للفيلسوف والمؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت “ت 1 198″ كتابان جليلان” “قصة الحضارة” الذي بسط فيه أخبار الحضارة منذ فجر التاريخ إلى يوم الناس هذا، منصفًا فيه الحضارة العربية الإسلامية، وسائر الحضارات الشرقية،حيث أظهر تأثيرها البالغ في الحضارة اليونانية ، التي يعدها بعض المؤرخين أم الحضارات ، وبداية فجرها، وإكسير حياتها، وأن الإنسان ما صار إنساناً إلا معها، وقد قام على ترجمته ثلة من الأساتذة والفلاسفة والمختصين بإشراف جامعة الدول العربية، وتولت طبعه دار “الجيل” في بيروت عام 1988 م. في 42 جزءًا، ولا أعلم أحدًا اعتنى باختصاره وتهذيبه سوى أستاذنا الشاعر الأديب د. غازي طليمات في 15 جزءًا، وقد أهداني أجزاءً منه إبان تدريسه في كلية الدراسات الإسلامية في دبي. قرأت المختصر، وقارنته مع الأصل فوجدته أخصر مادة، وأفصح لغة، وأحسن أسلوبًا، ولا غرو في ذلك فكل من عرف الأستاذ طليمات يعرف حلاوة كلامه، وطلاوة أسلوبه.
والذي حمل الأستاذ على اختصاره –كما أسر لي- ووافقه على ذلك د. محيي الدين صابر لجلالة قدر الكتاب، وإنصاف الكاتب الحضارة العربية الإسلامية واتسامه بالروح الموضوعية والمنهج العلمي، وهو-الكتاب- من الكتب القليلة التي اعترفت بفضل الحضارات الشرقية، وتأثيرها الكبير في الحضارة اليونانية واللاتينية، اللتين يعدهما المؤرخون المستشرقون ولادة الحضارة الإنسانية؛ وأن الإنسان إنما خلق مع الحضارة اليونانية، وأهملوا كل تلك الإنجازات الفكرية والإبداعات العقلية في الفلسفة وفي الهندسة والعمارة وفي الطب وفي الصناعة وفي القانون والإدارة والاقتصاد، وفي الفنون في مختلف أجناسها، كل ذلك جحده الغرب وأهمله في محاولة لإنكار الطبيعة المتدرجة للحضارة البشرية، والسعي الإنساني.
من هنا كان لهذا الكتاب أهميته العلمية والتاريخية، وقد نهج “ديورانت” في كتابه منهجًا فريدًا مبتكرًا ، وفِّق فيه إلى حد كبير، فقد درس التاريخ كحركة متصلة،ووحدة واحدة، ما أعان القارئ على فهم التاريخ ؛ حضاريًا، وجغرافيًا، وموضوعيًا بشكل مبسط.
أول ما بدأ الكاتي في دراسته حضارات مصر والشرق الأدنى حتى وفاة الإسكندر، والهند والصين واليابان إلى العهد الحاضر، ثم ثنى بحضارتي اليونان والرومان، ثم حضارتي أوروبا؛ الكاثوليكية والبروتستانتية ، ثم الحضارة البيزنطية، والحضارة الإسلامية، واليهودية في آسيا وأفريقيا ،ثم استعرض التاريخ الأوروبي منذ الإصلاح البروتستانتي إلى الثورة الفرنسية، وانتهى بتاريخ الاختراعات المادية والفكرية، بما في ذلك السياسة والعلوم والفلسفة والدين والأخلاق والأدب والفنون في أوروبا، منذ تولى نابليون الحكم إلى العصر الحاضر.
والذي حملني على كتابة هذا المقال ما رأيته من إنصاف الرجل ومخالفته لأبناء جنسه المتعصبين،من أمثال: ” السير هنري مين”. قال –ديورانت- في مقدمة كتابه- مختصرًا- :” بدأت بآسيا، ليس لأن آسيا، كانت مسرحًا لأقدم مدنية معروفة وحسب، ولكن لأن تلك المدنيات كونت البطانة والأساس للحضارة اليونانية والرومانية، التي ظن خطأ، السير “هنري مين”، أنها المصدر الوحيد الذي استقى منه العصر الحديث، وسوف يدهشنا كم مخترعاً من ضروريات حياتنا، وكم من نظامنا الاقتصادي والسياسي وكم مما لدينا من علوم وآداب، ومن فلسفة ودين يرتد إلى مصر، والشرق وفي القرن العشرين، حيث تسرع السيادة الأوروبية إلى الانهيار، فإن الأمر يبدو وكأنه صراع شامل بين الشرق والغرب. وهنا نرى التعصب الأعمى الذي ساد كتابتنا التقليدية للتاريخ، التي تبدأ رواية التاريخ الحضاري للبشرية من اليونان وتلخص آسيا كلها في سطر واحد؛ لم تعد غلطة علمية، بل كان إخفاقًا ذريعاً في تصوير الواقع، ونقصًا فاضحًا في ذكائنا. إن المستقبل يولي وجهه شطر المحيط الهادي، فلا بد للعقل أن يتابع خطاه”.، وليعذرني القارئ الكريم لأنني أثبت كلام المؤلف بنصه وفصه”.
أما في مقدمة الجزء الرابع الذي يتحدث فيه عن الإيمان فهو يقول: “إن الغرض الذي أبغيه من تأليف هذا الكتاب هو أن أعرض على القارئ قصة حضارة العصور الوسطى من عام “350 – 1300م “كاملة بقدر ما تتسع له صفحاته، بعيدة عن الهوى بقدر ما تسمح به الطبيعة البشرية…ولقد أعدنا كتابة هذا المخطوط ثلاث مرات، وكنا في كل مرة نكشف فيه عن أخطاء جديدة وما من شك أنه لا يزال فيه شيء منها…وبعد شهرين من وفاته – عبدالله – ولدت آمنة أعظم شخصية في تاريخ العصور، ولدت محمدًا صلى الله عليه وسلم “..ثم خصص فصلًا عن حياته صلى الله عليه وسلم في مكة، وفصلًا في المدينة. قال عن حياته في مكة :”لقد كان محمد من أسرة كريمة ممتازة ..ولفظ محمد مشتق من الحمد ، ويمكن أن تنطبق عليه بعض الفقرات في التوراة التي تبشر به.
ولقد استعان المؤلف في كتابته عن الحضارة العربية، بما تيسر له من المراجع المترجمة إلى اللغات الأوروبية، وهي مع قلتها، لا تسلم من آفة التعصب ، سواء من حيث اختيار تلك المراجع أو من حيث مستوى الترجمة التي تختلف من يد إلى يد، ضيقاً، سعة، دقة وتصرفاً. ولعل أهم هذه الآفات وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان ضعيف البنية ؛أما حسن رأيه في هذه الحضارة، وسلامة اتجاهه نحوها، في كل حين، فقد عصمه من الوقوع فيما وقع فيه كثير من المستشرقين.
ولقد ألقى هذا الوضع مسؤولية كبيرة، على المترجمين والمثقفين، فعمدوا إلى مراجعة النصوص وتوثيقها، وإلى ردها إلى أصولها، كما تصدوا بالتصحيح، لكل ما يبعد عن الحقيقة، فلم يكن هذا العمل في جوهره ترجمة من لغة إلى لغة فحسب، ولكنه كان عملاً فكرياً مستقلاً، وتعاملاً بصيراً مع المادة تصحيحاً وتوضيحا.
وهكذا برهن “ديورانت” بشكل قاطع على أن الثقافة العربية الإسلامية- منذ كانت- ثقافة إنسانية، متجددة ومنفتحة على العالم انفتاحاً كبيرا، من حيث مقوماتها،وخصوصيتها، ودورها الحضاري والريادي، ورسالتها في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد..!
وكتابنا هذا “قصة الحضارة” خير دليل على ذلك. أما الحديث عن كتابه الثاني “قصة الفلسفة” فموعده المقال الآتي بإذن الله.
أستاذي الدكتور أحمد الزبيدي حفظه الله ورعاه،،
عاجزون عن شكرك على هذا المقال الرائع والمفيد..
كنت قد وعدتنا- ووعد الحر دين عليه-بأن يكون الىقال الثاني عن” قصة الفلسفة” لنفس المؤلف، فالرجاء من فضيلتكم أن لا تتأخروا علينا، فنحن كلنا أمل وشوق لرؤيته ولقراءته.
نشكر الدكتور أحمد الزبيدي على حرصه في إظهار الحقيقة ونفض الغبار عن مثل هذه الجواهر النفيسة والكتب القيمة. مع امنياتنا له والقائمين على هذا العمل بدوام التوفيق.
مقال جيد د. أحمد ويستحق المتابعة…
لا شك أن الحضارة هي نتاج المعرفة ، والمعرفة كما هو معلوم تراكمية، كل حضارة تقدم ما لديها وتاتي حضارات من بعدها تبني عليها، ولكن للحضارة اليونانية
دور بارز فيها لوجود فلاسفة ومفكرين عظماء مثل سقراط وافلاطون وارسطو وغيرهم…..
لك تحياتي وشكرا على جهدك الطيب
الفاضل د أحمد الزبيدي: بعد شكرك على مقالك الرائع، نود أن تتكرم وتدلنا على النسخة المختصرة من الكتاب- نسخة د طليمات-
وشكرا
حياك الله أخي الفاضل الذي ضن علينا بذكر اسمه الكريم..
كتاب:” الوجيز في قصة الحضارة” صدر عن دار طلاس في ١٥ جزءاً، ولا أعرف دارا أخرى تولت نشره.
أستاذي الدكتور أحمد الزبيدي حفظه الله ورعاه،،
عاجزون عن شكرك على هذا المقال الرائع والمفيد..
كنت قد وعدتنا- ووعد الحر دين عليه-بأن يكون الىقال الثاني عن” قصة الفلسفة” لنفس المؤلف، فالرجاء من فضيلتكم أن لا تتأخروا علينا، فنحن كلنا أمل وشوق لرؤيته ولقراءته.
أكتبه و أرسله قريباً إن شاء الله
موضوع مهم وجيد ونحتاج لمعرفة المزيد
نشكر الدكتور أحمد الزبيدي على حرصه في إظهار الحقيقة ونفض الغبار عن مثل هذه الجواهر النفيسة والكتب القيمة. مع امنياتنا له والقائمين على هذا العمل بدوام التوفيق.
ما شاء الله عليك د. أحمد مبدع ك عادتك
مقال جيد د. أحمد ويستحق المتابعة…
لا شك أن الحضارة هي نتاج المعرفة ، والمعرفة كما هو معلوم تراكمية، كل حضارة تقدم ما لديها وتاتي حضارات من بعدها تبني عليها، ولكن للحضارة اليونانية
دور بارز فيها لوجود فلاسفة ومفكرين عظماء مثل سقراط وافلاطون وارسطو وغيرهم…..
لك تحياتي وشكرا على جهدك الطيب
سلمت يمناك دكتور أحمد
مقالاتك داائما رائعه وشيقة
دمت بخير 😊بانتظار المقال القادم
كالعادة الاخ العزيز الدكتور /أحمد الزبيدي يغنينا عن قراءة الكثير من الكتب و يلخص لنا النفيس منها، فجازاك الله خيرا و زادك علما و معرفةً.