إنها الساعة الرابعة والنصف فجر يوم الأحد، بعد ليل طويل في ذلك اليوم الشتوي الصاخب، فيما كان يعلو صوت هاتفه وهو يحاول أن يرفع يده ليغلق ذلك الصوت المزعج بتكراره، بينما عقله ينبهه للنهوض والذهاب إلى العمل، أما جسده فإنه متعب ومرهق هو رجل وحيد وغريب.
لقد أراد أن ينهض إلا أنه لم ينجح فإنه مريض .. مريض لدرجة كبيرة يشعر معها بالوهم حتى بعد التعافي والتشافي يعيش مرضه بهواجسه وكوابيسه،وكعادته يحتفظ بالكثير من الأدوية في معظم أركان بيته وكأنها حزام أمانه من نوائب الأيام، فكم ذهب إلى الأطباء وأنفق الوقت والمال ،عساه يشتري راحة البال ويلوذ بالاهتمام المفقود ليجد الاطمئنان والسكينة وينعم برغد الحياة.
هل كانت أمراضه من أعراض البعد والوحدة والجفاء ، أم إنها أقدار ذلك الرجل؟ وهل العلاج عند الطبيب وبتناوله للدواء حقًا؟ وهل يتساوى نبل ونزاهة الأطباء أم أن العصر الراهن أصبح زمن ماديات بعيدًا عن الإنسانيات!؟ كلها أسئلة راودته اليوم أيضًا ، مثلما كانت تؤلم عقله وذاكرته ككل يوم مضى من عمره الطويل في غربته.
عاد ليضبط أنفاسه ويستجمع طاقته وينهض من جديد ،وفي يده اليمنى حفنة من حبات الأدوية اليومية، ويبدأ يومه باحتساء قهوته الصباحية في سيارته وهو يسير إلى عمله مع قافلة السيارات والحافلات ليستمر في العطاء، ويدواي جراح العمر ببلسم الاستمرار في العمل إلى آخر يوم في عمره.