خصصت ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع “صالون المنتدى”جلسة نقاشية حول “التحولات السردية في الأدب الإماراتي” كتاب د. مريم الهاشمي بحضور بلال البدور رئيس مجلس الإدارة وعلي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة ود. صلاح القاسم المدير الإداري وجمال الخياط المدير المالي وعائشة سلطان وعلي الشريف عضوي مجلس الإدارة وجمال الشحي عضو مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد وخميس أحمد بن سويدان ومحمد القفيدي وغيث الحوسني ونخبة من الإعلاميين والمهتمين.
أدارت النقاش زينة الشامي أستاذة الأدب العربي مؤكدة أهمية الكتاب لما للأدب من ارتباط وثيق بالواقع المتغير، دائم التحولات يموج بحركة ما، وأشارت إلى أن دولة الإمارات شهدت تغيرات كبرى وعديدة خلال العصر الحديث، ما انعكس على الأدب وجعله يشهد تحولات قد تستجيب بشكل أو بآخر للتحولات الموضوعية التي تحدث خارجه على المستوى الشخصي للكاتب، والتي يعكسها في كتاباته أو تحولات مجتمعية.
و ذهبت إلى أن الأدب الإماراتي لفت انتباه كثير من الكتاب، وحاولوا رصد الأدب الإماراتي وما شهده من تحولات واتجاهاته منذ الرواية الأولى “شاهندة” التي صدرت عام 1971 لراشد عبد الله، حتى صدور كتاب “التحولات السردية في الأدب الإماراتي” للدكتورة مريم الهاشمي التي ترصد كل ما يهم الأدب الإماراتي، وتجليات الرواية والسرد الإماراتي.
وتساءلت زينة الشامي: لماذا يلجأ الكاتب الإماراتي إلى التاريخ؟ هل هو هروب من الواقع، أم لأنه يتشبث بهويته من خلال كتابة الرواية التاريخية أم مسايرة للموضة في الكتابة التاريخية؟
وتحدثت د.مريم الهاشمي أستاذة الأدب العربي في كليات التقنية قرأت أن الكتاب يتناول أهم التقنيات والبنى السردية الخاصة بالرواية الإماراتية، وأشارت إلى أن إصداراتها السابقة كانت تتحدث عن الشعر القديم أو الحديث أو الإماراتي، وجاء هذا الكتاب من المسؤولية البحثية على عاتق الناقد الإماراتي الذي عليه تناول كل الأجناس الأدبية في الساحة الثقافية في الإمارات، وباعتبار الرواية الأدبية جنس أدبي حاضر وله شريحة واسعة من القراء جاء الكتاب لسد ثغرة في البحث حول الرواية أو السرد الإماراتي.
وذكرت د. مريم الهاشمي أن الكتاب يتناول التحولات الإنسانية في مجتمع سريع التحول والتطور بسبب التنوع الديموغرافي والثقافي، وباعتبار أن مصطلح السرد يعني الحكي أو تزويق أو المهارة البشرية في الحكي، وباعتبار أن الرواية حكي، فمن هناك جاء مصطلح السرد، والذي جاء من رحم البنيوية أو الشكلانيين الروس الذين يتناولون العلاقة الداخلية بين البنى السردية، وأكدت أن دراستها جاءت بالجديد عن سابقتها، وقد سبق اًن قُدم تأريخ الرواية الإماراتية منذ السبعينات، وأول ظهور للرواية الإماراتية “شاهندة” لراشد عبدالله وكذلك وكتابات محمد غباش وسارة الجروان، ثم الحقبة الأخرى كريم معتوق وعلي أبو الريش، حتى الرواية الجديدة (التجريب) وتحول الموضوعات فيها، ومنها رواية “الديزل” لثاني السويدي، و التي تعتبر نقطة تحول في الرواية الإماراتية عن ما قبلها.
وأضافت د. مريم الهاشمي أن الرواية الإماراتية تحولت وتحولت البنى السردية والموضوعات الموجودة فيها، وقد تطرق الكتاب لاتجاهين في العملية البحثية، الاتجاه الأول في تناول الموضوعات في الرواية الإماراتية، والاتجاه الثاني كيفية تغير البنى او التقنيات السردية في الرواية الإماراتية، وأشارت إلى أن أكثر الاتجاه التي يتم تناولها من الكتاب هي الاتجاه التاريخي والاتجاه الواقعي والاتجاه العجائبي كنوع من التحول السردي في الرواية الإماراتية، والقاعدة الأساسية بين هذه الاتجاهات الثلاثة هي وجود الاتجاه الاجتماعي الذي يعتبر الأساس في كثير من الأعمال السردية في الأدب الإماراتي. ويعتبر الاتجاه التاريخي حاضر بشكل جدي ومنها كتابات ريم الكمالي ونادية النجار وغيرهم من كتّاب، وعلقت على الرواية التاريخية بأنه ليس هناك حرج إذا كان هناك عمل سردي جاد مكتمل العناصر، والتاريخ خلفية للحاضر، وهناك كتابات كثيرة تتكئ على التاريخ في الأعمال السردية ومنها رواية رياح من طشقند لمنى التميمي والتي عمدت إلى تقديم معرفة تأريخية للقارئ لشحذ إدراكاته المعرفية من أجل الوقوف على ما وراء هذا التاريخ، والكتابة التاريخية تختلف من كاتب إلى أخر، فمنهم من يحاول تقديم قيمة معرفية أو للاستفادة من التاريخ بمختلف حقبه والتي قد يكون فيها إسقاط على الواقع في كثير من الأحيان، وفي الرواية الإماراتية الكتابة التاريخية طرح لتقنية سردية جميلة، وهناك روايات تجمع أكثر من أزمنة في عمل روائي واحد لمد النفس السردي، أو إسقاط بين الشخصيات في مختلف الحقب كما فعلت الكاتبة صالحة عبيد في رواياتها “دائرة التوابل”.
وأكدت د. مريم الهاشمي حضور التناص كتحول في السردية الإماراتية الجديدة وهذا التناص لم يقتصر على الاقتباس بل تجاوزه إلى اقتباس ثقافي وأدبي وتاريخي، وهذا ما يتضح جليًا في كثير من الأعمال الروائية التي أثبتت جدارتها في توظيف التقنيات السردية، واسترسلت الهاشمي قائلة إن فعل الكتابة فعل سلوكي أحياناً يتستر الكاتب خلف شخصياته الروائية، وأن الرواية عملية قرائية في الأساس، ورأت أن الروائي الإماراتي والخليجي يبذلان جهدًا كتابيًا مضاعفًا عن غيرهما لأن الروائي الإماراتي وكذلك الخليجي هو المدقق والمراجع والمسوق لعمل وعليه طرق أبواب وقراءات أخرى فيقع على عاتقه الكثير لتكوين مشروعه الأدبي الذي يتشكل على نار هادئة، مشيرة إلى أن لغة الكتابة والفترة الزمنية للكتاب تختلف من كاتب لآخر، وفي رواية “في فمي لؤلؤة” للكاتبة ميسون القاسمي نجد أن للكاتبة جهدًا بحثيًا مضنيًا في التنقيب والبحث، كذلك الكاتبة ريم الكمالي في روايتها “يوميات روز” التي تتميز بهذا الجهد البحثي والتأريخ الصحيح ذو المرجعية التاريخية.
ورأت د. مريم الهاشمي أن الرواية العجائبية في دولة الإمارات مستحدثة ومنها رواية ربيع الغابة لجمال مطر، وكذلك “ليلة مجنونة” لمحمد بن جرش السويدي، وهناك تقاطع للغرائبية مع الرمزية لانتقالها من الواقع إلى اللا واقع، والتاريخ الأدبي العربي كان مهتماً بالشعر، إلا أن البدايات مجهولة فلا يعلم أول من تحدث بالعربية، وأول من قام بنظم الشعر أو كتب السرد أو حكى حكاية، وقد طاف الساردون وذكروا أن الملاحم تعتبر بدايات السرد حتى وصل السرد إلى العرب، وكانت غالبية الدراسات تتطرق للشعر ولم يتم الالتفات للكتابة الإبداعية أو السردية، ورأت أن الرواية الإماراتية الجديدة تميزت بالتجريب فلم تعد رواية تقدم رؤية مباشرة للعالم بل رؤية فنية تنشد المواربة بعيداً عن التقريرية. وأكدت أن الكاتب العماني يرتبط بالمكان لذلك تميزت الأعمال الروائية العمانية بشكل كبير.
وختمت د. مريم لبهاشمي بقولها إن كل كاتب إماراتي له لغته وسرديته التي تميزه، ولذلك لابد أن يتمتع الناقد بنوع من الموضوعية لذلك لم تلجأ كناقدة إلى نقد اللغة أو المكان أو أي تقنيات سردية لدى بعض الكتاب لرؤيتها أن العمل الأدبي يحتاج إلى مراحل للنضوج والإمساك بزمام اللغة والتقنية السردية.
وفتحت مديرة الجلسة باب الحوار ، ومما دار فيه: تساءل علي عبيد الهاملي عن النقد الأدبي، مؤكداً غياب النقد الأدبي عن الساحة الإماراتية في الفترات السابقة، فإلى أي مدى استفادت الساحة الأدبية والكتاب من النقد الأدبي وتطور فن السرد؟ وهل يتأثر الكاتب بالنقد أو يؤثر فيه أدبياً؟
وأشارت د. مريم الهاشمي إلى “نادي النقد” تحت مظلة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، الذي يهتم بالنقد والقراءة النقدية، وقالت إن هناك كتّابًا يستشيرون ويأخذون بالرأي، فالنقد حاضر في الأوساط الثقافية، وخاصة النقد بأقلام إماراتية وقد تحقق هذا الإنجاز خلال السنوات الأربع الماضية، وأصبحت هناك أسماء إماراتية لها حضورها في النقد الأدبي، إلا أن الدراسات الإنسانية ومنها النقد تحتاج إلى مزيد من الاهتمام الأكاديمي والتعليمي وحاجة إلى مدرسي فلسفة ليعلموا طريقة النظر إلى الحياة فقراءة العمل الأدبي بحاجة إلى أكثر من نافذة لأنه نمط فكري يؤثر في المبدع كما يؤثر في الناقد، والكاتب الجيد إذا أراد تطوير عمله القراءة في مختلف صنوف المعرفة وأن يكون صاحب مشروع قرائي.
ولاحظت عائشة سلطان أن السرد أدبياً هو الرواية والقصة، ومعروف أن المشروع السردي الإماراتي خرج من معطف القصة القصيرة وليس الرواية، وخاصة في حقبة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي والتي شهدت مداً في أعداد القاصة، إلا أن الكتاب حصر السرد في الرواية فتساءلت : هل ذلك لأن مشروع القصة هو المشروع القادم في مشروعك النقدي، أم لأن الرواية هي الأهم؟
وأضافت عائشة سلطان متسائلة: أين اللغة في النقد؟ هناك أعمال تكتب باللهجة المحلية ولا يستطيع أي قارئ فهم تلك اللغة فهناك تعددية في اللهجات هناك دارجة محلية عربية وبربرية وطوارق وأمازيغ في المغرب العربي كذلك في كثير من البلدان العربية، كيف يفهم القارئ تعدد اللهجات؟
ورأت مريم الهاشمي أن الباحث حين يكتب عليه أن يأتي بالجديد، لذلك لم تتطرق لتأريخ الرواية الإماراتية، وقد تم تأريخ القصة القصيرة من قبل إحدى الأكاديميات، أشارت أن اللغة هي مادة الأدب وأن استخدام اللهجات في الأعمال السردية أحياناً يتطلب نسبة محددة من اللهجات خاصة في الاتجاه الواقعي للكتابة، ولكن الاتجاه التاريخي أو الغرائبي لا يتطلب حضور لهجة أو لغة محلية متباينة.
وفي الختام كرّم علي عبيد الهاملي ترافقه عائشة سلطان كلًا من د. مريم الهاشمي وزينة الشامي والتقطا معهما صورة تذكارية.