رحل أخي وصديقي الفنان نعيم رضوان (أبو شادي) ، وبرحيله تنطفئُ شمعة من شموع الفن والأدب، وتنزل دمعة من دموع أهل العلم والأدب.
رحل صديقي، وبرحيله سكت صوت صداح، وتضوع عطر فواح.
في الأمس القريب كانت الأمسيات، وكان الحضور والمشاركات..أما اليوم ، فأين كنا وأين صرنا! رحلتَ صديقنا فتركت مكانك شاغرًا، ومقامك فاغرًا، فمن يملأ مكانك يا أبا شادي!
لم تترك أمسية شعرية أو فنية أو أدبية إلا وكنتً تُسابقنا إليها..فتسبقنا!
أيا متيماً بالفن والطرب ، ويا عاشقًا للعلم والأدب، من لها بعدك.. قاعات العلم والأدب..!
فارقتنا وذهبت إلى دار البقاء، وتركتنا ننتظر في دار الفناء، نذكرُك ونتذكر مواقفك الغراء.
أتعلم أبا شادي أن رؤيتي لك عليلًا كانت أشد علي من علتي، فهل كنت تعلم أن للجسد نزعات إلى ترابه ، كما أن للروح نزعات إلى جوهرها –بارئها-!
هل تذكر يا أبا شادي حديثنا أثناء ذهابنا إلى إحدى الأمسيات الشعرية، وأثناء رجوعنا منها؟
هل تذكر حديثنا عن أشواقنا النفسية، وأفراحنا الروحية، هل تذكر آلامنا المبرحة التي تسكننا منذ غادرنا مستقر قلوبنا- فلسطين- هنالك حيث الجنان والجنين من شجر الزيتون والتين، حيث جبل الطور.. وطور سينين!
إن هذه الغربة التي نالت من أرواحنا ألمًا وتبريحًا،وثلمت في أجسادنا وجعًا وتجريحًا، حقيق بنا أن نستثمرها في ظلال البقع المقدسة لنكون ألصق بالأرض وأقرب إلى السماء.
آه يا نعيم….كم اشتاقت عيناك وعيناي إلى مرأى تراب الأرض ، حيث الندب والفرض..
فكم مضى علينا من الوقت تجوالًا في الشرق والغرب! لم نر فيه نَوْر الأقحوان،وزهر شقائق النعمان، وهما يتنفسان عن الريحان، كأَنهما ثَغْر جَارِيَةٍ حديثةِ السِّنِّ والسنان، ذلك الزهر الجميل،والخد الأسيل…
بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا
وما أحسن المصطاف والمتربعا
.ولله در الشاعر حيث يقول:
إذا ما الندى وافاه صبحاً تمايلت
أعاليه من در نثير وجوهر
إذا قابلته الشمس رد ضياءها
عليها صقال الأقحوان المنور
وكم وكم مضى علينا ولم نستنشق عرفًا ذكيًا وريحًا زكيًا،ولم نشنف آذاننا من صدح بلبل وتغريد شحرور ، ولكننا سرعان ما كنا نتعزى بقراءة قصيدة :
سنرجع يومًا الى حينا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان
و تنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلاً و لا ترتمِ
على درب عودتنا موهنا
إلى جنة الخلد أبا شادي، إلى الفردوس الأعلى، إلى الرحمة والمغفرة والرضوان، إلى رب كريم رحيم.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون.