مقالات
“إخوان الصفا وخلان الوفا” في قفص الاتهام د. أحمد الزبيدي – الإمارات
على كثرة ما كُتب ويكتب – قديما وحديثًا – عن جماعة “إخوان الصفا وخلان الوفا” ما يزال الغموض منذ ما يزيد على ألف عام وإلى الآن يكتنف حقيقتهم، وما برح الإبهام يحيط بكينونتهم، وما انفك شيء من الخيال يطوف بفكرهم وبرسائلهم، غير أن قدرًا معينًا من العلم بهم يتفق للباحث، فيجعله يطمئن قليلًا، ويسلمه من الخلط واللبس والتشويش.
وأول ما يتبادر إلى الذهن أن “عبارة “إخوان الصفا” تقود إلى ما يعرف اليوم بـ “نظام الأخويات”، وقد تساءل قبلنا المستشرق “دي فو” عن هذا الاسم، وهل تربطه علاقة بكلمة “فيلسوف” عند الفيثاغوريين، فقد رأى “دي فو” أن كلمة “أخ” تقابل الشطر الأول من لفظ “الفلسفة”(فيلو) وكلمة “الصفا” تقابل الشطر الثاني منها “صوفي” وعليه يكون معنى الاسم -عنده – “محبو الحكمة”، ولعل شيئًا من هذا الفهم ساق المستشرق جولد تسيهر إلى الخطأ فحمله ذلك على تصنيفهم في كتابه “مذاهب التفسير الإسلامي” ضمن مفسري الصوفية ، وسيظهر لنا بعد قليل أنهم جماعة متفلسفة رموا إلى أغراض بعيدة خبيثة،فضمت صفوفها أخلاطًا من الناس، مشاربهم مختلفة، ومضاربهم متنوعة، فيهم الملاحدة، وفيهم الزنادقة، وفيهم الجاهل الغُفْل، فنسبتهم إلى الصوفية، وإسنادهم إلى المتنسكة خطأ علمي، وتجنٍّ على الحقيقة، وافتئات على البحث، وتعسف في الحكم على التاريخ وعلى التصوف جميعًا. هذا ما قالوه عنهم، أما اعتراف “إخوان الصفا” عن أنفسهم- وهم أعلم بذلك- فنجده في الجزء الرابع من الرسائل “ص 373” قالوا : “وإنما سمينا رسالتنا هذه رسالة السحر ليستدل إخواننا على الأسرار الخفية، وليكونوا إذا بلغوا معالي العلوم ذوي غنى عن الحاجة إلى من سواهم في جميع ما يحتاجون إليه من أمر معيشة الدنيا، فإذا وصلوا إلى هذه المرتبة صح لنا أن نسميهم بإخوان الصفا. واعلم يا أخي أن حقيقة هذا الاسم هي الخاصة الموجودة في المستحقين له بالحقيقة لا على طريق المجاز“.
ف “إخوان الصفا” كما يعرفون أنفسهم – نخبة استقلوا بفقه علوم الدين والدنيا،مستغنيين عن الحاجة إلى غيرهم. هذا وقد انطلقت جمعية “إخوان الصفا” من مدينة البصرة، حوالي سنة 373هـ. وقد ذكر المؤرخون وعلى رأسهم أبو حيان التوحيدي أسماء خمسة مؤسسين من أعضاء هذه الجمعية وهم: أبو سليمان محمد بن مشعر البستي “المقدسي” وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني، والعوفي، وزيد بن رفاعة.وعنه قال الذهبي: “أبو الخير: لا صبحه الله بخير! له كتاب (أربعين حديثا) باطلة. وقال ابن حجر العسقلاني: معروف بوضع الحديث”.ومن أقواله : أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.
وقد تألفت الجماعة من أربع طبقات: أولاها: الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثلاثين. ويُفرض عليهم الطاعة العمياء.وطبقة بين الثلاثين والأربعين، ويسمح لهم بالاطلاع على العلوم الدنيوية دون العلوم الدينية، وطبقة الأربعين والخمسين ويسمح لهم بالاطلاع على شرائع العالم المقدسة. أما الطبقة الأخيرة فتتألف ممن ناهزوا الخمسين، وحينئذ يجوز الوقوف على الأسرار، وقد قضى قانونهم أن يكون للأعضاء لقاء خاص يجتمعون فيه يتذاكرون علومهم ويتحاورون في أسرارهم وخططهم. أما غايتهم فقد لخصها لنا أبو حيان التوحيدي في “الإمتاع والمؤانسة”ص 131 بقوله:”وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصّداقة، واجتمعت على القدس والطّهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنّهم قرّبوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنّته، وذلك أنهم قالوا: الشريعة قد دُنّست بالجهالات، واختلطت بالضّلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، وذلك لأنّها حاوية للحكمة الاعتقاديّة، والمصلحة الاجتهاديّة، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال، وصنّفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة: علميّها وعمليّها، وسمّوها رسائل إخوان الصّفا وخلّان الوفاء، وكتموا أسماءهم، وبثّوها في الورّاقين، ولقّنوها الناس، وادّعوا أنّهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ وطلب رضوانه ليخلّصوا الناس من الآراء الفاسدة التي تضرّ النفوس، والعقائد الخبيثة التي تضرّ أصحابها، والأفعال المذمومة الّتي يشقى بها أهلها، وحشوا هذه الرسائل بالكلم الدّينيّة والأمثال الشرعيّة والحروف المحتملة والطّرق الموهمة.
هذا ما أعلنوه من غرض تأليفهم الجماعة ، وسنرى بعد البحث، أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن وراء الغرض أغراضاً أخرى .أما عن ظروف ظهور الجماعة فإن الأستاذ الطيباوي في كتابه “جماعة إخوان الصفا” يرى أن تغلب أمراء آل بويه على الحكم في بغداد عام 334هـ كان منفسًا جيدًا لكل الجماعات الباطنية، وقد أصابَ الطيباوي إلى حد كبير، فإن قاريء الرسائل أو مطالعها ومطالع ما كتب عنها يجعله يطمئن إلى هذا الرأي، ولا نعني بقولنا ان أول ظهور لجماعة إخوان الصفا كان في البصرة في عهد بني بويه، ولم يكن لهم بذور ووجود من قبل، بل أن جماعتهم بلا شك تكونت قبل ذلك بكثير، وبقيت تعمل في الخفاء،وتتسربل بالمكر والدهاء مدة طويلة، وهذا ما يرجحه الباحث سعيد زايد في كتابه “رسائل إخوان الصفا“.
-
ما ذهب إليه الباحثان –حديثًا- هو تصوير صادق لما ذهب إليه المؤرخ ابن الطقطقي (ت 709 ه) في كتابه الفخري في الآداب السلطانية، حيث يرى أن ظهورهم بدا حين “اضطربت أحوال الخلافة، ولم يبق لها رونق ولا وزارة، فتملَّك البويهيون، وصارت الوزارة من جهتهم والأعمال إليهم”، وكان البويهيون، الذين سيطروا على العراق من الشيعة الذين اتبعوا مذهب الزيدية، وهي من أقرب الفرق إلى آراء مذهب السنَّة، ذلك أنها لا ترى حصر الإمامة في سلالة الإمام الحسين بن علي، ولا تشارك غيرها من الفرق الشيعية في ذمِّ الخلفاء ، أو القدح في الصحابة، لهذا يذهب البعض إلى القول بأنهم من المتشيعة، وأنهم إما من الإسماعيلين أو الإثني عشرية، والأرجح من مذهب الزيدية لأن في رسائلهم مسح من الشيعية؛ ولكنهم في ذات الوقت يخرجون عن حدود كافة الفرق الإسلامية في الفكر والمعتقد، إذ لهم فكرهم الانتقائي، وهم يجمعون بين الكثير من المعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية، ويبتغي أصحابهم جمع حكمة كل الأمم والأديان. وتبرز هذه النظرة الانتقائية التوفيقية بشكل خاص في تحديد الإخوان لمزايا الإنسان الكامل، وقد وجدوه في العالم الخبير الفاضل، الذكي المستبصر، الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة كما في الرسالة” 22″. وعندما ذهبنا نبحث في تاريخ عبارة “إخوان الصفا”، وجدناها قديمة وردت على لسان الشاعر الجاهلي أوس بن حجر في قوله “وودع إخوان الصفا”، أما في مجال النثر فأول ما وردت في كتاب “كليلة ودمنة” لعبد الله بن المقفع في باب “الحمامة المطوقة” حينما قال الملك “دبشليم” للفيلسوف “بيدبا”: فأخبرني عن “إخوان الصفاء” كيف يبدأ تواصلهم، ويستمتع بعضهم ببعض!.
وصباحك يا غالي دكتورنا الألمعي … صدقني عندما أقرأ مقالاتك أقول ينبغي أن يكون مديرآ للأزهر وعندما أتبحر بمعاني كلماتك اقول أو مديرآ لمجمع اللغة العربية في دمشق وعندما تسحرني جملك فأقول ليت المنفلوطي او العقاد يقرأ لك ليتعلم منك… وأما افكارك فتعلم ماذا أتمنى أن تكون… ماشاء الله عنك دكتوري وصديقي الذي به أفتخر ومن علمه أنهل وبأسلوبه أتربى
حفظك الله ورعاك
ربما يكون ذلك؛ لأنك تنظر بعين المحب والأخ والصديق! وقديما قالوا:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة…