د. أحمد الزبيدي
*يزخر القرآن العزيز، من أوله إلى آخره؛ ببديع اللطائف القرآنية، ورفيع المعاني البيانية، وأنوار الحقائق الربانية.
فأينما يَمَّمْتَ وجهكَ، وحيثما أرسلت طرفَك، وكيفما أعملت فكرَك؛ في سور القرآن ، وآيات الفرقان، رأيتَ ذلك التناسق البديع، وألفيت ذلك التناسب الرفيع، ووجدت ذلك الإعجاز المنيع، بأحسن نطق، وأفصحه، وأبينه، وأعجبه، فلله دره ؛ ما أحلى نظمه وأبعد غوره ، وأنقى درّه، وأعلى قدره، وأعجب أمره!
إذا نطَقَ أصابَ، وإنِ استُمْطِرَ صابَ، وإذا سُئل أجاب !
في حلقات هذه السلسلة العلمية ؛ نستعين الله عز وجل على استنطاق صوابه، واستمطار صابه، والاسْتِظْلالِ بظلاله، و التنعم في رحابه، والاقتباس من شهابه، بتسليط الضوء على شيء من عجائبه، و استجلاءِ بعض غرائبه، مبتدئين بسورة الفاتحة، ومنتهين بسورة الناس، معتمدين في ذلك-بعد الله – على كتب التفسير بأنواعها، لا سيما “تفسير الطبري “، و “مفاتيح الغيب” للفخر الرازي، و”تفسير الكشاف” للإمام الزمخشري، ومعاجم اللغة، مثل “لسان العرب” لابن منظور، والقاموس، للفيروز أبادي، و”شمس العلوم” لنشوان الحميري، وكتب المفردات، مثل كتاب “ألفاظ القرآن للراغب” وكتب الأدب، وكتب البلاغة، وكتب توجيه متشابه اللفظ من آي التنزيل، لا سيما كتاب “أسرار التكرار في القرآن” المسمى؛ “البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان”، و“دُرة التنزيل وغُرة التأويل”، للخطيب الإسكافي و”ملاك التأويل” للغرناطي، و”الدر المصون” للسمين الحلبي، كذلك دواوين الشعر، وكتب الأدب، و الرسائل والخطب ، وغير ذلك من الكتب ذات الصلة والعلاقة القريبة والبعيدة.*
“البقرة” (غ)
تأويل قوله تعالى: {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} [البقرة:144]
قال الإمام الطبري:” يعني: قد نرى يا محمد نحن تقلب وجهك في السماء. والتقلب: التحول والتصرف. و{في السماء} نحو السماء وقبلها. وإنما قيل له ذلك صلى الله عليه وسلم لأنه كان قبل تحويل قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة يرفع بصره إلى السماء ينتظر من الله جل ثناؤه أمره بالتحويل نحو الكعبة.
قال الماوردي: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلةً تَرضاها}، يعني الكعبة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضاها ويختارها ويسأل [ربه] أن يُحوَّل إليها.
فظاهِرُ هذا الخبرِ يدُلُّ على أنَّهُ لمّا قدِمَ المدينةَ صلَّى إلى بَيْتِ المقدِسِ، لا قبلَ ذلك، واللَّه أعلمُ.
قال ابن حجر في الفتح (1/ 97): (وكان التحويل في نصف شهر رجب في السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور). وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاس.
وقال ابن عبد البر :” وفيه أيضًا: دليلٌ على أنَّ في أحكام اللَّه عزَّ وجلَّ ناسِخًا ومَنسُوخًا، على حسَبِ ما ذكَرَ في كِتابِهِ، وعلى لسانِ رسُولِهِ”.
قال صاحب الأنموذج :” فإن قيل: كيف قال: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) . وهذا يدل علي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن راضياً بالتوجيه إلى بيت المقدس، مع أن التوجيه إليه كان بأمر الله تعالى وحكمه؟
قلنا: المراد بهذا الرضا رضا المحبة بالطبع لا رضا التسليم والإنقياد لأمر الله.
زر الذهاب إلى الأعلى