مقالات

” الأدب العربي ودوره في الهندسة النفسية” أحلام بناوي – سورية

 البرمجة اللغوية العصبية في مضمار الأدب

أحلام بناوي

يستغرق تغيير جيل ما قرابة عشرين سنة، ويعتمد ذلك على أمور عدة بدءًا من تغيير نظامه الغذائي إلى تغيير نظام التعليم والكتب التي يقرؤها هذا الجيل، ولو لم يكن للكلمة دور مهم في برمجة عقولنا، لما أوصانا الأولون والآخرون بضرورة انتقاء ما نقرأ، ولما منع بعض الكتب والأغنيات من النشر والتداول في كثير من الدول.

في ظل هذا التأثير الواضح للكلمة وأثرها في الهندسة النفسية، يحق لنا أن نبحث في مدى ارتباط الأدب العربي بعلم الهندسة النفسية ومدى قدرته الفعلية على البرمجة اللغوية العصبية والتأثير في القارئ تأثيرًا مولِّدًا لفعل وسلوك إيجابي يحمله على التغيير للأفضل في كافة المجالات، على اعتبار أن اللغة هي العامل الأهم في هذه البرمجة أو هذا التأثير، وهي في الوقت ذاته، رأس مال الأدب.
يرى منظرو البرمجة اللغوية العصبية أن الإنسان يولد كصفحة بيضاء خالية ثم عن طريق الحواس و اللغة التي يسمعها منذ صغره تتشكل لديه صورة لنفسه وللعالم من حوله، وأن هذه الصورة ليست بالضرورة أن تكون صحيحة على مبدأ (الخارطة ليست هي الواقع) وأن بالإمكان تغيير هذه الصورة باستخدام اللغة أيضاً سواء كانت لغة حية أم صامتة، كما يرون أنه يمكن تحويل مهارات الأشخاص الاستثنائيين إلى نموذج بحيث يستطيع الآخرون اكتسابها، وغير ذلك مما يطول شرحه.
وسواء ولد الإنسان صفحة بيضاء كما يقولون أو أنه يولد وبداخله بذور كثيرة للمعارف تسقى من خلال اللغة والتجربة كما يقول الفيلسوف جان بياجيه وغيره من الفلاسفة، فقد أدرك العالم أهمية علم الهندسة النفسية وتشعبه فاستخدموه في مسائل شتى كبيرة كانت أم صغيرة، وصولاً إلى التسويق والإعلانات كطريقة للتأثير على وعي أو لا وعي المستهلك وطريقة تفكيره وبالتالي التأثير على سلوكه أيضاً، معتمدين غالباً على عناصر ثلاثة وهي الصورة واللغة والموسيقى، وهذه العناصر جميعها متوفرة في الأدب، فمن حيث الصورة عرَّف الجاحظ الشعر بقوله “الشعر جنس من التصوير”، في حين يقول الدكتور علوي الهاشمي في معرض حديثه عن اللون أن ذكر اللون يحرض “حاسة البصر الخاصة والمكلفة بتوصيل ذبذبات اللون الإيقاعية إلى المخ ،وذلك من جراء استثارة المراكز العصبية وتحريكها بواسطة التخييل لا التشكيل المباشر”، والصورة المتخيلة غالباً تكون أجمل من تلك الصورة الواقعية لأنها تنشأ في العقل البشري الذي من طبيعته النزوع إلى الكمال.
وبالنسبة للموسيقى: يتوفر في الأدب عموماً والشعر بوجه خاص نوعان من الموسيقى، أولهما موسيقى الإيقاع الداخلي التي تتولد من تناسب وارتصاف الكلمات والجمل مع بعضها بعضًا، وهذه يشترك فيها الأدب عموماً، والثانية يختص بها الشعر وهي موسيقى الوزن الشعري.
أما اللغة: فهي رأس مال الأدب وهي الحامل الحقيقي لكل ماسبق
فإذا توفرت هذه العناصر حري بنا أن نبحث عن التأثير الذي تشكله وتحدثه في ذواتنا وعن دورها في البرمجة العصبية.
هناك عوامل لا بد منها في عملية التأثير هذه، ويطول شرحها مثل المحتوى الأدبي، والفئة المستهدفة، والوسائل المستخدمة لإيصال هذا الأدب وأهمها الإعلام وهي أمور على درجة من الأهمية حيث تستدعي ابتكار أساليب لتقريبها من الفئة المستهدفة، فلولا المسرحيات لبقي أدب شكسبير على الورق مقتصراً على بعض المهتمين والنخبة، وإذا ذكرت أمامنا اليوم سيرة الزير سالم سترتسم في أذهاننا مباشرة شخوص الممثلين الذين أدوا سيرة الزير سالم على ما كان فيها من مغالطات للسيرة الأصلية، بل إن عقلنا يرفض تخيل صورة أخرى لهذه الشخصيات.
ويبقى للإعلام الدور الأكبر في الترويج لهذا الأدب وترسيخ أثره، فقد لعب دوره عندما نقل إلينا آداب الغرب التي ملأت فراغ غياب دور الأدب العربي بوسائل جذابة وإصرار مستمر وتكرار مدروس، فالأدب حاجة ملحة من حاجات النفس البشرية فهو يبرمج عقولنا من حيث نعلم أو لا نعلم، وعندما نجد مجتمعًاً آخذًا بالانحدار نحو الهاوية علينا جديًاً أن نتساءل عن نوعية الكتب التي يقرؤها هذا المجتمع، والكلمة التي تصل إليه، وعلينا أن نبحث بمسؤولية عن مدى تأثير أدبنا العربي في هندسة ذواتنا وبرمجة عقولنا نحو الأفضل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى