مواصلة التأملات في توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها: “لعلهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض”.
نتناول في هذه الحلقة الحديث عن التشابه بين البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية، والبناء الهيكلي التركيبي للكون.
يتضمن البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية جزأين رئيسين، هما:-
* نواة الذرة التي تضم الجسيمات موجبة الشحنة الكهربية (البروتونات)،
** الأغلفة الذرية التي تضم الجسيمات سالبة الشحنة الكهربية (الإلكترونات)؛
وتحتفظ الذَّرة بكيانها من خلال وجود قوتين متساويتين تعملان باتجاهين متعاكسين:-
* إحداهما قوة الجذب بين الجسيمات مختلفة الشحنة الكهربية، ** والأخرى قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركة دوران (سباحة) الإلكترونات في الأغلفة الذرية.
وبالنسبة للبناء الهيكلي التركيبي للكون، لا بد من وجود قوى متوازنه (متساوية من حيث الكم) تعمل باتجاهين متعاكسين، وهما بلا أدنى شك قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركة سباحة الأجرام السماوية، وقوة التجاذب بين مكوناتها المادية.
* تمثل الأغلفة/المدارات الرئيسة، ومكوناتها من الأغلفة/المدارات الفرعية لبناء الذَّرة، مواقع ذات طاقة وضعية محددة؛ تتحرك ضمن أطرها الإلكترونات؛ وبالمقابل تمثل الأفلاك ومكوناتها من الأبراج (لبناء الكون) مواقع الأجرام السماوية التي تتحرك ضمن أطرها الكواكب والمجرات الكوكبية.
* يتألف الغلاف/المدار الرئيس للذِّرة من عدد معين من الأغلفة/المدارات الفرعية التي يمثل كلٌّ منها مستوى للطاقة الوضعية للإلكترونات، التي هي عبارة عن مواضع الاتزان بين قوة الطرد المركزي التي تسببها حركة دوران (سباحة) الإلكترونات في الأغلفة/المدارات الذرية، وقوة جذب البروتونات بداخل إطار نواة الذَّرة للإلكترونات التي تدور في أغلفتها؛
* وبالمقابل يتألف الفلك من عدد معين من الأبراج في بناء الكون، وهو بلا شك يمثل مستوى الطاقة الوضعية التي هي عبارة عن مواضع الاتزان بين قوة الطرد المركزي التي تسببها حركة سباحة المجرات ومحتوياتها من الكواكب والنجوم، وقوة الجذب (التجاذب) بينها.
* وتتفاوت أعداد الأغلفة الرئيسة للذَّرة، والأغلفة الفرعية التابعة لها؛ وفقاً للحجم الكلي للذَّرة، فكلما ازداد حجم الذَّرة، تزايد عدد أغلفتها الرئيسة، وكذلك الأغلفة الفرعية لها، وبالتالي ازداد عدد الإلكترونات التي توجد ضمن إطارها؛
* فالغلاف الرئيس الأول للذَّرة هو أدنى/أقرب غلاف/مدار رئيس لمركزها، وهو الغلاف الأصغر حجماً، وله غلاف فرعي واحد، وبالتالي يمكنه احتواء أقل عدد ممكن من الإلكترونات؛
* أما الغلاف الرئيس الثاني فله غلافان فرعيان يحتويان على أربعة أضعاف ما يحتويه الغلاف الأول من الإلكترونات؛
* والغلاف الرئيس الثالث له ثلاثة أغلفة فرعية تحتوي تسعة أضعاف الغلاف الأول ، وهكذا؛ وبالتالي تتزايد أحجام الأغلفة الرئيسة والفرعية للذِّرة، ويتزايد عدد الإلكترونات التي يمكنها احتواؤها ضمن نطاقها، كلما ازدادت بعداً عن مركز (نواة) الذَّرة.
* وبالمقابل، بإمكان المرء أن يتوقع تفاوت أعداد الأفلاك وأبراجها في كل سماء، وفقاً لحجم كُلِّ منها الذي يتناسب طردياً مع المسافة البينية التي تفصله عن السماء الذي يليه أو يسبقه؛ وبالتالي كلما ازداد حجم السماء، وزاد عدد أفلاكها وبروجها، ازداد محتواها من المجرات والكواكب؛ كما ثبت أن الطاقة الوضعية التي تحكم بقاء الإلكترونات في الغلاف الرئيس، وأغلفته الفرعية تتناسب عكسياً مع تزايد حجمه؛ أو بمعنى آخر، كلما ازدادت المسافة التي تفصل بين الغلاف الرئيس (بكل مكوناته من الأغلفة الفرعية ومحتوياتها من الإلكترونات سالبة الشحنة) ومركز الذرة (نواتها) تناقصت قوة تحكم النواة بما تحويه من البروتونات موجبة الشحنة في وضعية (حركة) الإلكترونات في الأغلفة الذرية ومداراتها.
لقد تمكن العلماء حديثاً، وبما لا يدع مجالاً للشك في مصداقية نتائجهم من تحديد العدد الأقصى للأغلفة الرئيسة بمداراتها/الأغلفة الفرعية، بمستويات طاقاتها للذرة العنصرية، حيث وجد أن هناك سبعة أغلفة رئيسة فقط يمكن لأكبر ذرة عنصرية احتواءها.
* ما وجه الشبه بين البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية للمادة والبناء الهيكلي التركيبي للكون؟
للتعرف على وجه الشبه بين هذين الكيانين (أحدهما هو كيان الذرة العنصرية، وهوأصغر كيان مادي مدرك؛ والآخر الكيان الكوني بكل محتوياته وأبعاده)، نود التأكيد على ما ذكرناه سابقاً بخصوص مقولة الأعرابي من أن “البعرة تدل على البعير؛ والأثر يدل على المسير”، وتطبيق مبدأ الهندسة العكسية، وحقيقة ظاهرة التشابه.
١ – الذَّرة العنصرية، هي أصغر وحدة مادية في الكون، ذات أبعاد منتظمة ومتساوية في كافة الاتجاهات، ذات شكل كروي، تحتفظ بكيانها نتيجة عملية التجاذب بين قوتين متعاكستين (قوة الجذب بين الإلكترونات في الأغلفة الذَّرية، والبروتونات بنواة الذَّرة) والقوة الناشئة عن حركة دوران الإلكترونات في الأغلفة الذَّرية حول نواة الذّرة (قوة الطرد المركزي)؛ وهاتان القوتان متماثلتان، وتعملان في كافة الاتجاهات بكيفية متعاكسة حول نواة الذّرة؛ وبهذا التصور فإن هاتين القوتين تشكلان الأعمدة غير المرئية التي تحفظ بقاء كيان الذَّرة مستقراً، وتمنعان تهاوي الإلكترونات واندماجها في نواتها، مما قد يؤدي إلى انهيار البناء الهيكلي التركيبي للمادة العنصرية، وزوالها (اختفاء المادة العنصرية)، وظهور ما يقابل ذلك على هيئة طاقة ذرِّية. وبما أن الشكل الأنظم للذرة هو الشكل الكروي، فعليه يجب أن يكون الشكل الأنظم للكون، من حيث البناء التركيبي، هو الشكل الكروي كذلك.
لقد ورد في القرآن الكريم الآيات ذات التوجيهات والإرشادات التي تشير إلى ذلك البناء للكون، والتي يستشف منها أن الكون لا بد من أن يكون ذا شكل كروي منتظم، وأبعاد متساوية في كافة الاتجاهات: * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ …… (الزمر: ٥)؛ فحقيقة تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، لا شك في أن ذلك يؤكد كروية الكون بأكمله؛ حيث يكون هناك موضع/موقع معين يمثل المنطقة المركزية له، يحيط بها مواقع فضائية (أفلاك) يتألف كُلٌّ منها من عدد معين من الأبراج، التي تمثل مستويات الطاقة الوضعية لمجرات الكواكب السيارة ضمن أطرها. ولا شك في وجود طاقة جذب (قوة التجاذب) بين المجرات الفضائية ومحتوياتها من الكواكب السابحة في الأفلاك والأبراج السماوية، وطاقة الطرد (قوة الطرد المركزي) الناشئة عن حركة سباحة تلك المجرات ومكوناتها من الكواكب والنجوم، وإن وجود هاتين القوتين المتعادلتين من حيث القوة، والمتعاكستين من حيث الاتجاه، يمثل بلا شك الأعمدة الكونية غير المرئية التي تحفظ بقاء الكون على وضعه الآني الذي أراده خالقه، الله سبحانه وتعالى.
وكما أن بقاء البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة يعتمد على بقاء قوتي الجذب، والطرد فاعلتين؛ فإن الذَّرة تنفجر ويختفي كيانها، إذا ما حدث خلل ما في تأثير تلك القوتين، وبالتالي نعتقد بأن بقاء بناء الكون على ما هو عليه حالياً يعتمد على بقاء قوتي الجذب، والطرد فاعلتين؛ ولا شك في أن الأعمدة التي رُفِعت عليها السماوات، ولا تُرى (لا يراها المرء)، ليست سوى مناطق تَعادُل قوتي الجذب والطرد بين قوى متساوية الكمية ومتعاكسة الاتجاه في البناء الهيكلي للكون: * اللَّـهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَها، …. (الرعد: ٢)؛ * …..، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، …….. (الحج: ٦٥)؛ * أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا؛ * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (النازعات: ٢٧ – ٢٨)؛ * إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا، وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ، إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (فاطر: ٤١).
وبما أن كيان الذرة العنصرية معرض للانهيار إذا ما حدث خللٌ في تلك الأعمدة التي تحفظ بقاء كيانها (كما هو الحال ما يحدث في التفجيرات النووية)، فإن الكون الحالي معرض للانهيار، بإذن الله، إذا ما حدث خلل في تلك الأعمدة التي تحفظ بقاءه دون انهيار، كما تشير إلى ذلك الآيات القرآنية:-
جزاك الله كل الخير كلام علمي دقيق فالجاذبية ما تحكم دوران الافلاك واطارات الذرة ولولاها لانهارت .تحضرني لفتة لا علاقة لها بالعلم ولكنها ملفتة في الاسلام قبة المسجد .في ايات الله اعجازات كثيرة وعظيمة لولا نستنتجها ونستنبطها مع كل المحبة والاحترام والتقدير لانجازاتك دكتورداود .مهند الشريف
أخي مهند
أشكرك على متابعتك وتعليقاتك وأدعو الله لنا جميعاً بأن يجعل ما نورده من تأملات دليل هداية للأجيال الحالية والقادمة من أمة الإسلام لتدبر توجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها أولاً في الارتقاء بأداء أبناء الأمة على هدي من تلك التوجيهات والإرشادات العلمية الموضوعية التطبيقية الموثوقة.
جزاك الله كل الخير كلام علمي دقيق فالجاذبية ما تحكم دوران الافلاك واطارات الذرة ولولاها لانهارت .تحضرني لفتة لا علاقة لها بالعلم ولكنها ملفتة في الاسلام قبة المسجد .في ايات الله اعجازات كثيرة وعظيمة لولا نستنتجها ونستنبطها مع كل المحبة والاحترام والتقدير لانجازاتك دكتورداود .مهند الشريف
أخي مهند
أشكرك على متابعتك وتعليقاتك وأدعو الله لنا جميعاً بأن يجعل ما نورده من تأملات دليل هداية للأجيال الحالية والقادمة من أمة الإسلام لتدبر توجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها أولاً في الارتقاء بأداء أبناء الأمة على هدي من تلك التوجيهات والإرشادات العلمية الموضوعية التطبيقية الموثوقة.
سلسلة مقالات ممتازة، كل التوفيق والتألق لمجلة “البعد المفتوح” الرائدة