مقالات

وقفة مع العيد..! د. أحمد الزبيدي    –    الإمارات  

د. أحمد الزبيدي

 أطلّ العيد بفَرْضِهِ ونفْلِهِ، وأجْلَبَ بخَيْلِهِ ورَجْلِهِ، فاتبعَ الناسُ السُنّةَ في لُبسِ الجَديدِ، وبرَزوا جميعًا للمصافحة والتعييد، والأضحى يملأ بضحكاته جنبات الوجود، ويتجاوز بنغماته الحدود والسدود، لا تسمع فيه إلا قول المسلم للمسلم: تقبل الله، والحمد لله مقبلين بغير صدود.

الكل يلبس أثوابًا جديدة؛ ويدعون بأعوام مديدة،وينطقون بأصوات غرّيدة، ليشعروا أنفسهم قبل غيرهم بجدة هذا اليوم وإخوانه من الأيام السعيدة..!

هو يوم الزينة، في هذه المدينة، ويوم الطعام والشراب.. يوم الفرح بالأحباب.. يوم لا تسمع فيه إلا التهنآت، ولا ينطق إلا بالتبريكات والدعوات، وإذا أردت أن ترى العيد بلا نقص ولا مزيد،فانظر إلى الأطفال   من بعيد، ترَ كيف يلعبون، وتشاهدهم كيف يركضون، وترمقهم كيف يضحكون، وكيف ينظرون، حينئذٍ ترى السعادة بكل معانيها، والبراءة بكل مبانيها.

وجوه بريئة، وعيون حالمة جريئة، لا تعرف من الحياة إلا الصفو، ولم تخبر غير اللهو، ولم تشعر إلا بالخير والجمال. قال المتنبي –رحمه الله-:في العيد:

عِيدٌ بأَيَّةِ حَالٍ عُدتَ يا عِيدُ

 بِمَا مَضَى أَمْ لأَمرٍ فِيك تَجدِيدُ

أَمَّا الأَحِبَّةُ فَالبَيدَاءُ دُونَهُمُ

    فَلَيتَ دُونَكَ بِيداً دُونَها بِيدُ

وقال يهنيء سيف الدولة بالعيد :

هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده

  وعيد لمن سمّا وضحّا وعيّدا

فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى

 كما كنت فيهم أوحدًا  كان أوحدا

ومما يستجاد لأشجع السلمي قوله في الرشيد:

لا زلت تنشر أعيادًا وتطويها

 تمضي بها لك أيّام وتثنيها

مستقبلًا جدّة الدّنيا وبهجتها

 أيّامها لك نظم في لياليها

‌العيد والعيد والأيّام بينهما

 موصولة لك لا تفنى وتفنيها

                  “البخيل والعيد”

يا بَخِيلاً لَيْسَ يَدْرِي ما الْكَرَمْ

 حَرَّمَ اللُّؤْمُ عَلىَ فِيِه نَعَمْ

حَدَّثُوِني عَنْهُ فِي ‌الْعِيِد بِما

 سَرَّنِي مِنْ لَفْظِهِ فِي ما حَكَمْ

قالَ لا قَرَّبْتُ إلَاّ بِدَمِي

 ذاكَ خَيْرٌ مِنْ أَضاحِيَّ الْغَنَمْ

فَاسْتَخارَ اللهَ فِي عَزْمَتِهِ

 ثُمَّ ضَحى بِقَفاهُ وَاحْتَجَمْ

                   “العيد والعشاق”

قَدْ جاءَنا ‌الِعْيُد يا مُعَذِّبَتِي

 لَا تَجْعَلِيِه هَمًّا وَأَحْزانا

قُومِي فَضِّجَّ بِالْهَجْرِ فِيِه لنَا

 وَصَيِّرِيهِ يا شِرُّ قُرْبانا

                   البحتري والعيد

ودنا ‌العيد وهو للناس حتى

 يتقضى وأنت للعيد عيد

              العيد بطرسوس

كان يقال: “من محاسن الإسلام، يوم الجمعة ببغداد، وصلاة التراويح بمكة، ويوم ‌العيد بطرسوس “، وقد وجدت تفسير هذا في “كتاب الأنساب للسمعاني وبغية الطلب”:  “كان المشايخ يقولون: «زينة الإسلام ثلاثة: التراويح بمكة فإنهم يطوفون سبعًا بين كل ترويحتين، ويوم الجمعة بجامع المنصور لكثرة الناس والزحمة ونصب الأسواق، ويوم ‌العيد ‌بطرسوس لأنها ثغر وأهلها يتزينون ويخرجون بالأسلحة الكثيرة المليحة والخيل الحسان ليصل الخبر إلى الكفار فلا يرغبون في قتالهم».

وأنشد أبو عبد الله بن حجاج :

قالوا غدا ‌العيد فاستبشر به فرحا

 فقلت: ما لي وما للعيد والفرح

قد كان ذا والنوى لم تضح نازلة

 بعقوتي وغراب البين لم يصح

وفي “نشوار المحاضرة”:

 أظلّ عيد من الأعياد رجلًا- يومئ إلى أنّه من أهل عصره- وعنده مائة دينار، لا يملك سواها، فكتب إليه رجل من إخوانه يقول له: قد أظلّنا هذا ‌العيد، ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ويستدعي منه ما ينفقه. فجعل المائة دينار في صرّة، وختمها، وأنفذها إليه، فلم تلبث الصرّة عند الرجل إلّا يسيرًا حتى وردت عليه رقعة أخ من إخوانه، وذكر إضاقته في ‌العيد، ويستدعي منه مثل ما استدعاه، فوجّه بالصرة إليه بختمها، وبقي الأول لا شيء عنده، فكتب إلى صديق له، وهو الثالث الذي صارت إليه الدنانير، يذكر حاله، ويستدعي منه ما ينفقه في ‌العيد، فأنفذ إليه الصرّة بخاتمها فلما عادت إليه صرّته التي أنفذها بحالها، ركب إليه، ومعه الصرّة، وقال له: ما شأن هذه الصرّة التي أنفذتها إليّ، فقال له: إنّه أظلّنا ‌العيد، ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا، أستدعي منه، ما ننفقه، فأنفذ إليّ هذه الصرّة، فلما وردت رقعتك عليّ، أنفذتها إليك. فقال له: قم بنا إليه، فركبا جميعًا إلى الثاني، ومعهما الصرّة، فتفاوضوا الحديث، ثم فتحوها، فاقتسموها أثلاثًا. ولأبي الفرج بن سلامة:

من سره ‌العيد فما سرني

 بل زاد في همي وأشجاني

لأنه فكرني ما مضى

من عهد أحبابي وإخواني

وقال إيليا أبو ماضي في العيد :

أَيَّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ      يا مَلاكي وَكُلُّ شَيءٍ لَدَيكِ

أَسِواراً أَم دُمُلجاً مِن نُضارٍ             لا أُحِبُّ القُيودَ في مِعصَمَيكِ

أَخُموراً وَلَيسَ في الأَرضِ خَمرٌ      كَالَّتي تَسكُبينَ مِن لَحظَيكِ

أَم وُروداً وَالوَردُ أَجمَلُهُ عِندي الَّذي قَد نَشَقتُ مِن خَدَّيكِ

أَم عَقيقاً كَمُهجَتي يَتَلَظّى            وَالعَقيقُ الثَمينُ في شَفَتَيكِ

لَيسَ عِندي شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الروحِ  وَروحي مَرهونَةٌ في يَدَيكِ

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫16 تعليقات

  1. كل عام وانتم دكتور احمد الزبيدي بكل الخير ومجلة البعد المفتوح ومديرها الاستاذ وائل الجشي والجميع اعاده الله على امة الاسلام والانسانية بكل الخير .مقال جميل في العيد يستحضر الماضي واقوالهم في هذا اليوم الجميل .مقال سبك بعناية وتمحيص وفقك الله .مع الحب والتحية والاحترام تحياتي. مهند الشريف

    1. شكر الله لك شاعرنا المرهف، وكل عام وأنت والمجلة وكتابها وقراؤها ومتابعوها، ورائدها ومؤسسها وبانيها الأستاذ الكبير وائل الجشي بألف خير وصحة وعافية وعطاء ونماء وبقاء🌷🌷

  2. كل عام وانتم بالف الف خير، دكتور احمد الزبيدي، ربنا عز وجل خصنا بعيدين في السنة ليكونا يومين متميزين، فيهم السعادة والسرور، فاولهما يعقب شهر رمضان المبارك شهر القران والعبادة وشهر الغفران والرحمة مستبشرين فيه العتق من النار والرحمة التي تتنزل على الامة والتي تبشرهم باجر الصيام والقيام، والعيد الثاني عيد الاضحى المبارك الذي يعقب يوم عرفة العظيم، وهو اليوم الاخير من العشرة ذي الحجة، التي اقسم بها عز وجل في كتابه المبين، وهي اعظم ايام السنة عند الله سبحانه وتعالى كما خبرنا بها سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام، وهو بعد اعظم ركن من اركان الحج، هذان اليومان حق للمسلمين الفرح والسعادة والاستبشار بما هو ات من الخير ، وان في هذه الدنيا كل الخير والسعادة للمسلمين العاملين تبشرهم بالحياة الاخرة الخالدة للمتقين، اللهم اجعلنا منهم، وكل عام دكتورنا الحبيب احمد الزبيدي وانتم جميعا بالف الف خير، وتقبل الله منا ومنكم الطاعات.

    1. نعم، لا فض الله لسانك أخي ” محمود” صدقت وبررت، والشكر الجزيل لك على اهتمامك وتعليقك الذي يختزل المقال فيركلمات محدودة.

  3. مقال أكثر من رائع، لم أطلع على مثله أو ما يشابهه قديما وحديثا، مزجت فيه بين القديم والحديث وصورت لنا الناس في العيد وهم يلبسون الجديد، ويتسابقون للتعييد… وصورت لنا الأطفال حتى ظننت أنني أشهد فلما تلفزيونيا لا مقالا مكتوبا في مجلة.
    كل عام وأنت ومجلتك والقائمين عليها لا سيما الأستاذ الجشي الصحفي الكبير، والأمة الإسلامية بألف خير

    1. شكر الله لك أخي د عبدالله على هذا الإطراء الرائع، والثناء المميز، سائلا الله سبحانه أن ينفع بنا وبكم. آمين

  4. كل عام وكل فريق عمل مجلة “البعد المفتوح” بألف خير وعلى رأسهم الأستاذ وائل الجشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى