد عن الحقيقة، وإذا كان يستطيع أن يتناول كلّ شيء، فإنّه لا يلمس إلّا جزءًا صغيرًا من كلّ شيء، هذا الجزء ليس إلّا شبحًا… ، ما هو إلّا مظهرٌ للحقيقة(٤)»، فالمحاكاة ليست محاكاة لشيءٍ حقيقيٍّ، بل هي محاكاة سطحيّة تحاكي المظهر لا الحقيقة.
أما الأدب ؛ فيمكن القول إنه كان دائمًا تأويلًا رمزيًا للواقع، يضفي عليه مسحة جمالية، يجمع في طياته الجانب الحقيقي والخيالي-الأسطوري.
ومن أعظم مهام الأدب تحويل الفنون إلى ذخيرة للمادَّة التي تشكِّل أساس نظريَّة المعرفة، وتغذِّي أخيلة الإنسان التي يَفهم بها العالم ونفسه.
و في ظل هذا الحديث، يمكن القول، إن عملية إنتاج الأدب معقدة تتدخل فيها عوامل عديدة ، و بسبب أنه “يملك طريقة خاصة به لقول العالم و كذا رؤية متميزة، فإن الأدب يوجد بشكل مختلف، لا كوثيقة أو كلعبة للأشكال، ما يدعو إلى محاولة تعريفه و كذا تحديده بشكل ملائم”
بخصوص هذا الموضوع، نجد سارتر في مؤلفه «ما الأدب؟» (٥)، قد حاول الإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي: ما الكتابة؟ لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ في ارتباط الكتابة بالنثر، وبذلك توصل إلى أن المبتغى من هذا هو الكشف عن العالم من حيث الوجود الإنساني بما هو وجود يتعرّى أمام الآخرين ليتحملوا مسؤولياتهم كاملة تجاهه.
أما الأدب عند “نادو” فهو تعبير عن العالم والإنسان لبعث انفعالات وأفكار وتصرفات، فكل إبداع أدبي يفصح عن الوجود الإنساني ومدى اندماجه في الكون المحيط به، وعند “روا” هو سؤال في حدّ ذاته.
واللغة من أهم أدوات الأدب التي عملت على محاكاة المشاعر الإنسانيّة، التي تشكلت بفعل الأبعاد الأنطولوجيّة، والتفكير الذي صيغَت منه اللغة، ليتحول عبر ذراتها إلى مادة تشكل المعرفة، وتغذّي أخيلة الإنسان، التي يفهم بها العالمَ ونفسَه
لأن اللغة هي الطّور الأول من أطوار الفكر البشري و تحولت لاحقًا إلى أدب كمنظومة بلاغية بطّنت اللغة.
والحضارة الإنسانية برمّتها مَدينة إلى الأدب في وعيها ذاتَها، أكثر بكثير من كونها مدينة إلى التفكير العقلي والمنطقي، ونحن -العالم أجمع- شئنا أم أبَينا نمارس فعالية التّفكير من خلال اللّغة، وبهذا يكون الأدب عمودًا أساسيًّا من أعمدة الوعي بالذّات، وبالتالي من أعمدة نظريّة المعرفة.
الهوامش
١- محمد عطية، محسن: غاية الفن (دراسة فلسفيّة ونقديّة)، لا ط، القاهرة، دار المعارف، 1991، ص56.
٢- أفلاطون: فايدروس، ف 269ب -270هـ.
٣- أ ب ت ث ج ح خ سيد أحمد بخيت علي، تصنيف الفنون العربية الاسلامية: دراسة تحليلية نقدية، صفحة 29-40. بتصرّف.
٤- أفلاطون: الجمهورية، ف 598.
٥-لمشاهدة جي بي سارتر: ما هو الأدب؟ بتصرف مقالات فوليو. Ed Gallimard 2015. ص ١١٠.
مقال مثير وعملي وحيوي وهلامي قابل للدراسة والتحليل والاستنباط والغوص فيه اكثر والفن والادب هو عبارة عن تخيل العالم كما نحب فليوناردو دافنشي اعطى تصورات لامور لم تكن موجودة انذاك واصبحت في عالمنا كما قلت سيدتي هما منبغ العلم النظري والتطبيقي في ان واحد وباب منه نلج الى العلم والاختراع والابتكار ونفكر باشياء غير موجودة اصلا في عالمنا ونحاول منطقتها في جونا وواقعنا .اجدت وابدعت استاذة ربما بهذا المقال واشد على يديك مع كامل احترامي.مهند الشريف
تحايا وارفة لقراءتكم الواعية جدا مع الشكر..
وأتفق معك فيما أضفت أن رؤية الكاتب وتصوراته هي مايميزه كذلك .. فكيف بالنصوص إذا كانت للمتعة الادبية فقط.
أشكرك مرة أخرى أ مهند ولكم التقدير
ريما ال كلزلي
مقال مثير وعملي وحيوي وهلامي قابل للدراسة والتحليل والاستنباط والغوص فيه اكثر والفن والادب هو عبارة عن تخيل العالم كما نحب فليوناردو دافنشي اعطى تصورات لامور لم تكن موجودة انذاك واصبحت في عالمنا كما قلت سيدتي هما منبغ العلم النظري والتطبيقي في ان واحد وباب منه نلج الى العلم والاختراع والابتكار ونفكر باشياء غير موجودة اصلا في عالمنا ونحاول منطقتها في جونا وواقعنا .اجدت وابدعت استاذة ربما بهذا المقال واشد على يديك مع كامل احترامي.مهند الشريف
تحايا وارفة لقراءتكم الواعية جدا مع الشكر..
وأتفق معك فيما أضفت أن رؤية الكاتب وتصوراته هي مايميزه كذلك .. فكيف بالنصوص إذا كانت للمتعة الادبية فقط.
أشكرك مرة أخرى أ مهند ولكم التقدير
ريما ال كلزلي