د. أحمد الزبيدي
يُعدُّ كتاب؛ “تاريخ هيرودوت” الخطوة الأولى التي خطاها علم التاريخ في مشيته الأولى؛ فهو من أقدم الكتب التي وصلت إلينا في هذا العلم،وليس هذا فحسب، بل إن الباحثين عدوه علامة فارقة، ونقطة بارقة؛ في سلسلة الثقافة الإنسانية؛بشكل عام، ونقطة تحول، ومنعطفًا خطيرًا في الدراسات الإنسانية والتاريخية بشكل خاص!
فقد أرخ هيرودوت – أبو التاريخ ،كما أطلق عليه شيشرون خطيب روما– لشعوب، وحضارات، ومدنيات، وعادات ، وعبادات، وتقاليد، وملل، ونحل، وطقوس، بل حدثنا عن الطعام والشراب واللباس،ولم يترك شيئا رآه بعينه، أو سمع عنه بأذنه، إلا وسجله، وأبدي رأيه فيه، وأعطى حكمه عليه.
محور كتاب هيرودوت
لكل كتاب يؤلفه صاحبه أساس يقوم عليه، وأساس كتابنا هذا هو التأريخ لحروب فارس والإغريق،واستكناه أسباب ذلك ومعرفة الطريق، وقد أدهش هيرودوت انتصار فئة قليلة من الإغريق على فئة عظيمة من الفرس في مواطن كثيرة !.
وبعد الدراسة والتنقيب والتفتيش وربط الأسباب بمسبباتها، خرج بنتيجة مفادها؛ أن حقيقة ما دار أو كان يدور من حروب بين الشعبين؛ هو صراع بين فِكرين: استبداد وطغيان، تمثله دولة الفرس، وحرية، وتشاور، وحكم للشعب بالشعب يمثله دولة الإغريق. وشتان بين شعب يسعى للحياة، وشعب يسعى لحياة، وشتان بين شعب لا تُقرَعُ لهُ العَصا. ولا يُنَبَّهُ بطَرْقِ الحصَى. وشعبٍ قد نُدِبَ الى الإذْكارِ. وجُعِلَ صيْقَلاً للأفكارِ!
وقد عبر عن فلسفته هذه من خلال الحوار الذي جرى بين أحشويرش وصاحبه الإغريقي عندما سأله عن سر انتصار الإسبارطيين ، فأجابه: السرُّ في القانون الذي يسود يونان، وحكم الواحد في ساسان.
ويقول هيرودوت إن الفرس: “يرون أنهم خير الناس “، وهم يعتقدون أن غيرهم من الأمم تدنوا من الكمال بقدر اقترابهم من بلاد فارس، وأن ” شر الناس وأشقاهم أبعدهم عنها”. وإلى الآن ما زالت هذه النظرة الاستعلائية تحرك كثرًا من الأمم !
استفادةُ من الأسبقين
لا شك في أن الإنسان ابن بيئته وعصره، ولهذه البيئة، وذالك العصر، آثار تنطبع عليه وتؤثر فيه وفقاً لتفاعله مع بيئته، واستجابته لظروفها التي تدخل في مكوناته الباطنية والظاهرية، ثم لا تلبث أن تتدسس جذورها في مسارب نفسه،وحنايا روحه، لتظهر لاحقًا في شخصيته واتجاهاته السلوكية والعملية.
فكل شخص –ولا بد- متأثرٌ بأمه وأبيه، والبيئة التي تحيط به، وأساتذته ومعلميه،
و هيرودوت ليس بدعًا من المؤرخين، فقد استفاد -هو الآخر- ممن سبقه وعاصره من الباحثين،وفي كتابه إشارة إلى سلفه المؤرخ الإغريقي “هيكاتيوس” وكتابيه :”الأنساب” و دائرة الأرض”. وللأسف لم يصل إلينا من الكتابين شيء حتى نقف على مقدار استفادته منهما، غير أن مما يحسب لمؤرخنا “هيرودوت” تحريره مفهوم التأريخ من الاعتماد على الموروث،واستثقاله آصاره وأوزاره،بل جعله ينفتح على آفاق ثقافية لحضارات إنسانية درسها واستفاد منها، كما ألزمه التعليل العقلي،والتفسير المنطقي، الذي ظهر واضحًا جليًا في كتابات المسعودي، ونضج واستوى في مقدمة ابن خلدون.
حكايات أسطورية
قد يستغرب قاريء اليوم ما يقرؤه من كتاب هيرودوت، ومن جميل إنصافه واعترافه بفضل الحضارتين المصرية والبابلية “موطن العرب القديم” على الفكر الإغريقي والثقافة الإنسانية، وسرعان ما يزول استغرابه حينما يقرأ نظرية أستاذ المستشرقين البلجيكيين: جورج سارتون الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين، والذي يعد من أبرز مؤرخي العلوم في العالم، وأكثر المستشرقين إنصافاً للحضارة العربية الإسلامية قال بعد أن درس الحضارات الإنسانية على اختلافها: ” إن العلم الروماني ليس إلا نسلًا ضعيفًا للعلم “الهيلني”، وما بعد الحضارة الإغريقية تشتت العلماء، وأُحرِق الكثير من الكتب، إلى أن جاءت الحضارة العربية الإسلامية”، وقد أطلق عدد من المستشرقين -وعلى رأسهم “” فازيليف ” لقب” هيرودوت العرب على المؤرخ المسعودي،وقال:” إن كتاب المسعودي مما يقرأه المسلمون والأوربيون على السواء، ويجدونه ممتعًا طليًا، ولذا استحق لقب “هيرودوت العرب”. ومما يذكر لهيرودوت أيضاً؛ ذكره بلاد العرب وعبادتهم اللّات”. فدل ذلك على قدم الوثنية في العرب ، وأن دين إبراهيم لم يترسخ في عقولهم. وذكر أيضاً:” أن في الكعبة -قبل الميلاد- عددًا من الأصنام يمثل معبودات العرب. منها؛ اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى”. وقد ذكرها القرآن الكريم.
وفي وسعنا أن ندرك قدم عهد هذه الآلهة العربية إذا عرفنا أن هيرودوت قد ذكر (اللاَّت) على أنها من أكبر أرباب العرب. وكانوا يقولون لأهل مكة أن إلههم الأكبر رب أرضهم، وأن عليهم أن يؤدوا لها عُشر محاصيلهم، وباكورة نتاج قطعانهم، وكانت قريش، وهي التي تنتسب إلى إبراهيم وإسماعيل، تختار من بين رجالها سدنة الكعبة وخدامها والمشرفين على مواردها المالية، وكانت أقلية أرستقراطية منهم هم بنو قصي يتولون زمام الحكومة المدنية في مكة”، وقد جاء في موجز دائرة المعارف الإسلامية“27 / ٨٤٠٩ ” قول هيرودوت:” إن العرب والفرس صنعوا السهام من الغاب، وتبعًا لابن التقتاقة سمى الفرس سهم العرب المصنوع من الخشب، وفى تقارير الحرب لشرق إمبراطورية أمية، السهم الفارسى هو النشاب”.
زر الذهاب إلى الأعلى
حبيت.
نوعت فابدعت الله يعطيك العافية د. احمد الزبيدي انت موسوعة بالادب والتاريخ والفلسفة وعادة ما تعطي من نهرك الفياض لنا معرفة وثقافة وعلما ومنك نستفيد كثيرا فهذه المواضيع بحاجة لان نتطرق لها كثيرا .مع كل المحبة والاحترام والتقدير. مهند الشريف
كالعادة الدكتور الموسوعي أحمد الزبيدي يتحفك بالنادر الطريف الذي لا يتحفك بمثله إلا من كان مثله في البحث والتنقيب والجلد الشديد في تعقب أصل الأشياء. وذلك فوق المتعة الأدبية التي بيثها في تضاعيف كلامه العلمي، والأسجاع غير المستكرهة التي تُبقي المعلومة في الذاكرة كقوله: “السرُّ في القانون الذي يسود يونان، وحكم الواحد في ساسان.” فهذا طبعًا من إبداعه في صياغة كلام المؤلف صياغة جديدة تطبع الكلام في ذهنك.
لا يسعني إلا أن أثني على قدرتك على تقديم المعلومات بطريقة منهجية ومنظمة. استطاعت كتابتك العمل على هيكلها وتتبع سياقها بشكل واضح ومقنع، مما يمكن القارئ من الاستيعاب دون أي صعوبة.
أود أن أشير أيضًا إلى قدرتك على إثارة العواطف والمشاعر لدى القراء من خلال استخدامك للغة المشوقة والصادقة. أثرت كتابتك بشكل إيجابي على تفكيري وتحفّزت لاستكشاف المزيد حول الموضوع.
باختصار، أشعر بالإعجاب والتقدير الشديدين تجاهك ككاتب ومقالك المذهل. تحتل مهاراتك الكتابية مكانًا رفيعًا وأنت بالتأكيد واحد من الكتاب الرائدين في مجالك. أتطلع بشغف لقراءة المزيد من كتاباتك المذهلة والملهمة في المستقبل.
السلام عليكم
سلمت يمينك يا د. أحمد
لقد بعثت فينا شغف القراءة بعد ان اضمحل.
دكتورنا الفاضل
لا يسعني إلا الدعاء لك بالتوفيق والسداد..
وحبذا لو كان المقال كاملا ونزل مرة واحدة حتى تكتمل الصورة والفائدة
وشكرا اك وللبعد المفتوح مرة ثانية.
سلمت يداك ويمناك دكتورأحمد
كالعادة رائع بسردك للمعلومات خلال المقال
دمت بخير وسعادة
بانتظار المزيد والمزيد من المقالات
راىع دكتور
يسعد مسااك وبوركت يمناك
دمت بخير
سلمت وسلم قلمك
بانتظار المزيد من المقالات
دااىما متميز دكتور بسردك للمقال بطريقةسلسة ومشوقة
بحفظ الله ورعايته
دكتورنا الغالي
كلام رائع وجميل
دمت بود وسعاده ومحبه ودام قلمك الجميل ان شاء الله