أخبار

“بيت الشعر” في الشارقة.. إكليل قصائد هدية للإبداع

المشاركون: د. عبد المجيد فلاح و أحمد الأخرس وأحلام بناوي و أحمد العمار

محمد عبد الله البريكي يتوسط الشعراء ومقدمهم بعد تكريمهم من اليمين أحمد العمار و أحمد الأخرس و أحلام بناوي و د. عبد المجيد فلاح

 

                                     

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

كان الشاعران د. عبد المجيد فلاح وأحمد الأخرس، والشاعرة أحلام بناوي نجوم أمسية نظمها “بيت الشعر” في الشارقة بحضور مديره محمد عبد الله البريكي الثلاثاء 16 يوليو 2024.  وقدم لها وأدارها الإعلامي أحمد العمار الذي أشاد بجهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لجعله من إمارة الشارقة وجهة الأدباء، وبوصلة الشعراء، وأثنى على متابعة دائرة الثقافة في الشارقة و على جهود “بيت الشعر”، و مما جاء في تقديمه: “هي الإمارة التي نهلت وتنهل من وهج وفكر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتحتضن المثقفين المبدعين والشعراء المتألقين”.

في بداية الأمسية أنشد الشاعر السوري د. عبد المجيد فلاح مجموعة من قصائده المفعمة بعمق المعاني وقوة السبك. يتساءل في قصيدته “السباحة على صفحة الليل”: ما قيمةُ الوردِ إنْ منْ عطره انعتقا؟ ويقول راسمًا بكلماته وأسلوبه انتماءه لوطنه :

 نذران صِمْتُهما نَــــــفْلاً فما طَفِــــقا

يَسْتمطِــرانِ عليَّ اللَّيلَ والأرقـــا

وما ظننتُ بأنَّ العشــقَ قافيتي

 فاسألْ لهُ الجَفْنَ لا بلْ فاسألِ الغَسَقا

هُزّي إليكِ حِبالَ الصّبحِ وانتظـري

جدائلَ الوجدِ فوقَ الدربِ قَد عُتِقا

يا عيدُ لا تعجلَـــنْ، قد مسّني وَلَهٌ

 مُذ دمعتي سُكِبت، فالغيمتانِ رُقى

وانفُث بكفّك خَدَّ الشمسِ شَعْوَذَةً

واقرأ عليَّ “بربِّ الناسِ” والفَلـــــقا

خمائلَ الشوقِ فيها مُقلتاي سَقَـتْ

ومرَّ فيها سرابُ البينِ فاحـــــترقا

عيناي تنضحُ روحي علَّـها شَرِقت

ستسقيانِ خريفَ القــلبِ فانفلقا

هنا ندى النورِ كم ضمَّتْ قوافـلُه

من العطورِ، إلى أنغامِهِ استبـــقا

يُطَرِّزُ الفـــــــــجرُ آياتي مُعَتَّـــقَةً

من الضياءِ بدرب الوصلِ إنْ صَدَقا

وزنَّرَ الصَّـــــــمتُ أبيـــــاتي مُعلَّقةً

 على جدار المدى، إذْ موجَهُ اعتنقا

لا يُذهِبُ الشَّوقَ منّي ضمَّةٌ ولقا

 ما قيمةُ الوردِ إنْ منْ عطره انعتقا؟

وظل دمعي على فنجان قارئتي

 كأن نهري على شطآنها انزلقا

آوي إلى لجة من عطر كوثرها

فينثني ذكرُها في خاطري عبقا

أين الشتاءُ وقد صامت نوافذُنا

عن اللقاء إذا ما ذكرُهُم طرقا

كلُّ الأزاميل في جدراننا اعترفت

لن يكذب الصمت إن باب الصدى صدقا

لا وجه للوطنِ المنحوت من دمنا

 إلّا تزينه ضحكات من عشِقا

تاهت خُطانا إذا ما يوسفٌ ذُكرت

خُطاه نحو وجوه الباب فانغلقا

كلُّ العذارى عشقناهُنْ وواحدةٌ

ما صابها القلبُ إلّا في الهوى غَرِقا

تلكَ الشَّآمُ. وقطّوا بعدها قلمي

قد شيبت بعديَ الأَقْلامَ والمُؤقا

يا بُحَّةَ النَّايِ في شَامي سأسألُها:

الشَّامُ والبدءُ أيٌّ منهما سَبَقا؟

الياسمينُ أجابَ: الشَّامُ مَبدؤنا

دِمشقُ كانتْ وكانَ البِدءُ ما خُلِقا

وفي قصيدته”غِواياتٌ على شِفاهِ الياسمين” :

يثورُ الليــــــلُ موجاً كالأنينِ

كروحي حينَ تغرقُ في الحنينِ

أُقسّمُ نصفَه ذكرى، ونصفٌ

يعاتبني: أما تدري شجوني؟

يشيبُ اللّيلُ من بحرِ المنايا

 ليغرقَ فيه عِطرُ الياسمينِ

سأُسبل دمعةً غرقى بحزني

وأمسحُ فيهما نهرَ الجبين

إذا ما شِيم برقٌ من شآمي

تورَّد من دمي دمعُ العيون

أقولُ لهم: ذروني في رباها

أشمَّ ترابَ قبلتها ذروني

تراودني على خجلٍ سعادٌ

حلفتُ اللهَ لم أحنث يميني

وقلتُ مخافةَ الواشين : عنّي

 فغيرُ الشامِ لم أعرف، يقيني

تراءى طيفُ شامي من بعيدٍ

 فناديتُ المنايا: (زمّلوني)

وصاعي حفنةٌ من رملِ شوقي

يسطّرُهُ الغروبُ على المتون

فيكملُ سفرَها بدمِ الأقاحي

وتختلطُ الأماني بالمنونِ

إذا ما كان للأوطانِ دينٌ

 فحبُّ الشامِ كعبتُها وديني

وأسمعُها ترتّلني نشيدا

فكوني جِلَّقا أولا تكوني

ستنزفُ ليلتي كلَّ النجاوى

ويغفو فوق صورتها جنوني

يقيناً كنتُ أبصرُها بكفّي

فأكتمها وتفضحني ظنوني

إذا ما ابيضَّ دمعي من نواها

فألقوها قميصاً في عيوني

ويقلد الشاعر الأمسية قصيدته “طوق الياسمين” وفيها يقول:

ماذا أقولُ لدمعٍ مَلّهُ الحدقُ

من مِلحِ عينيكِ باتتْ تشتكي المُؤَقُ

أكُلّما أقّتت للريحِ موعدَها

تجاهلتني وضلّت موعدي الطرقُ

قُلْ للمآذن كم صامت لأُغنيةٍ

ميعادُها المرجُ، حيثُ النورُ يأتلقُ

أستمطرُ الشامَ إذ روحي مُعلّقةٌ

أرضَ النبوءاتِ، منها يُرتجى الودقُ

ما أحرمت عبثاً من قُبلةٍ شفتي

فثغرُها (الرُكنُ) منه الشِّعرُ يحترقُ

لا رقية في يدي منها أُحصّنُها

(طه) عليها، و(ربُّ الناسِ) و(الفلقُ)

مُذ صرختين وشمسي تكتوي بفمي

مقروحةَ الجفن، إذ من جفنها الشَّفقُ

لا تقلقي (ياسمينُ) الشامُ موعدُنا

 نطوّقُ الغيمَ إن لم يشتهِ العُنُقُ

الليلُ يَهمِسُ، والأقداحُ من ألمي

كادت يذوبُ على أطرافها الأُفُقُ

هذا الفراتُ تمنّى أن يعانقَها

نخلُ العراقِ تلوّى إذ به نَزَقُ

وأسبلَتْ دمعتي حُزناً يُشيعها

خلفَ الرَّمادِ كَإنْ من طيفه شَرِقوا

ها قد لبستُ من الآلامِ أشرعةً

كادتْ على صوتِها الشطآنُ تنزلقُ

إن مسَّكم ولهٌ من شرِّ غربتها

بِذِكرِ (جِلَّقَ) كلُّ الغائبينَ رُقوا

وتلوح في أجواء الشاعر قصيدة غزلية يحاطب فيها محبوبته:

 عَيْناكِ بَحْرانِ …الحديثُ شَرَابُ

  فمتى تؤوبُ لِغيّها الأَعنابُ؟

قالتْ: وتستعرُ الحروفُ؟ فقلت: بل

كلُّ الحروفِ على لسانِكِ آبُ

هاروتُ ينفثُ في حديثِكِ سِحْرَه

كي ترتوي بحديثِكِ الأكوابُ

لا ترفعي المعنى، حروفي غيمةٌ

سَجَدَتْ، وصدرُ جُنوِنِكِ المحرابُ

شالٌ، ومنديلٌ، وجمرةُ لحظةٍ

تكفي ليبردَ كالوصالِ عِتابُ

بيني وعينيها مسافةُ همسةٍ

فتقطّعي ما شئتِ يا أسبابُ

وأنا ابنُ مريمها سيُبصرُ غربتي

وجعُ الصليبِ وقد شكا الحطّابُ

وبحُمرةِ المعنى سأقرعُ كأسَها

وبِخمرةِ المعنى على فمي تنساب

وأسَرَّتِ الشمسُ الحديثَ بـ (هئتُ لكْ)

 فمتى تقدُّ قميصَها الأبوابُ

كلُّ الذي قد قُلْتُهُ والسامريُّ

وقبضةٌ من إثرِها وكتابُ

هُزّي إليكِ بجذعِ ذاكرتي التي

نَسيَتْ تُجَفِّفُ في الهوى مَنْ ذابوا

ما زلتُ أبحِرُ في عيونِ شرودِها

 حتّى يُظُنَّ بأنَّهُنَّ كتابُ

ولقد هممت بأن تتوبَ قصيدتي

عن غيّها أنْ سودُ اللياليَ شابوا

وأظلُّ يَنزِفني الحديثُ بـِ كيفَ؟ لا

ليذوبَ في نصفِ السؤالِ جوابُ

 وتنشد الشاعرة السورية أحلام بناوي قصائد تفيض رقة و تشد الحضور بشفافيتها على تنوعها ومنها قصيدتها “كف النداءات”التي تقول فيها :

لا أكتب الشعر، بل أتلو ضياعاتي
لم نترك الأمسَ حتّى نبلغَ الآتي
أبكي وأضحك أو ما بينها ولَهاً
إن الحقيقة مأساتي وملهاتي
قميص شِعْريَ ما أسطيعُ أرتقه
وأعجنُ (الميجَنا) من قمحِ آهاتي
مِن عُروة الحُزنِ فَرَّ القلبُ مبتسماً
حُرَّ السقوطِ على كفّ النداءاتِ

و نعلن الشاعرة وهي تتلو ضياعاتها :  “إني سَئِمتُ مِن التَّرحالِ عن ذاتي”

للحُسنِ فِطنةُ صَيّادٍ وبي حَجَلٌ

تَمرَّسَ القفزَ من فوق المتاهاتِ

قالوا لي اقرأ، وإنّي لستُ جاهلةً

لَحَنْتُ رغمَ يقيني بالقراءاتِ

جَوَادُ حُبِّكَ لمَّا عادَ مُنفرِداً

أدركتُ موتَكَ، ما نفعُ العِباراتِ؟!

يمامةٌ حِرُتُ، ثأري كيف أطلبُهُ

وطالبُ الثأرِ مطلوبٌ لثاراتِ

أمشي بِنِصفين خصري ليس بينهما

منذ استدارت ذراعٌ في انحناءاتي

أنثى الغيابِ صدى (ليليثَ) يَسكُنها

تُوَزّعُ النّاسَ عَدلاً في الغياباتِ

تلقى الأحبَّةَ مَغْشيّينَ عن غَدِهم

يسعونَ للهجرِ كالسَّاعينَ للَّاتِ

أمضي وأدرِكُ أنّ الأرضَ دائرةٌ

إني سَئِمتُ مِن التَّرحالِ عن ذاتي

وتعزف الشاعرة على “خَصرُ الكَمَنجة” متكئة على التراث ومعبرة عن وعيها حتمية الوحدة العربية ولو وجدانيًا :

صُنْ ماءَ وجهِكَ إنَّ الماءَ ينسكِبُ

قد تَجفُلُ الخيل إلا أننا عربُ

صُنْ وجهَ قلبِكَ عما يعتريه ضحى

إن القلوبَ كما الأيام تنقَلِبُ

خَصرُ الكمنجة لم تنْحَتْه كفُّ يدٍ

بل دمع زرياب يحنو تحته الخشبُ

لا يخدَعَنَّكَ أنْ للتّبْرِ مِن مِيَزٍ

إذا يذوبُ،  فقد يُسْتَنْزَفُ الذّهَبُ

من أنقصَ العمرَ من أطرافه بدداً

حتى تمخّضَ نايٌ عنكَ يا قصبُ

مَن علّم الريحَ تمشي في مواجعنا ؟

لولا العذاباتُ لم يستأنس الطّربُ

يا نيلَ مِصْرَ كأنّي مِنْكَ في بَردى

أستَعذِرُ الماءَ عمّا أحدثَ اللّجَبُ

أمشي على النِّيلِ كلُّ النّاسِ أعرِفُها

قُلْ كيفَ بالحَربِ يَجري بينَنا نَسَبُ ؟!

لا دَرْبَ يُفْضِي إلى روما أبا عُمَرٍ

حتّى دروبُ الهوى ضَنَّتْ بها حَلبُ

لم يرحلوا ترَفاً، أو دونما سببٍ

مِنْ كلِّ جُرحٍ لهم في بُعدِهم سببُ

فالعذر منك أبا تمامِ، معذرة

لم يصدق السيف والإنباء والكتبُ

وينقل الشاعر أحمد الأخرس (الأردن) المتلقي في الأمسية إلى أجوائه لمعايشة أحاسيسه ورؤاه. يقول في قصيدته “ديجافو”:

مرَّ الهوينى وانسلَّ طيفَ رشا 

لم أدرِ كيف اختفى وأين مشى

ولم أصد من هروبِهِ أثراً

 سوى انَّ قلبي من ضوئِهِ انخدشا

أعدتُ رسمَ الخيالِ في خَلَدي

 وزِدتُ فيهِ الشفاهَ والنَّمَشا

كأنَّهُ في زجاجِ ذاكرتي

 همى فأهدى غِيابُهُ الغَبَشا

يشدُّني الديجافو إليه كما

 يشدُّ بي النايُ بعضَ ما ارتَعشا

خيطٌ رفيعٌ إليهِ يسحبني

 ظلاً ترنَّحتُ أو فتاتَ حشا

وَشَمتُهُ في جدارِ جمجمتي

 وكلما شاهَ والوشمُ وانكمشا

حفرتُ في العظمِ ما فقدت من الــ

حبر الخفيفِ فضاعَ ما نُقِشا

أحبُّهُ لا أحبُّ صورتَهُ

 لا لحظةَ الفقدِ..لا الفمَ العَطِشا

وربما لم أشأ محبَّتَهُ

 لكنني قد أحبُّ إن هو شا

ويعرج الشاعر على سؤال الوجود ورؤيته الفلسفية في الحياة في قصيدته”عروجٌ إلى السؤال الأول”:

أَرهِفوا السَّمعَ ثمَّ صوتٌ تجلّى

 ثمَّ ليلٌ .. وثمَّ نجمٌ تلألا

ثمَّ زيتونةٌ على الطّورِ ضاءت

 لا لِزَيتٍ بها ولا هي حُبلى

تلكَ ناري التي رأيتُ قديماً

 مذ تَخَيَّرتُ لُثغَةَ الجَمرِ حَلّا

امكثوا ها هنا لِآنَسَ منها

 أو أنادى لها وأخلعَ نَعلا

أمسحُ الطّينَ من تجاعيدِ كفّي

 وأربّي في عَتمةِ البيدِ نَخلا

كلُّ ما قد تركتُ خلفيَ وجهٌ

 ألِفَتهُ المرآةُ لوناً وشكلا

صاعداً من رمادِ روحي كَطَيرٍ

 لم يَطِر تاركاً على الأرضِ ظِلّا

لم أَعُد مِن تيهِ أَهلي كَليماً

 بيدَ أنّي رُميتُ في اليَمِّ طِفلا

ليس لي إخوةٌ يشدونَ أزري

 قلتُ وحدي للموتِ: أهلا وسهلا

أسرعُ الركضَ في الصعودِ وأكبو

 فتردُّ العُكّازُ: “يا شيخُ مهلا!

لستَ (سيزيفَ)! من تُلاحق؟ وهماً؟ 

حاملاً صخرةً العذابَينِ رَحْلا؟!

قوَّسَت ظهركَ الحياةُ كقَوسٍ

 كَسَّرتهُ النِّبالُ نَبلاً.. فَنَبلا

أصعدُ الطّورَ صار خطوِيَ حبواً

 إذ رمتني العُكّازُ للدربِ خجلى

لاهثٌ في الغبارِ واللّيلِ قلبي

 فسؤالُ الوجودِ قد باتَ سُلّا

فزع الجِنُّ من سعالي ففرّوا

 واستقرَّ الغبارُ في الأرضِ رَملا

كم قريبٌ أنا .. دنوتُ .. تدلّى

 وتدلّى … حتى بِريقيَ حَلّا

قابَ روحي التي رهَنتُ لموتي

 قابَ دمعي الذي تَوَقَّدَ بَذلا

ها هو النورُ من أماميَ يخبو

 كسرابٍ في قُربِهِ ارتدَّ ضَحلا

واقفاً في قمةِ اليأسِ وحدي

 صارخاً “من أنا؟” أنا لستُ إلا…

لستُ إلا الذي تغربلَ منّي

 في طريقي إليَّ.. لا من تخلّى

كانت الأمسية إكليل قصائد من العاطفة وحب الوطن والتأمل، وختامها كان بالتكريم ، حيث عمد الشاعر محمد عبد الله البريكي إلى تكريم الشعراء المشاركين ومقدمهم والتقط معهم صورة تذكارية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى