رغد حموليلا
لقد كانت ليالي طوالًا من الأرق والآلام المتداخلة ، فالأفكار كانت متزاحمة والتفكير كان زائدًا عن الحد ومتأرجحاً بين الذكريات والحاضر ثم الى المستقبل القريب والبعيد في رحلة طويلة مبعثرة ، وربما تائهة في عقل شابة جميله جذابة اسمها “سنا” المتوقدة فكرًا وعقلًا يسبقان سنين عمرها كثيراً ، لكنها تعاني أوجاعاً خاصة .. تستهلك من راحتها ووقتها الكثير بالرغم من انشغالاتها واستغلال أغلب أوقاتها بما لا يترك لها مجالاً للفراغ، وبما يلحق به من أذى وأضرار لمن يتوه في بحره ، إلا ان الصداع وكثرة التفكيرلازَماها ..لم تكن لتهدأ إلا بعد تناول الدواء.
ها قد أشرقت شمس الصباح ليعلن ميلاد يوم جديد استقبلته “سنا” بحجز موعد لزيارة الطبيب في أحد المراكز الطبية، لعلها تجد في تلك الزيارة علاجاً لأرقها الذي قد يصيب الكثير من الناس إلا انهم لا يتقنون فن لغة التعبير عن وصف هذا الأرق ، أو يغلفون حقيقته بكلمات وأوصاف لا تمتُّ إليه بصلة.
والآن .. لقد حان وقت زيارة الطبيب ليبدأ بطرح أسئلته بلهجته العراقية المدموجة باللغة الإنجليزية والمفردات الطبية. استمعت “سنا” للأسئلة ربما بتشتت وبدأت تجيب من دون وضوح، والطبيب يكرر سؤاله ليتسنى له الحصول على إجابة واضحة يستطيع من خلالها تشخيص حالة “سنا” حتى انتهى وقت الزيارة، وأخذت المريضة الشابة أدويتها بعد طول انتظار بابتسامة من حصل على كنزه الثمين، وغادرت المركز الطبي عائدة إلى بيتها، فاستقبلتها امها بحضنها الدافئ وكلماتها الجميلة وتساءلت بلهفة الأم الحنون: حبيبتي لماذا الأدوية ولماذا لم تخبرينا لنرافقك؟ دمعت عيون “سنا” ببريق حزين لكنه مشرق وقالت : أمي لم أشأ أن أقلقكما أنتِ وأبي، فأنا أحاول جاهدة أن أعتمد على نفسي، وأواجه مشاكلي الخاصة بعملي وحياتي الاجتماعية وحدي حرصاً مني على راحتكما.
اتجهت “سنا” بعد ذلك إلى غرفتها وفي عقلها تحلق التساؤلات حول ما مضى من يومها وقالت : قد تبدو أسئلة الأطباء بسيطة وسهلة بالنسبة إليهم، إلا أنها تستوجب من المريض الفهم والإدراك وإبلاغ طبيبه عن أعراض مرضه بدقة وبأجوبة محددة، فكم من المرضى البسطاء على اختلاف جنسياتهم ومعتقداتهم يعانون! وكم من المرضى المتكبرين والمتعالين حدّ الغرور مع عدم تقبل حقيقة مرضهم، وما آكثر الجهل في مجتمعاتنا والمعلومات الخاطئة المتداولة بين الناس والمجهولة المصادر والمضافة إليها ثقافة الصديقات والأمهات والجدات والخالات، ثم ما أبعد الهوّة بين أسئلة الأطباء وإجابات المرضى على اختلاف أعمارهم، إضافة إلى ذلك غياب الأسلوب السهل والواضح، الذي ربما يفتقده بعض الأطباء في التعامل مع بعض مرضاهم الذين يفتقدون هم أيضآ الإجابات الواضحة والمحددة التي ينتج عنها من بعد الأخذ بالأسباب، الوصول إلى التشخيص الصحيح ونجاح مهمة العلاج على يد الطبيب ثم شفاء المريض بإذن الله.
زر الذهاب إلى الأعلى