مقالات
“نَظْم القرآن قراءة جديدة” د. جوهر محمد داود كتاب يطرح نظرية خاصة
د. أحمد الزبيدي
الغلاف
كتابُ”نظم القرآن قراءة جديدة” للدكتور جوهر محمد داود..كفى ولا نزيد على ذلك، فليس عدلًا أن نقدم كتابًا يقدمُ نفسَهُ بنفسهِ، وليس إنصافاً أن نُعرف المعَرّف، وقديمًا قالوا: “المعروفُ لا يعرف”.
وبحسب الدكتور جوهر وبحسب كتابه أن يشار إليه بالبنان. وإنه لعظيم علي، وكبيرٌ لدي، أن أقدم كتابًا هو نسيجُ وحده، وقريع دهره، لَمْ يُنْسَجْ عَلَى مِنْوالِه غيرُه، ولا أقول هذا ثناءً أو إطراءً أو حُباًّ أو تَحبُّبًا لصديقي، ولكن أقول ذلك لأنني عايشتُ الكتابَ وصاحبه،وتسمعت لأحاديث الباب وتراجمه،وذلك إبان معاناة الكاتب وسهره الليالي الطوال في معالجة الكتاب وبناء فصوله فصلًا فصلًا، وتحبير أبوابه بابًا بابًا، ورحم الله الشافعي الذي قال:
بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
تــرومُ العــزّ ثــمّ تنـام ليـلًا يغوص البحر من طلب اللآلي
وكم وكم من مرة خضنا وأخي جوهر نقاشات، وكم وكم لججنا معًا في حوارات وما زلنا على ذلك نصرة لفكرة أو تفنيدًا لفقرة، غير أنها كانت تنتهي كلها بعبارة :”الخلاف لا يفسد للود قضية”.! وأحسبني مِن أعرف الناس بخطر هذا الكتاب وخطر صاحبه، وأدراهم بأهميته، لكنّه فيه نسيج وحده .. ما مثله من قبله وبعده
ولكي تعرف أيها القارئ الكريم حجم هذا الكتاب لا بد لك من الاطلاع على تاريخ ونشأة هذا الفن، فقد نال هذا العلمُ “نظم القرآن” أو إعجازه من عناية الكتاب واهتمام المؤلفين، وحظوة الباحثين في هذا العصر والعصور التي قبله ما لم ينلْهُ فن أو علم آخر من العلوم الشرعية، ولا غرو، فهو علم أساس يسعى إلى تقديم أدلة مادية ملموسة على ربانية المصدر القرآني، وإلى تقديم تفسير للإعجاز الكامن في نظم القرآن، وقد أتى حينٌ من الدهر على العلماء لم يلتفتوا فيه إلى البحث عن وجوه إعجاز القرآن، بل إن هذا المصطلح لم ير النور إلا بسبب رأيٍ رآه شيخ المعتزلة واصل بن عطاء المتوفى سنة 131 هـ في البصرة يقول: “إن إعجاز القرآن ليس بشيء ذاتي فيه وأنه يمكن معارضته ، وإنما هو بصرف الله تفكير الناس عن معارضته” ، وهذا القول تبنّاه في ما بعد إبراهيم بن سيّار النّظّام “ت 231 هـ” أحد شيوخ المعتزلة في البصرة،ثم تلقفه من بعده شيوخ آخرون حتى اشتهر هذا القول في ما بعد “بالصرفة“، فهاج هذا القولُ العلماءَ، واستفز الأدباء، فشرعوا عند ذلك يتكلمون عنه-على استحياء- في بطون كتبهم ، وأول من تولى الرد –حسب ظني- على القول بالصرفة تلميذ النظام “الجاحظ” فقد تناوله في إشارات مقتضبة في كتابيه “الحيوان” و”البيان والتبيين”،ولم يكتف بذلك بل ألف كتابًا مستقلًا سماه “نظم القرآن”، وقد فقد الكتاب ولم يصلنا منه إلا شذرات متفرقة، فمثلًا يقول: في التعليق على قوله تعالى: (يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ): (هاتان الكلمتان جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا)، وقوله عزّ وجلّ حين ذكر فاكهة أهل الجنة لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ: (جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعاني). ونهج الأدباء قويم نهجه،وتتبعوا أعمال ذهنه، في الكشف عن المعاني الدقيقة والإشارات العميقة في القرآن الكريم، وألفوا رسائل في نظم القرآن فمنهم: ” أبو بكر عبد الله بن أبي داود السّجستاني “ت سنة 316 هـ” حيث ألّف كتابا وسماه “نُظم القرآن”. وقد انتقد الباقلاني الجاحظ في كتابه :” إعجاز القرآن”، إذ يقول ص 7: “وقد صنف الجاحظ في نظم القرآن كتابًا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله، ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى “، وأخشى أن يكون في حكم الباقلاني جور وعسف على الكتاب وصاحبه، وكأني بالجاحظ قد استشعر ما سيقوله الباقلاني وغيره في نقده على كتابه، فقال يذكر محاسن كتابه-” حجج النبوة 147″: ” ..وقلت اكتب إلى كتابًا تقصد فيه إلى حاجات النفوس، وإلى صلاح القلوب، وإلى معتلجات الشكوك وخواطر الشبهات، دون الذي عليه أكثر المتكلمين من التطويل”. وكذلك من المؤلفين : الإمام البلخي”ت 322 هـ “سمى كتابه «نظم القرآن». وابن الإخشيد المعتزلي “ت 326 هـ” وسمى كتابه أيضا “نظم القرآن”، والخياط والجبائي، اللذين ردا ونقضا على ” ابن الراوندي ” كتابه ” الدامع ” الذي طعن فيه على نظم القرآن وما يحتويه من المعاني، وقال: إن فيه “سفهًا وكذبًا”، وكذلك رد كثير منهم على من خالف عن قول جماعتهم: (بأن تأليف القرآن ونظمه معجز) وأنه علم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أما ابن قتيبة الدّينوري “ت 276 هـ”، – وهو يمثل لأهل السنّة ما يمثله الجاحظ للمعتزلة -فقد تصدى للطاعنين في القرآن، والمنكرين لإعجازه في كتابه النفيس “تأويل مشكل القرآن” ففنّد مزاعمهم، وأقض مضاجعهم، وهو كتاب مطبوع، وهذا مما لا يَحتمل البسطَ والاتساع، وقد اشتُهر عند جمهور الكاتبين والباحثين والمهتمين في هذا المجال أن صاحب المقولة”بالصرفة” هو النظام وحده، وليس هذا بصحيح، فقد قال بها جمع من العلماء، مثل:عباد بن سليمان، وهشام الفوطي،وكلهم يقولون ب”الصرفة”.
وليس كل خلاف جاء معتبرًا إلا خلاف له حظ من النظر
ولا حظَّ لهذا الرأي من النظر، لذلك لا يستحق الوقوف عنده.
ومن المفيد هنا أن نعلم أن نظرية النظم لم يخترعها الجرجاني اختراعًا من غير مقدمات، وإنما لفت النظر إليها أولًا –كما تقدم- الجاحظ في كتابه نظم القرآن، والواسطي في كتابه إعجاز القرآن في نظمه والباقلاني في كتابه إعجاز القرآن غير إن الجرجاني شرحها شرحًا نحويًا بيانيًا وافيًا مترابطًا وصاغ منها نظرية متكاملة تقوم على أساس عدم الفصل بين اللفظ ومعناه وبين الشكل والمضمون وقرر أن البلاغة في النظم لا في الكلمة المفردة ولا في مجرد المعاني، دون تصوير الألفاظ لها.
إذن فما الجديد في كتاب د جوهر الذي قدمه لهذا العلم؟
جديد هذا الكتاب كما فهمته هو التنظير لنظرية جديدة، قد تروق للبعض وقد لا تروق للبعض الآخر غير أنها في الحالين تبقى نظرية جديدة تضاف إلى جهود السابقين،وتراث الباحثين من أفذاذ العلماء…هذه النظرية تقوم على بناء السورة،وهي تحاول أن تربط بين موضوعات السورة الواحدة بخيط دقيق يجمع بين أشتاتها المتفرقة، ويعمل على صهرها في بوتقة واحدة، مستعينا في ذلك بالمعاني المشتركة بينها، وكأن المؤلف ألبسك منظارًا جديدًا ترى من خلاله القرآن بغير العين التي كنت تراه فيه من قبل.
كذلك يحسب للمؤلف أن كتابه هذا نال به أطروحة الدكتوراه من جامعة “أبردين” قي المملكة المتحدة باللغة الانجليزية، وقد ناقشه بها ثلة من المستشرقين يرون غير رأيه،ويقولون غير قوله في القرآن، وحسبه أنه حاججهم وأقنعهم بالحجة والبرهان، بل أرغمهم بالدليل والاستيقان على ربانية القرآن وسماوية مصدره، وأنه وحي من عند الله أنزله على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي ختام المقال نقول بقول الكاتبة د. عائشة عبدالرحمن “بنت الشاطئ”: (ونبدأ نحن من حيث انتهى السلف، وتراثهم بين أيدينا علامات على الطريق، لا نغض من قيمته ولا نحط من أقدار أهله، وإنما نرى في كل منهم جهد عصر ومستوى بيئة، وحتمية تقدم وسنة حياة، ونمضي ونترك للأجيال بعدنا ما نترك، والباب مفتوح أبدًا ليس لأحد أن يدعى أنه أغلقه، والمجال رحب يتلقى كل حين جديدًا لن يلبث أن يصير من القديم، دون أن تسلم الحياة بأن أحدًا قال الكلمة الأخيرة فيه.”
وعلى الرغم من قيمة الكتاب وثقله في ميزان البحث العلمي إلا أنه وردت فيه هنات قليلة كنت أتمنى أن يبرأ الكتاب منها، غير أنها تظل آراء شخصية للباحث قد نناقشه فيه أو في بعضها لاحقًا.
شوقتنا الى قراءة هذا الكتاب المهم لصاحبه الذكي والفطن وان موضوع نظم القران وسباقات الأيات والكلمات وايقاعها المعنوي والبنيوي والمضمون والشكل ، من الموضوعات الحساسة والاساس في فهم اعجاز القران .اجدت وابدعت د. احمد بهذا التقديم وارجو أن أحصل على نسختي وان اتعرف على د. جوهر محمد داود ولي الشرف بالحديث معه .مع كامل محبتي واحترامي وتقديري.مهند الشريف
بارك الله فيك د أحمد على ما تقدمه للثقافة والمعرفة من توضيح وشرح واختصار،تقرأ لنا الكتب الطوال وتختصرها في مقال لا يتجاوز ال”٥” صفحات، فتوفر علينا جهودا كبيرة، ففي مقالك هذا حببتنا بالكتاب ومؤلفه، وقصصت علينا من أخبار ” نظم القرآن” وإعجازه، وأشهد الله أنني لم أكن أعرف أن الإعجاز والنظم هو موضوع واحد، كذلك ما وضحته عن تلك الفرقة الضالة هدانا الله وإياهم وقولهم المتهافت ب”الصرفة” ..
فيا ليتك يا دكتورنا الغالي تتكرم وتبحث لنا في عبدالله بن المقفع وقصة زندقته .
” قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا”
ما زال الدكتور أحمد يطلعنا على كل جديد من أنواع الفنون وألوان المعرفة، ويقطف لنا من ورودها…
فلله درك د أحمد وزادك الله بسطة في العلم والمعرفة، وبركة في الرزق والعمر.
ماشاءالله بالتوفيق دائما
الله يحفظك دكتور والى الامام دائما
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا موفق دكتور
الدكتور الحبيب احمد ،،،
السنتنا عاجزة عن بوح ما في قلوبنا اتجاهك ، فانت تجاوزت معنا حد الانتظار لماهو جديد بل جعلتنا نتشوق اكثر فاكثر كي نصل لمعاني مفرداتك ونبحر في مخيلتنا علنا نجد السبيل في ذلك ، مقالاتك متنوعة متعددة بالمعنى ولكن ما يميزها اسلوبك الرائع وقلمك الجذاب .
ادامك الله وزادك من علمه واكثر محبيك
دكتور أحمد.. كثر الله أمثالك وفتح عليك فتوح العارفين
فعلاً دكتور أحمد القول بالصرفة من أكثر الأقوال تهافتا، بدليل أن الجاحظ وهو إمام من أئمة المعتزلة الكبار رفضه وفنده..
ما شاء الله عليك
زاد الله في علمك ونفع بك
سلمت ودمت دكتورنا الحبيب احمد زياد الزبيدي، على تقديمك لهذا الكتاب، والذي شوقتنا لقرائه ودراسته، داعين المولى عز وجل ان يديمك لكل متابعينك موسوعة ثقافية ننهل منه صافي العلم وخلاصة الفكر المستنير.
دكتورنا العزيز دمت ودام عطااؤك
نستمتع دائما بقراءة مقالاتك فأنت دائما تشعرنا بالحاجة الحقيقية للمعرفة ،نتمنى لك مزيدا من العلم والفائدة الدائمة لقرائك
دكتور أحمد,
جزاك الله عنا بكل خير على هذه النفحات
كوني كسبت جلسه مع الدكتور جوهر جزاه الله كل خير على هذا العمل وكل أعماله الأخرى
بوجودك والأخ أحمد وطرح نقاش حول هذا الكتاب مع الدكتور جوهر نفسه ,ارى ان القارئ
يحتاج ان يغوص اعمق في هذا الكتاب وهذا الموضوع.
كالعادة ابداع رائع وطرح يستحق المتابعة شكرا لك بانتظار الجديد القادم دمت بكل خير.