مريم الزرعوني
قراءة : محمد ربيع حماد
في مئتين وست عشرة صفحة، من القطع المتوسط، جاء كتاب “النقش على سطوح سائلة”للكاتبة والشاعرة الإماراتية مريم الزرعوني، في سبكٍ لغويٍ ينساب عذوبةً كجدول ماء، يحمل في أسلوبه سلاسة اللغة المقالية، وثراء الأفكار الدلالية على آفاق ثقافية ضخمة.
يضم الكتاب بين دفتيه، جغرافيا معرفية، ومن ثم تطوافًا ثقافيًا أشبه ما يكون بأدب الرحلات، لكنها رحلات معرفية توثيقية وصفية أحيانا كما في مقال”بيت الكريتليّة”، وقد قدم هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الإضاءات والأدبيات المنوعة في شتى مرافئ الثقافة، منها ما ورد في الكتاب نماذج من أدب السيرة الذاتية، حيث قدمت الكاتبة من خلال هذا النوع من المقالات ملخصات إرشادية ومفاتيح لشخصيات أدبية وفلسفية وذات أثر إنساني، مثل مقال “هل نذهب في أثر جاكوتيه” و “المطوع وتحولاته السيسيولوجية بين التراث والحداثة” وغير ذلك ، واستلهام الجوانب المضيئة للعبور إلى فائدة إنسانية واضحة المعالم، والأثر، ومن المفالات إلماحات نقدية على تجارب شعرية منوعةٍ على مستوى شعراء الإمارات والخليج أو القطر العربي والمحيط الآسيوي كما في “علي العندل، شعرية القاع وانكساراته”،”نصوص ظبية خميس، حين يمتطي المبدع اغترابه”، “البحر وارتداداته، نماذج معاصرة من الشعر الإماراتي”، “جسور الشعراء”، “كيشوار ناهيد، شاعرة بنجابية”، ما يُجلي خصوصية الشعر لدى مريم الزرعوني، وأنه يحوز أولوية نفسية في مساحات إبداعها المنوعة، حتى نراها حين جاءت على ذكر العميد طه حسين سرعان ما دلفت إلى علاقته بالشعر وتدرجه فيه من حافظ إلى نظمه الشعر حتى تركه وتفرغه للكتابات النقدية والسردية.
الكاتبة مريم الزرعوني تقيِّم أدب الرسائل، وتوليه مكانة خاصة من خلال النماذج التي أشارت إليها في “أدب الرسائل، أدب خصوصية الذات”، حين جمعت بين الروائيين المغربيين محمد شكري، ومحمد برادة، ورسائل سيجموند فرويد وصديقه كارل يانج، وكذلك رسائل چولييت آدم ومصطفى كامل، ومن حسنات هذا الكتاب؛ نقل التجارب الإنسانية الملهمة للثقافة العالمية، كسيرة الناشطة والشخصية الاستثنائية، هيلين كيلر، ومعلمتها آن سيلوفان.
نجد في هذه المقالات الذكية ممارسات نقدية لطيفة للوضع الثقافي العام بأصابع لا تعلِّم على الماء، حين تبث إضاءاتها التوثيقية التوعوية عبر هذا الفضاء الكتابي، الذي اتخذته قالبًا لهذه الأفكار المتشعبة، والتي فاضت إلى حد كتابتها، و يظهر ذلك جليًا في مجموعة مقالاتها عن اللغة والأدب والشعر، وأرى أن هذا الجزء من الكتاب يحمل قيمة علمية بالإضافة إلى كونه ضمن مجموعة من الإشارات المقالية الخفيفة كسائر محتوى الكتاب، حيث شرّحت فيه الكاتبة الأدب العربي القديم، بواعثه وتقسيماته، وأغراضه، و وقفتْ على هذه الحقبة الدقيقة من تاريخ العقل العربي، مع الترشيح الإنثروبولوجي الذي أنتج عقليات هذه المرحلة.
زر الذهاب إلى الأعلى