مقالات

وقفة مع المولد النبوي الشريف  د. أحمد الزبيدي    –    الإمارات  

 

د. أحمد الزبيدي

 

لقد قرأت قصص الأنبياء، وتصفحت سير المصلحين والحكماء، واطلعتُ على فضائل الشرفاء والأعيان والوجهاء، في شتى العصور، وغابر الدهور،فلم أجد في ما قرأت أو سمعت بعض ما وجدت في سيرة سيد الأنبياء والحكماء والشرفاء والوجهاء والرحماء محمد – صلى الله عليه وسلم – من مظاهر الرفعة  والسمو ، وخصال الكمال والنمو، وخلال الشرف من المحدثين والسلف، فهو أولى من عدلْ عن الحيف والجنف، وأعلى من اعترف بالشرف لأرباب ‌الشرف. فلا شرف يذكر، ولا كمال يوصف، ولا خلال تعرف إلا كانت موجودة فيه صلى الله عليه وسلم.

ورحم الله ابن الخطيب حينما قال:

أيروم مخلوق ثناءك بعد ما

 أثنى عليك الواحد الخلّاق

يريد بذلك ثناء الله جل وعز  على رسوله الأكرم – صلوات الله عليه –بالآية الكريمة: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

وما أجمل ما قاله الكنعاني نُعمان ماهر شاعر العراق:

 أهبتُ بالشعر في ذكراك فاضطربا  

 يا مُلهماً أسكت الأشعار والخطبا

يراعة الله هل أبقت لذي قلم     

لدى امتداحك ما يرضي به الأربا

ومن درس السيرة النبوية علم حق العلم ما هو الخلق العظيم الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا غرو في ذلك، فقد شهد بذلك كل من قرأ سيرته العطرة بإنصاف،وابتعد عن الإسراف والإجحاف،ونوى الإصلاح لا الاتلاف..!

 فها هو “مايكل هارت” أستاذ التاريخ الإنساني، الذي يتمتعُ بسَعَةِ اطلاعه، وعمق ثقافته، وتخصصِه في مجالاتٍ علميةٍ متعددةِ؛ مثل الفَلَك والرياضياتِ والفيزياء، والقانون،واحترافه المحاماة ، وعمله في وكالةِ أبحاثِ الفضاءِ الأمريكية المعروفة باسم: “ناسا” -يستقصي ويدرس مدة 25 عامًا آلاف الشخصيات المؤثرة،ليخرج منها  أعظم مائة في تاريخ البشرية، ثم يمضى ليصطفي أعظم رجل فيها ، فإذا به لا يملك إلا أن يختار محمدًا -صلى الله عليه وسلم –وللإسْلامِ ممَهِّداً. وللمِلّةِ موطِّداً. ولأدِلّةِ الرّسُلِ مؤكِّداً. وللأسْوَدِ والأحْمَرِ مُسَدِّداً!

 فيعده أعظم شخصية في التاريخ؛ في قدرته، وبراعته، وحكمته على تحقيق إنجازات دينية وانتصارات دنيوية في زمن محدود،وعمر معدود! وليس غريبا أن يقرر ” هارت” بأن محمداً هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا منقطعًا في نشر الإسلام -أعظم الديانات-، وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا ومصلحًا اجتماعيًا، وبعد مرور القرون العديدة ظل أثره باقيا، ومتجددًا ومعطاء.

فتى كملت أخلاقه غير أنه

 جواد فما يبقي من المال ‌باقيا

فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه

 على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

ثم رأيناه يؤكد على اختياره فيقول: “إنّ اختياري لمحمد ليكون المتصدر لقائمة ذوي النفوذ المؤثرين في العالم قد يدهش بعض القراء، …، ولكنّه هو الوحيد في التاريخ الذي كان امتيازه متكافئاً على المستوى الديني والدنيوي”، وعندما سئل عن سبب إعجابه الكبير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم واختياره أعظم العظماء، أجاب: إن نجاحه – صلّى الله عليه وسلم- فى نشر دعوته، وسرعة انتشار الإسلام في الأرض،يرجع إلى سماحة دينه وعظمة أخلاقه صلى الله عليه وسلم. وأضاف: “لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقي بحروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن “.

ومثله أو قريب منه رأي المستشرق اليهودي المجري الكبير جولد تسيهر -الذي يعرف بأنّه هو من رسم الصورة الأوروبيّة عن الإسلام- يقول: “إنّ اتجاهي الفكري قد تحوّل كلّياً نحو لإسلام، وهكذا شعوري .. لم أكن أكذب عندما قلت إنّي أؤمن برسالة محمد النّبويّة .. إنّ ديني أصبح منذ الآن ديانة الكون التي دعا إليها الأنبياء”.

والحق؛ أن جوانب العظمة والكمال الإنسانى في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم لا يطيق أحد مهما أوتي من بلاغة وفصاحة وعلم أن يحيط بها أو يحصيها، وستظل سيرته مجالًا ثرًا، وميدانًا فسيحًا للبحث والدراسة، والتأمل والاقتداء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى