د. أحمد الزبيدي
للعيد معنى جميلٌ في كل الأحوال، وفي كل الأجيال، غير أن معناه ومبناه في حال الطفولة والغرارة شيء آخرن فالأطفال يشمون فيه عبق الزهور، ويرقصون فيه رقصة السرور، ويمتلئون منه بالبهجة والحبور، وهذا في التجربة والعادة معروف ومألوف، ركبت عليه الطبيعة في كل الظروف. هناك في دغل هذا الدوح كم أنست … فيه الطفولة مغنى من مغانينا!
مع ما يشعر به أطفال غزة اليوم؛ من تجرع لكؤوس الصاب والعلقم، وما تنوء به كواهلهم من جبال الغم والهم، إلا أن العيد في مخيلتهم “عيدية” ، “وثوب جديد،” ونظرتهم إليه هي هي حيث لا جديد. تِلكَ الطُّفولةُ مَا عَرَفْتُ بها إِلا الدُّموعَ وَأَكْؤُسَ الصَّبرِ، فالعيد عندما يُقبلُ، يقبل عندهم بصورة خاصة، وعندما ينتهي؛ ينتهي بصورة خاصة، ولو أنك كلفت طفلًا أن يصف لك العيد، لقال لك بصوته الغريد: أقبلَ العيدُ بفَرْضِهِ ونفْلِهِ، وأجْلَبَ علينا بخَيْلِهِ ورَجْلِهِ، فاتَّبعَ الناسُ السُنّةَ في لُبسِ الجَديدِ، وبرَزوا جميعًا للمصافحة والتعييد، والأضحى تملأ ضحكاتهُ جنبات الوجود، وتتجاوز نغماته الحدود والسدود ، فلا تسمع في الأرض إلا تحية : تقبَّل الله، والحمد لله عددًا غير معدود، والناس منتشرون بالقيام والقعود!
الكل يلبس أثوابا جديدة؛ ويدعون بأعوام مديدة، وينطقون بأصوات غرّيدة، ليشعروا أنفسهم قبل غيرهم بجدة هذا اليوم وإخوانه من الأيام السعيدة.
هو يوم الزينة، واجتماع المدينة، ويوم الطعام والشراب ويوم لقاء الأحباب، ويوم الرجوع والإياب. يومٌ لا تسمع فيه إلا التهنآت، ولا تصغي فيه إلا للتبريكات، ولا يدعى فيه إلا بالدعوات..الصالحات، وإذا أردت أن ترى العيدْ، بلا نقص ولا مزيدْ، فانظر الأطفال من بعيد، وارقبهم كيف يلعبون، وشاهدهم كيف يركضون، وارمقهم كيف يضحكون، وينظرون..حينئذٍ ترى السعادة بمعانيها، والبراءة بمبانيها، فيها يرفلون.
وجوهٌ بريئة ، وعيونٌ حالمة جريئة، لا تعرف من الحياة إلا صفوها، ومن البراءة إلا لهوها. وللأجداد وقفات أدبية مع العيد.
زر الذهاب إلى الأعلى
كل عام وأنت بخير دكتور أحمد والمجلة الكريمة
كل عام وأنت والقراء الكرام جميعاً ومجلتنا الحبيبة بألف خير.