الأستاذ الأديب المترجم عامر كامل السامرائي؛ العراقيُّ مولداً، والهنجاري نشأة، والعربي والإسلامي عقيدةً وهوىً.يُعدُّ من الأدباء المترجمين المقلين، فهو لا يُعنى بالكم والعدد بل تراه يُعنى بالنوع وإن قل، وهو في ذلك على سَنن الكبار من الأدباء والعلماء والحكماء، وأكاد أقول – وليسمح لي الأستاذ عامر على جرأتي – إن الأستاذ الأديب عامر قد وَقَف نفسهُ وقلمهُ على الأدب المجري خاصة ؛ شعرًا وقصة، فأعماله جلها أو كلها رهن على تلك الأعمال،فتمرُّ الأيام ذوات العدد فلا تسمع من أخباره العلمية والأدبية شيئاُ، وما يلبث حتى يفاجئك بترجمة قصة لكبار القصاص في هنجاريا ، أو يصدمك بترجمة قصيدة لشاعر أو شاعرة هنجارية، يعمل كل ذلك في صمت وهدوء. وأحسب بل أكاد أجزم أن وزارة الثقافة الهنجارية، أو ما دونها من المؤسسات الثقافية عاجلا أو آجلا ستعرف للرجل حقه فتكافئه جزاء ذلك كله، بل إن حقه أكبر بكثير، وسبب اهتمام الأستاذ عامر بذلك أنه –ربما- قضى زهرة شبابه في تلك البلاد، فتكلم بلسانهم ، وقرأ آدابهم، وعاش تجاربهم، وفرح بأفراحهم وتألم بآلامهم–أدبًا- حتى عُدَّ واحدًاً منهم. وربما يكون لذلك سبب آخر؛ وهو ما أفضى به إليَّ عندما سألته عن سبب ذلك، فقال: إن الأدب المجري -ترجمة، وتحليلا، ونقدا – ما زال بكرا إلى الآن لم يُفترع ؛ ، أما لسان حاله فيقول إن لتلك البلاد دَينًا عليّ ، وما أعمله جزء من رد ذلك الدين! كذلك ما أحسَّه أستاذنا من وجود شبه بين أدباء بني جنسه، والأدباء في هنجاريا ، وقديما قالوا: “لا كرامة لنبي في قومه” !
أقول هذا فيما أقرأ له الآن مقالًا نقديًا جديدًا في “البعد المفتوح” عن الترجمة وفلسفتها، وأشهد أنني قرأت المقال مرات ومرات وما زلت أحس في نفسي تلك الرغبة الجامحة لقراءته مرات أخرى، والوقوف عند كل كلمة فيه، ربما لأنه مقال غير مألوف، وربما لأنه اختزل فيه تجربته العلمية، وإحساسه ومشاعره، وربما يكون غير ذلك، لكن المهم عندي أن المقال حصيلة قراءات متعددة، وخبرات كثيرة في هذا المجال وأنا لو ذهبت أقرأ للقراء الكرام عبارات المقال والوقوف عندها بالشرح والتوضيح والتحليل لضاق عني هذا المقال واحتجت إلى مقالات كثيرة، ومع ذلك يصعبُ علي أن أنهي المقال من دون الوقوف وقفة أو وقفتين معه.
انظر أخي القاريء الكريم معي إلى الأستاذ كيف افتتح مقاله من دون مقدمة أو بهرجة أو تزويق، وكيف رمى بالقاريء فورا في ثبج البحر، وقذفه في لجة الموضوع مباشرة، معتمدًا على ذكاء القاريء وفطنته وكياسته وما يملكه من أدوات ووسائل تمكنه من السباحة والاستمتاع في هذه الرحلة الشيقة! صحيح أن الأمواج عالية، وصحيح أن التيار جارف، لكن الكاتب سرعان ما يشفق على القاريء فيمد له يد النجاة فيأخذ بيده ، ويهديء من روعه، ثم لا يلبث أن يلقيه مرة أخرى، ولكن في قارب النجاة.
افتتح الكاتب مقاله بهذه العبارة :”تعتبر ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى من المغامرات الإبداعية الشيقة التي قد تفتح آفاقا جديدة ومثيرة في فكر المترجم”. بهذه العبارة الوجيزة يَوقِفُكَ الكاتبُ على معانٍ جمة، يريد أن يقول لك إن الترجمة بشكل عام، وترجمة الشعر بشكل خاص تعدّ مغامرة مليئة بالتشويق، يتعرض فيها المترجم لرياح عكسية عاتية من الهوى، وعدم الخبرة ، وعدم إتقان اللغتين إتقانًا كبيرًا، وإلى هنا قد قال الكاتب ما أجمع عليه كل من بحث وترجم في الأدب قديمًا وحديثًا، وعلى رأسهم ابن المقفع، والجاحظ، وغيرهم من الأدباء حتى عصرنا الحاضر عصر الأستاذ العناني شيخ المترجمين المصريين.
وأنا لو ذهبت أشرح وأفسر كل كلمة قلتها سابقًا لاحتجت إلى تسويد صفحات كثيرة، ولكن من له عناية بالأدب والترجمة يعي تمامًا ما أردت قوله. كذلك فإن الأستاذ عامر لم يكتف بما قرره كبار المترجمين، بل زاد عليهم بقوله : ” …تفتح آفاقا جديدة ومثيرة للمترجم” . فأراد أن يقول لك أيها القاريء الكريم إن المترجم يحتاج مع كل ما تقدم من عدة وعتاد وأدوات ووسائل كافية أن يوسع آفاقه بالقراءة في آداب اللغتين أكثر فأكثر حتى يصل بك لأن تقرأ الشعر المترجم كأنك تقرأه في لغة الشاعر نفسه!