أمسية شعرية تجمع الأصالة والرقي ختامًا لورشة “فن الشعر والعروض” في “بيت الشعر” بالشارقة

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

بعد ختام ورشة” فن الشعر والعروض” ، حيث كانت الورشة الأخيرة في الإلقاء بإشراف الشاعر عبدالله الهدية الشحي ،
نظم بيت الشعر في دائرة الثقافة في الشارقة بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت أمسية شعرية أحياها الثلاثاء 20 يونيو 2023 الشعراء عماد جبّار، من العراق، ومظفر الحمادي، من الإمارات، وسليمان الإبراهيم، من سوريا. قدمت للأمسية وأدارتها الشاعرة آية وهبي مثنية على دور المشهد الثقافي في الشارقة، وتقدمت بالشكر إلى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على مبادراته الثقافية التي أثرت الواقع الأدبي، وأسهمت في دعم الشعر العربي، مشيرة إلى جهود دائرة الثقافة في الشارقة في متابعة فعاليات بيت الشعر، وكان للشعر حضور في التقديم لكون المفدمة شاعرة تقدم شعراء، ومن ذلك أبياتها:

شكرًا لشارقة الجمال على مساحات الجمال

شكرًا لحاكمها الموقر ذي الفخامة والجلال

شكرًا لدائرة الثقافة وهي تمنحنا المجال

شكرًا لبيت الشعر آيات انتماء واكتمال

شكرًا لشاعرنا البريكي باسماً في كل حال

شكرًا لأقمار القصيدة صانعي السحر الحلال

شكرًا لكم .. فحضوركم .. منح القصيدة ما يقال

كانت بداية الأمسية مع الشاعر عماد جبار الذي أنشد قصيدته  “وطن جديد” وفيها يقول:

طف يا قطار ببقيا الروح في الجسد

وحيثما   تتعب   الأبعاد   ذا   بلدي

هناك   أرقد   لا   ذكرى  سترجعني

ولا  دروب  سوى  درب  من  الزبد

أضيع  مثل غيوم   الله في    أفق

وأغسل  القلب   بالأمطار    والبرد

ويعرب عن شعوره بالوحدة الانفراد :

لقد  قطعت  سنين  العزف   منفردا

هناك  يصبح  عزفي   غير   منفرد

هناك  لا   لغة    أحتاج    زخرفها

ستفهم الطير حاجاتي ببوح   يدي

طف يا  قطار فإن  الخوف   أتعبني

خوف العصافير من بنتي ومن ولدي

يقول في قصيدته “عن ابن زريق البغدادي”:

لقد  ترحل  حتى  ضاع  منبعُه

 فلا الرصافة بعد اليوم ترجعُه

ولا عيون المها في الكرخ ترجعه

ولا القناديل فوق الجسر تخدعه

كل يردد في منفاه: لي وطن

 ولي تراب خطىً يوما  ساتبعه

بلى لنا وطن ملقى على جسد

 كالثوب  يبلى  ولكنَا  نرقعه

“بين الحقائب مخضر له امل

 بأي  ارضك  يا ذا الملك  يزرعه”

لاتعذليه..أما تدرين يوجعه

حجم الخراب اذا ما راح يذرعه

تمضي به الريح مثل الغيم تدفعه

 وأخسر الغيم لو تدرين مُسرعُه

وفي “ذات النظارتين” يقدم بلغته الشعرية وصوره الجميلة رؤيته لعاطفة الحب: “

علميني السفرْ

مثل كل العصافير بين يديك

علميني إذا أظلم الليل كيف تنام صغار المطر

وتطوي المنازل أسرارها

والشجرْ

يودع أوراقه

علميني صلاة المياه على راحتك

علميني الضياع هنا في البلاد التي خلف نظارتيك

الحب …

قد يعني المسير على طريقٍ

للتخلص من حياتكْ

الحب قد يعني بأنك قد تعبتَ

من التأمل في صفاتكْ

من بحثك المجروح في النفق الطويلِ

من التفاتك

الحب أن تعطي مفاتيح البيادرِ

مرة أخرى لطير البرِّ

أن تلقي رذاذ اللونِ

في أوراق دفترك القديمِ

الحب أن تعطي لنحل الوقتِ

كل الزهرِ

أن الأفق يرخي راحةً

لحمامةٍ مذعورة الجنحينِ

كي تأتي لتكمل أغنياتكْ

الحب أن يعلو جدار آخرٌ

يأوي إليكَ

يشد من طابوقك الحاني

ويعلو النفس الفلسفي لدى الشاعر –إن جاز التعبير- في قصيدته ” اعتذار”:

وتعود محزوناً وتطوي

 مرة أخرى كتاب المعذرة

هي شوكةٌ أدمت جناح الطير

طار لوحده متوجعاً

في البعد خلف القمح

في حقل الذرة

لكنه  لما يزل يجري

إلى الأطراف فيه جدول للمغفرة

ما زال في البستان متسعٌ

وإن مرَّ الربيع لزهرة متأخرة

وما يجعل النقص يملأُ

هذي الحياةَ

الدروب التي لم تسرها

الزوايا التي أظلمتْ

في الضلوعِ

ومرت عليها نجوم كثارٌ

ولكنها لم تنرها

الحنين الذي قرَّ في القلبِ

نحو البلاد التي لم تزرها

وسيدةٌ سفحت دمعها في الطريقِ

انتظرني

فلم تنتظرها

‌كلانا يخاف من الحب

يبحث عن فرصةٍ للكلامْ

فيا حبُّ ماذا فعلتَ بهذي الضحايا

فغطيت أضواءها بالظلامْ

ويا حب ماذا فعلتَ

فكدّرتَ لونَ المرايا

وعلّمتَهم ألفَ فنٍ لبدء الخصامْ

محوتَ طريق الرجوع

لكي لا يعودوا

وغطيتَ عالمهم بالثلوجِ

فضاع البريدُ

فصاروا وأنت تصادفهم في الطريقِ

يقولون: حزنٌ جديدُ

نريد من الحب نقرَ الحمام لقمح اليدين

ولكننا لا نريدُ

ويكبر في ثباتكْ

الحب يعني أن تزيح العبء عنكَ

وأن تشاطر آخراً ترميم ذاتك

وألقى الشاعر مظفر الحمادي عددًا من قصائده التي تجاوب معها الحضور منها قصيدته ” الحلم والوهم” التي تجلى فيها البعد الوطني والقومي للحب كما يراه الشاعر:

من فرط حسنك أم من فرط أحلامي

تأوي إلى ساحة الأوراق أقلامي

تميل نحوك تحكي شوقها ولهًا

في قبضة الحب أم في أسر أوهامي

الليل والحب والأشواق تعرفني

والشعر والنثر في آهات أيامي

وصرت لا شيء في الحب الذي جهلت

نفسي خوافيه في جنبات أتلامي

بلا عيونك ترحال بلا جهة

لما تعمد ذاك الحسن إرغامي

لن أقبل الموت في طيات قافيتي

حتى تكون مواني الحسن إحرامي

حاولت ألمح في ذاك الزحام فمًا

يدنو وأقبل إن ما شاء إفحامي

وكل ذاك وما في الحب من عبث

أرواحنا فيه تحكي كنه آلامي

ليل سيمسح ما في الشوق من وجع

ليل المثول لما تمليه أحكامي

يا سكرًا بقلوب الدفء نعصره

نهر حدود مداه لهفة الشام

إلى العراق وما في مصر من ألقٍ

إلى الخليج فرات فاق إلمامي

أحلامنا فيه باسم الحب تقتلنا

حتى تزل بساح البعد أقدامي

أرواحنا في ليالي الشوق تفقدنا

وتستباح ترانيمي وأنغامي

لكنه الحب والآلام ديدنه

ومنطق الحب آلام بآلام

نبقى على الصمت والعهد الذي جبلت

عليه نفسي ونفس العاشق السامي

نبقى على الصمت كي تصفو الحياة لنا

لو جاء بالهم أو ويلات إيلامي

أشكو وما بي يا مينا قصائدنا

خوف ويأس فأنت نبع إلهامي

أرى بعينيك شوقًا لا حدود له

ومن دموعي تخط الشوق أقلامي

هلا اعترفت بأني الحب يا وطنًا

فيه التقت كل أحلامي بآلامي

فكلما اجتزت في عينيك منعرجاً

صعبًا تسلل يأسي قصد إيهامي

إن الأماني والأحلام ما برحت

تدمي محاجرنا من قوسها الدامي

إني الذي فاقت الأحزان رغبته

من فرط حسنك لا فرط أحلامي

وفي “بريق العصر” رسالة احتماعية يبين فيها الشاعر بأسلوبه الناقد ما آلت إليه الحال في عصر التطور وانتشار مواقع التواصل والمنابر الإلكترونية:

بريق العصر صار اليوم هما

يطال الكل أعرابًا وعجما

ففي شرق وفي غرب شمالًا

وحتى في الجنوب يضوع سقما

ترى العجب العجاب إليك يدنو

وصرنا نرتضي الآفات وسما

ونمشي في أزفتهم ذهولًا

ونفقد في رحاب القول روما

فمنهم في منصته خطيبًا

ومنهم يعتلي الساحات رقما

على فوضى التواصل مشرعات

مراكبهم وفي العتبات قسما

لهم في ساحة الدنيا حضورٌ

وألبسهم بغاث الناس عزما

نلمعهم بأيدينا ونشكو

ولا نألوا  لهم جهدًا ودعما

علوا فينا جهارًا، بل نهارًا

وقدوتنا غدوا جورًا وظلما

بريق العصر أوجدهم فماجت

بنا الدنيا فصرنا فيه وهما

 إجابات تفوق العقل تعلو

تشل الفكر مفهومًا وفهما

محالٌ أن تسير بنا الأماني

ونقضي في بحار التيه عوما

أنا لم يثني أشرعتي هواءٌ

وأعلي من حروف الشعر دوما

عسى طقس العقول يحال صحوًا

لنجعل من بريق العصر خصما

وحيدٌ لا يساندني فضاءٌ

وإن زانت حروف الشعر نظما

فهل لي في الغياب الآن حلٌ

فشاهت سكرة الكهنوت علما

قليلٌ ما بجعبتهم وإني

كفرتُ بذلك الكهنوت حكما

كفرت بجوقةٍ للنفل تحيي

تظن الفرض صار اليوم رسما

فليت صروف ذاك الدهر تأتي

وتطلق في بريق العصر سهما

فضاءاتٌ أبت إلا نكوصًا

ويأبى الحر يقضي العمر غما

و اعتلى الشاعر سليمان الإبراهيم المنبر فكان ثالث شعراء الأمسية،وعاش معه الحضور مشاعره في  قصيدته “غربة” التي عبر فيها عن غربته المعنوية ما جعله يلوذ بالحب:

لأنّي غُرْبةٌ، ويَديكِ بيتُ
بلا ظِلٍّ لشمسكِ قَد أتيْتُ

مَحَوتُ حَقيقةَ الصَّبَّارِ عنّي
وعُدْتُ كبذرةٍ، وبكِ ارْتَميْتُ

أنا المقطوعُ منْ شَجرِ العَطاشَى
سقطتُ على دمائيْ فارْتَوَيْتُ

وفي ختام الأمسية عمد الشاعر محمد عبدالله البريكي كالعادة إلى تكريم المشاركبن والتقط معهم صورة تذكارية.