متفرقات

*قصه قصيرة* (ليلة رأس السنة) إقبال صالح بانقا    –    الإمارات

إقبال صالح بانقا

 وضعت السماعة أوأقفلت هاتفي بعد مكالمة من أمي وأبي بعد تهنئتهما لي بميلاد سنة جديدة، وتوالت المكالمات من إخوتي وزوجاتهم وأخواتي وأزواجهن وأولادهم والأهل والأنساب والجيران والمعارف البعيدين والقريبين. أتت المكالمات والمسجات من بعض من تكرم منهم،  واتصلت بمن تيسر لي الاتصال به ممن يقيمون حيث أقيم، وبمن تفرقوا في انحاء الدنيا وأصقاعها  العربية والأحنبية الأفريقية والآسيوية بحكم ظروف العمل .. الهجرة ..النفي ..التغرب.. الدراسة..اللجوء..إلى آخر تلك المسميات التي شاعت وكثرت بشيوع الأسباب التي أدت إليها، لكن أجهزة الاتصال الذكية وغيرها، قربت البعيد ويسرت الحديث وأتاحت الرؤية ونقل الخبر والتهاني والتبريكات وما شابه.

 جمعت بقايا الطعام والأطباق والأكواب بعد خروج من كان معي وبعض الضيوف من أهل وأقارب وأصحاب محتفلبن بنهاية عام مضى وميلاد عام جديد. تبادلنا الضحكات والقفشات والجديد على الساحة ومرت ذكريات ملحة  فارضة نفسها ، منها ما كان محزنًا تجاوزناه بسرعة البرق/ خاصة من افتقدنا وجودهم معنا بموت أوغيره، ومنها ما كان سارًا أسعدنا، وما كان طريفًا أضحكنا.

كل من كان معي وما كان حولي كان مبهرًا.. الكل كان متميزًا شكلًا وحديثًا ومنطقًا وأسلوبًا.الكل كان حريصًا على إخفاء جوانبه التي لا تسر ولا تبهج، لكن لدواعي الاحتفال تجاوز الجميع كل ما يكدر أملًا في ماهو قادم من حبور وفرج، ولدواعي حسن الظن بالله أولًا، و داعي الأمل في دوران دولاب حظ الفرد. طرأ عليَّ كل ذلك وأنا الملم بقايا الاحتفال.

 ديسمبر بسحره ورومانسبته وجماله وتوقه للأمان، ولمن وما يشيع السحر ويبث الدفء في القلوب و النفوس  التائقه إليه. أكملت آخر مهامي، وجمعت ما جمعت وأهملت ما أهملت بنيَّة الاكمال صباح او ظهر اليوم التالي لأنه يكون بالطبع عطلة رسمية

بمناسبة عيد الاستقلال المجيد للسودان، واستهلال السنة.

وأنا في طريقي لإنهاء ليلة رأس الشنة كنت أفكر في ما يمكن أن تحمله لنا و ما تخبئه الأقدار، آملين في هذه الليلة وفي ذات الوقت متوجسين منها.

 بكل ذلك الحمل الثقيل على النفس أنهيت كل ما بيدي ، واعتليت سريري وتدثرت بما يكفل لي الدفء من البرد الذي اشتد خارجًا، وأصبح يرسل زئيرًا متتابعًا من بعيد يزيد من وقع التوجس في خاطري ونفسي.

لم أفاجأ وأنا أحس بوحشة عارمة وافتقاد لا تحده حدود، جعل لي الدنيا خواء  كبيداء أو صحراء خاوية من البشر والوجود. كل ذلك جعل قلبي يئن بنشد السكينة والأمان والرحمة  التي تتيحها المودة، وتساءلت: ألم تتوفر الموده بكل ذلك الزخم حولي ؟ وما سعيت وسعى الجميع إليه ..ألم يكن ذلك يكفي لإحداث عدم الوحشة وشيوع المودة والنوم والراحة بعد ذلك والسعادة والحبور.. تساءلت ولكن غلبتني دموعي التي فاضت، وتربع الحزن مجاورًا الوحشة في أعماق قلبي .

أغمصت عيني عليهما، على تلك الوحشة وذلك الحزن في محاولة للنوم وانا على يقين بانهما سيكونا رفيقي ليلة رـس السنه وبدايات أيامها.. شعور بهما باقٍ ومتمكن.   ما دام العمر وتوالت السنوات وأتت بداياتها.. شعور يجعل الدمع قريبًا ودائمًا على وشك أن يفيض، وعدت للتساؤل عن أسباب ذلك فتذكرت أنني علمت أو اطلعت في ما سبق من أيام على أن وجود شخص شريك أو حميم معك أو حولك، ليس له علاقه قربى أو أي مسمى لعلاقة أخرى غير الحب والمودة بين اتنين. وجود ذلك الشخص وعاطفته ومودته  تغلب على كل عاطفة عداها مهما تكابرنا وأقنعنا أنفسا بغير ذلك، فتلك العاطفة وذلك الشعور فطري ولا يمكن تصنُّعُه وله الأولوية قبل الأكل والشرب وكل المتطلبات الفيسولوجية للنفس .

هذه المشاعر أولًا و قبل كل شعور  وليأتِ بعدها ما يأتي من شعور سواء أكان شعورًا ساميًا أوجب أوغيره،  فلا ضير ولاغضاصة. هكذا ـثبت العلم ونحن لا نعلم أوآخر من يعلم أولا نريد أن نعلم. مكابرة منا بأن العقل أولًا رغم ان القلب هو الذي يعدل مزاج المخ ويضخ إليه الحياة لتسري في أوردته وشراينه، ويجعله مفكرًا ومنسقًا ويستطيع أن يختار.. هذا الشعور ما يجب أن يكون  وبالطبع لا يتم ذلك إلا في حالة الرضا والإرضاء ، رضا الله أولًا ورضا المجتمع الذي لا يرضى مهما أوتي من جهد وتنازل ورضا النفس التائقة المترددة دومًا العاصية حينًا،

ولكن هيهات فنحن أو الجميع يظنون أنهم في حل من ذلك رغم سعيهم الدؤوب لما يبهج، فيهرعون إلى غير ذلك، فتجد الجميع مفتقدين ذلك.. يكابدون من أجل مايحدثه وجود من يكفل ذلك، ورغم ذلك، تجد الجميع  يجرون إليه يشغلهم وإن اخفوا ذلك ،  إذ لا مناص ولابد من وجوده ويعرفون منفعته ولكن لا يعرفون كيفية ذلك ، وكيفية ايجاده.. دومًا يتعثرون ويخفقون  ودومًا في حالة افتقاد له.. يتخبطون مثل ما حدث  ليلة رأس السنة في محاولة للاحتفال وشرح الصدور لاستقبالها، ولكن لا حياة لمن تنادي.. سوف تنقضي أيام مجئيها بنفس النفس المشحونة بكاء، وذات الوحشة والكآبة والافتقاد، وسعي النفس دومًا لجلب العناء لروحها من تتبع الآخرين ومحاسبتهم  حين فشلها في معرفة ما بها وماذا تريد؟ فلا عزاء للجميع.

 رسالة لم ترسل وأحداث لم تحدث، ولكنها قائمة وواقعة ما توالت السنوات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى