قال العلامة محمود محمد شاكر -رحمه الله- :” إن إنسانية الأنبياء وحدها هي الإنسانية التي أوجب الله على من حضرها من الناس أن يؤمن بها أولًا، ثم يحافظ على رواية سيرتها ثانيًا، ثم يحترس ويتدبر في ما ينقل عنها أو يصف منها، لأن نسبة شيء من الأشياء إليها قد يكون مما يتوهم أحدٌ منه وهمًا يخرج -فيما يُقبل من أمر الدنيا- بحقيقة الرسالة التي أرسلوا بها عن القانون الإلهي الَّذي عَمِلوا به ليحققوا كلمة الله التي تعلو أبدًا، وتُزْهِر دائمًا، وتبقى على امتداد الزمن روح الحياة البشرية وميزان أمر الناس في هذه الدنيا”. جمهرة (1 / 4).
يَظُنُّ كثير من الناس-وبعض الظن إثم-؛ أن العقيدة الإسلاميةَّ محصورةٌ في أركانها الستَّةِ الأَساسْ؛ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشر، ويخفى عليهم أن وراء ذلك أفكاراً ومفاهيم داخلة تحتها؛ يجب الإيمان بها، مثل :”عصمة الأنبياء”، علمًا بأن دليل العصمة عقلي؛ لا نقلي، فإذا كان ذلك كذلك، فإن إثبات النبوة معجزة محسوسة، وإن عصمة المبلِّغ من مستلزماتها ومقتضياتها ولا بد ، وقد اتفقَ العقلاء ُ على أَنَّ الرسل والْأَنْبِيَاءَ؛ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ إجْمَاعًا، وَفِي الصَّغَائِرِ أوزاعا، والأصح عقلًا وشرعًا أنهم معصومون عنها جميعًا؛ لأن الله سبحانه أخلصهم له، واصطفاهم برسالته، وجعلهم من المصطفين الأخيار، وصرف عنهم السوء والفحشاء وطاعة الأغيار .
قال تعالى :{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ} [ص: 47 -46 ] . قال مجاهد : «بذكر الآخرة، فليس لهم همٌّ غيرها».
قال الإمام الرازي:” فَمَا لا يلق بِوَاحِدٍ مِنْ وُعَّاظِ الْأُمَّةِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ”.
قال الطوفي الإشارات الإلهية(ص536) : “وقد اختلف الناس فمنهم من جوز على الأنبياء الكبائر وما أشبهها، ومنهم من منعها ، لأنه من أخبار القصاص وغبرات أهل الكتاب؛ أهل التحريف والتبديل، وهم لا يرون عصمة الأنبياء؛ فلا يتحاشون من نسبة مثل هذا وأعظم منه إليهم الخ.
عذرٌ منْ ينقل الإسرائيليات:
يقول العلامة القاسمي في مقدمة تفسيره “محاسن التأويل” وقد رأيتُ مَّمن يدَّعي الفضل الحط من كرامة الإِمام الثعلبي -قدَّس الله سرَّه العزيز-لروايته الإسرائيليات، وهذا وايم الحق من جحد مزايا ذوي الفضل ومعاداة العلم، على أنَّه قُدِّس سرُّه ناقل عن غيره، وراوٍ ما حكاه بالأسانيد إلى أئمة الأخبار. وما ذنب مسبوقٍ بقولٍ نقله باللفظ وعزاه لصاحبه؟ فمعاذًا بك اللهمَّ من هضيمة السلف… ثم قال: “والقصد أنَّ الصالحين كانوا يتقبَّلون الروايات على علاتها للملاحظة المارَّة، لصفاء سريرتهم، فلا ينبغي إلا تفنيد الموضوع منها، لا الحط من مقامهم وقرض أعراضهم، كيف وقد تلقَّى الصحابة ومَن بعدهم الإسرائيليات وحكَوها، بل بعضهم اقتنى أسفارها، وأدمن مطالعتها، لما استبان له من البشائر النبويَّة، وتحقق تحريفهم”.
لذلك فإن الإسرائيليات التي لا توافق العقل ولا النقل وتتنافى مع شرف الرسول والرسالة، وتتناقض مع “عصمة الأنبياء” علينا أن نردها ونفندها ونبين كذبها، ونظهر تناقضها مع العقل والنقل، وهو من الواجبات التي تقع على أهل العلم، كي لا ينخدع الناس، ولا سيما غير المتعلمين منهم.
وذكرت كتب التراجم أن القشيري -رحمه الله- ، ألف كتابَا في” تنزيه الأنبياء”، حيث قرر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم تقع منه ذنوب تُكفر عنه، قال ـ رحمه الله ـ: ” وأما قوله: {نَافِلَةً لَكَ} فإنها لا تكفر عنه ذنبَا كما تكفر عن غيره، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعل به ذلك من غير ذنب، فكل أعماله درجات له، غير مقابل بها ذنوب تكفر”.
علماء ألفوا في عصمة الأنبياء:
ولأهمية الموضوع وخطورته قديمًا وحديثًا رأينا العلماء النجباء يسارعون في التأليف فيه، وههنا طائفة من العلماء ممن وقع لي أسماءهم ممن ألف وصنف في هذا الموضوع.
1- عصمة الأنبياء” لمقاتل بن سليمان. المتوفى 150 هـ –
11- بغية الأصفياء في عصمة الأنبياء لبرهان الدين الجعبري المتوفى سنة 722 ه.
12- كتاب “عصمة الأنبياء” للشَّيخ أبي الحسين محمَّد بن يحيى البشاغريِّ. قال ابتدأ بتأليفه في ربيع الأول من سنة 838 ثمان وثلاثين وثمانمائة.
13- رسالة “تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء” للسيوطي المتوفى 911 هـ.
14- شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد، الخطيب العمري التمرتاشي الغزي الحنفي (ت ١٠٠٤ هـ) رسالة في عصمة الأنبياء “
15- عصمة الأنبياء للشيخ: أحمد بن الشيخ، مصلح الدين، الشهير: بالمركز. وابن السيف الكرمياني.
16- تنزيه المصطفى المختار عما لم يثبت من الأخبار والآثار – لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بالعجمي الشافعي الوفائي المصري المتوفى سنة 1086ه.
17- عصمة الأنبياء لأحمد بن محمد بن رمضان، أَبُو الفوز الحسيني المرزوقي بعد 1281 ه .
18- عصمة الأنبياء بين اليهودية والمسيحية والإسلام للدكتور محمود ماضي.
19- عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم تأليف محمد أبو النور الحديدي. وهو من المحدثين
20- عصمة الأنبياء بين المسلمين واهل الكتاب -رسالة ماجستير، للطالبَيْن : العبد اللطيف، أحمد بن عبد اللطيف عبدالله.
وفي هذه السلسلة من المقالات سنقصد إلى إلى معرفة حقيقة النبوة والأنبياء، وبيان ما يجب لهم من توقير وتنزيه ، وما يستحيل عليهم من نقص وتشويه، ثم الرد على ما جاء من ذلك ؛ لا سيما في كتب التفسير التي ابتعدت عن التحقيق والتحرير.
تحياتي واحترامي اسالك هل تنزيه وعصمة الانبياء جاءت قبل الرسالة والوحي ايضا ام انها في حياتهم كلها سؤال ارجو من دكتور احمد الزبيدي الاجابة عنه بالدليل من الكتاب والسنة وغيرها علما ان القران وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى . في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولا اعرف حسب فهمي القاصر بعد الوحي اي بعد الرسالة . ولا تواخذني لقصور علمي مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لعلمك وسعة اطلاعك ومعرفتك تحياتي .مهند الشريف
حياك الله وبياك أخي الحبيب، سؤالك يحتاج الى مقال خاص، ولكن أحاول قدر الامكان أن أختصر لك قول العلماء.
أجمعت الأمة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحفظ الله له ، فلم تعرف له فيها هفوة ، ولم تحص عليه فيها زلة ، بل إنه امتاز بسمو الخلق ، ورجاحة العقل ، وعظمة النفس ، وحسن الأحدوثة بين الناس
يقول القاضى عياض : ” واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشيطان وكفايته منه ، لا في جسمه بأنواع الأذى – كالجنون والإغماء – ، ولا على خاطره بالوساوس ” .
وروى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثني جار لخديجة أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقول لخديجة : ( أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى ، والله لا أعبد أبدا ).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يأكل ما ذبح على النصب ، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل ، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما : ( أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح (واد في طريق التنعيم إلى مكة) قبل أن ينزل على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ الوحي ، فقدمت إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ سفرة (طعام) فأبى أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول : الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ـ إنكارا لذلك وإعظاما له ـ )
بيان كلمات الدكتور أحمد الزبيدي سحر.. و انسيابية و ترابط الجُمل قارب الكمال.. رقيقة التركيب و متناسقة لدرجة الشفافية.. ترشف منها العلم و المعرفة.. تنساب إلى داخلك بكل سلاسة و يسر.. رصينة المقصد رغم دِقتها..! خفيفة على القراءة رغم متانتها.. لا عجب في ذلك كون الدكتور الزبيدي خير من قشع الضباب عن مُتلابس الحديث.. بوركت جهودكم دكتور أحمد الزبيدي.. لأمثالكم ترفع القبعات..
محمد عرسان
مونتريال – كندا
دكتورنا الفاضل أحمد الزبيدي :
بوركت على هذا المقال، بل البحث المعمق؛في هذه المسائل المهمة التي يجهلها كثير من المثقفين فضلا عن غيرهم، وأتمنى عليك أن تكرمنا وتعمل بنا معروفا وتكمل السلسلة، وتمر على جميع الآيات المشكلة التي في ظاهرها نقص في مقام النبوة والأنياء، فإن هذا الموضوع على خطورته من المواضيع التي لم يكتب فيها عبر التاريخ الإسلامي- كما ذكرت أنت- إلا القليل.
وجزاك الله عنا وعن المسلمين في كل مكان كل خير
حياك الله أخي الفاضل د عبدالله
النية إن شاء الله، كما اتفقنا والسيد رئيس التحرير أن تكون هذه المقالات سلسلة طويلة، حتى نلم بأغلب الآيات المشكلة التي ليست على ظاهرها.
ودعواتكم
تحياتي واحترامي اسالك هل تنزيه وعصمة الانبياء جاءت قبل الرسالة والوحي ايضا ام انها في حياتهم كلها سؤال ارجو من دكتور احمد الزبيدي الاجابة عنه بالدليل من الكتاب والسنة وغيرها علما ان القران وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى . في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولا اعرف حسب فهمي القاصر بعد الوحي اي بعد الرسالة . ولا تواخذني لقصور علمي مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لعلمك وسعة اطلاعك ومعرفتك تحياتي .مهند الشريف
حياك الله وبياك أخي الحبيب، سؤالك يحتاج الى مقال خاص، ولكن أحاول قدر الامكان أن أختصر لك قول العلماء.
أجمعت الأمة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحفظ الله له ، فلم تعرف له فيها هفوة ، ولم تحص عليه فيها زلة ، بل إنه امتاز بسمو الخلق ، ورجاحة العقل ، وعظمة النفس ، وحسن الأحدوثة بين الناس
يقول القاضى عياض : ” واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشيطان وكفايته منه ، لا في جسمه بأنواع الأذى – كالجنون والإغماء – ، ولا على خاطره بالوساوس ” .
وروى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثني جار لخديجة أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقول لخديجة : ( أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى ، والله لا أعبد أبدا ).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يأكل ما ذبح على النصب ، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل ، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما : ( أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح (واد في طريق التنعيم إلى مكة) قبل أن ينزل على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ الوحي ، فقدمت إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ سفرة (طعام) فأبى أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول : الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ـ إنكارا لذلك وإعظاما له ـ )
بيان كلمات الدكتور أحمد الزبيدي سحر.. و انسيابية و ترابط الجُمل قارب الكمال.. رقيقة التركيب و متناسقة لدرجة الشفافية.. ترشف منها العلم و المعرفة.. تنساب إلى داخلك بكل سلاسة و يسر.. رصينة المقصد رغم دِقتها..! خفيفة على القراءة رغم متانتها.. لا عجب في ذلك كون الدكتور الزبيدي خير من قشع الضباب عن مُتلابس الحديث.. بوركت جهودكم دكتور أحمد الزبيدي.. لأمثالكم ترفع القبعات..
محمد عرسان
مونتريال – كندا
السلام عليكم دكتور احمد
جزاك الله خيرا عن هذا الموضوع الهام الذي غفل عنه الكثير
جزاك الله خيرا دكتورنا الحبيب دمت بود
جزاك الله كل الخير د.احمد
ما شاء الله عليك
دكتورنا الفاضل أحمد الزبيدي :
بوركت على هذا المقال، بل البحث المعمق؛في هذه المسائل المهمة التي يجهلها كثير من المثقفين فضلا عن غيرهم، وأتمنى عليك أن تكرمنا وتعمل بنا معروفا وتكمل السلسلة، وتمر على جميع الآيات المشكلة التي في ظاهرها نقص في مقام النبوة والأنياء، فإن هذا الموضوع على خطورته من المواضيع التي لم يكتب فيها عبر التاريخ الإسلامي- كما ذكرت أنت- إلا القليل.
وجزاك الله عنا وعن المسلمين في كل مكان كل خير
حياك الله أخي الفاضل د عبدالله
النية إن شاء الله، كما اتفقنا والسيد رئيس التحرير أن تكون هذه المقالات سلسلة طويلة، حتى نلم بأغلب الآيات المشكلة التي ليست على ظاهرها.
ودعواتكم
موضوع مميز و مقال جميل