وائل الجشي أديب وشاعر وصحفي التقيته في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استأنست برأيه في قصائدي وتقويمها، وهو من يقوم على هذه المجلة “البعد المفتوح” من بابها لمحرابها بجهد عظيم. سألته ذات مرة: لماذا لا تطبع ديوانًا بعد مجموعتك المشتركة “تنويعات على الأوتار الخمسة” مع عدد من الشعراء رد بـأن من الأسباب انشغاله في العمل الصحفي.
حبه لعمله منعه من أن يقوم بالنشر لنفسه، وهو لا يفتأ ينشر لغيره رغم أنه يملك الكثير من المعرفة والأدب والثقافة .
شعره ينطوي على دراما وتراجيديا تصويرية شفافة.. يتكلم عن عوالم بعيدة لكنها قريبة من القلب.. يمتلك لغة جميلة ذات طابع رقيق ومستوى عالٍ من البلاغة والإيجاز،وأبعاد في الإبحار عميقة ذات مساحة إنسانية تحمل من الجمال الكثير.
“عاشق المجد” صدرت في تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1994 وهي مسرحية تاريخية من تأليف وائل الجشي بما تتضمنه من أشعار، وتدور حول ابن خلدون هذا الفيلسوف الذي رأى العالم من مستويات كثيرة كلها موضوعية ذات بعد إنساني .إنه يراه متطلعًا إلى مكانة عالية ينظر إليها من بعد معرفي وتأملي، وينظر ابن خلدون إلى الواقع فيمحصه ويفنده حتى يجد الحلول وطرائق العيش في المجتمع. إنه إنسان عربي يرى الحلم العربي ويرى الشرق من بوابة الشمس. تظهر في المسرحية فتاة أصيلة اسمها “مجد” تحمل إلهامه إلى حدود السماء وأبعد، وتدفعه إلى الإقدام ومتابعة الطريق، وهي تطرح أمامه الإشكاليات تستمع إلى منطقه ورؤاه.
إن ابن خلدون إنسان عربي يعاني في أمته آلامها وأتراحها، ويفرح لأفراحها، ويحترق في أوجاعها مسكونًا بأفكاره التي تحمل الخير والحب والسلام لمجتمعه.. إنه يتحمل الكثير لكنه يعطي كل ما عنده من إمكانات يحاول من خلالها أن يغير نحو الأفضل لتنال أمته المجد. إنه يسعى لارتقاء مجتمعه المتمثل في شخصه الإنسان المكافح بعقله النير الوضاء، الذي يؤمن بأن الوصول في أي مجتمع عن طريق اتباع وسائل مشروعة وسلم هرمي تصاعدي علينا اتباعه بطبقاته ومستوياته .
مسرحية تحمل طابعًا موضوعيًا وشاعريًا في الوقت ذاته. قرأتها فحملتني إلى الواقع العربي بكل تناقضاته.. إنها دراما وتراجيديا إنسانية فيها نزيف داخلي وطموح مشروع وعقل مفتوح على الاحتمالات، وتنقل بين الأزمنة، وتحمل مضامين كثيرة وكبيرة .
في النهاية أرجو أن أرى أعمالًا أخرى لهذا الأديب ، الذي أفنى عمره في عمله الصحفي بلا كلل أو ملل.