د. أحمد الزبيدي
قال أبو الطيب المتنبي في “معجز أحمد” (ص17) من (الخفيف) :
عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وأنت كريمٌ
بين طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودٍ
خفق البنود: اضطراب الرايات، وهي جمع: بند، وهو العَلَمْ. قال الواحدي: يقول “إما أن تعيش عزيزًا ممتنعًا من الأعداء، أو تموت في الحرب موت الكرام، لأن القتل في الحرب يدل على شجاعة الرجل وكرم خلقه؛ وهو خيرٌ من العيش في الذل”
ثم رجع وأكد على المعنى بقوله:
فاطْلبِ العِزَّ في لَظى وذَرِ الذّلَّ
ولَوْ كانَ في جِنانِ الخُلودِ
وهذا يشبه قول القائل:
لعزُّ يومٍ ويأتي الموتُ في غَده
خَيرٌ من العيشِ في ذلٍ وإتعاسِ
وقول ابن المعتز:
فَعِشْ مَلكاً أو مت عزيزاً فإِنْ تمُتْ
وسيفك مَشهور بِكفك تعذرُ
وقال القرطي:
أرى أنّ المنيةَ بالمعالي أحبُّ إليَّ مِنْ ذُل العقود
وهذا المعنى شائع في الشعر الجاهلي والإسلامي، على تفاوت بينهم في إحراز البلاغة، وإفراد المعنى.
ومنذ العصر الجاهلي والشجاعة عندهم هي صرامة القلب على الأهوال، وربط الجأش في المخاوف، والإقدام على موضع الفرصة. ومنها الأنفة والحمية، والإباء.
وقالوا: الشَّجاعةُ، هي البلوغ في الأمر الذي يُعجَزُ عنه.
ثم إن الإقدام ليس بمحمود إلا إذا كان في موضعه، وإلا كان من التهور المذموم. قال عمرو بن العاص لمعاوية: والله ما أدري يا أمير المؤمنين، أشجاع أنت أم جبان؟ فقال معاوية من (الطويل) :
شجاعٌ إذا ما أمْكَنَتْنيَ فُرْصَةٌ وإنْ لم تكنْ لي فُرْصَةٌ فجبانُ
قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد [رضي الله عنهما] يوم صفين لمعاوية:
ما رأيت أعجب منك يا أمير المؤمنين! إن كنت لتتقدم حتى أقول: أحبّ الموت، ثم تستأخر حتى أقول: أراد الهرب!! قال: يا عبد الرحمن: إني والله ما أتقدم لأقتل، ولا أتأخر لأهرب، ولكن أتقدم إذا كان التقدم غنمًا وأتأخر إذا كان التأخر حزمًا. كما قال الكنانيّ:
شُجَاعاً إِذَا مَا أمْكَنتْنِيَ فُرْصَةٌ فإنْ لَمْ تَكنّ لِي فُرْصَةٌ فَجَبَانُ
وقد زاد الآخر في الإيضاح والمعنى فقال:
لا بأس بالفارس أن يكرا إذا رأى ذاك وأن يفرا
وكان المهلّب-وهو من شجعان العرب– يقول: الإقدام على الهلكة تضييع، كما أن الإحجام عن الفرصة جبن.
قال اهل اللغة: قَدْ أَصَابَ الرجلُ فُرْصَتَهُ، وَأَصْلُ الْفُرْصَةِ أَنْ يَتَفَارَصَ الْقَوْمُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ، فَيَكُونُ لِهَذَا نَوْبَةٌ، ثُمَّ لِهَذَا نوبة، فَيُقَالُ: يَا فُلَانُ، جَاءَتْ فُرْصَتُكَ، أَيْ وَقَتُكَ الَّذِي تَسْتَقِي فِيهِ. ومع ما للشجاعة من مكانة عند أبي الطيب إلا انه جعلها في المرتبة الثانية بعد الرأي والحكمة والتدبير. قال (الكامل) :
الرأيُ قبل شجاعةِ الشُجعانِ هو أولٌ وهي المحلّ الثاني
فإذا هما اجْتَمعا لنَفْسٍ مِرّةٍ بلغَتْ من العلياءِ كلّ مكانِ
يقول عنترة بن شداد:
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ولذلك نعى القرآن بشدة على قومٍ عاشوا في ديارهم بين ظهراني الكفار أذلاء غير كرماء، ولم يهاجروا فرارًا من الظلم {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء:97] {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:97].
و إِنَّ الأُلَى بالطَّف مِنْ آلِ هاشمٍ تأسَّوْا فسَنّوا للكِرَام التأَسِّيَا
قال ابن برّيّ: وهذا البيت تمثّل به مصعب (بن الزّبير). وهو لسليمان بن قثة.
فعندما التقى جيشا عبدالملك،-الكامل(3/380). وابن الزبير وتزاحفا تَقدّمَ أَهلُ الشّامِ فقاتَلَهمْ مُصعَب، وَقَالَ للْحَارِثِيِّ: قَدِّمْ خَيْلَكَ . فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ مَذْحِجٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ. فَقَالَ لابن أَبْخَرَ: قَدِّمْ خَيْلَكَ. قَالَ: إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَنْتَانِ! قَالَ: مَا تَتَأَخَّرُ إِلَيْهِ أَنْتَنُ! فَقَالَ لابْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَحَدٌ هَذَا فَأَفْعَلُهُ. فَقَالَ مُصْعَبٌ: يَا إِبْرَاهِيمُ، وَلَا إِبْرَاهِيمَ لِيَ الْيَوْمَ! ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَاسْتَدْنَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ كَيْفَ صَنَعَ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ النُّزُولِ عَلَى حُكْمِ ابْنِ زِيَادٍ وَعَزْمِهِ عَلَى الْحَرْبِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:
و إِنَّ الْأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ تَأَسَّوْا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّأَسِّيَا
قَالَ عُرْوَةُ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَبْرَحُ حَتَّى يُقْتَلَ.
وقَالَ عبد الملك بن مروان يومًا لجلسائه: “من أشجع العرب؟ فقالوا: شبيب، وقطري، وفلان، وفلان، فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وأمةَ الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب، وَوليَ العراقينِ خمس سنين فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وأعطي الأمان فأبَى، ومشى بسيفه حتى مات، ذلك مصعب بن زبير، لا من قطع الجسور مرة ههنا، ومرة ههنا.
ومن الحكم : ” الْوَلَد سر أَبِيه ” وفى الْمثل: من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم”. نقول هذا لأن والد مصعب هو الزبير، -رضي الله عنهما – .
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وهو في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال له يا أبا الحسن من أشجع الناس ؟ فقال له ذاك الذي يغضب غضب النمر، ويثب وثوب الأسد وأشار إلى الزبير.
وحسبك من رجل؛ والده الزبير، ووالدته ذات النطاقين، وجده أبو بكر الصديق. رضي الله عنهم جميعًا فقد كانوا أصلب الناس أعوادًا وألينهم قلوبًا.
شجعان العرب
قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْمُهَلَّبِ ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَخْبِرْنَا عَنْ شُجْعَانِ الْعَرَبِ، قَالَ: أَحْمَرُ قُرَيْشٍ، وَابْنُ الْكَلْبِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْبَغْلِ الدَّيْزَجِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ، قَالَ بَلَى: أَمَّا أَحْمَرُ قُرَيْشٍ فَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيُّ، وَاللَّهِ مَا جَاءَنَا سَرَعَانُ خَيْلٍ قَطُّ إِلَّا رَدَّهَا، وَأَمَّا ابْنُ الْكَلْبِيَّةِ فَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ أُفْرِدَ فِي سَبْعَةٍ، وَجُعِلَ لَهُ الْأَمَانُ فَأَبَى حَتَّى مَاتَ عَلَى بَصِيرَتِهِ وَأَمَّا صَاحِبُ الْبَغْلِ الدَّيْزَجِ فَعَبَّادُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْحَبَطِيُّ، وَاللَّهُ مَا نَزَلَتْ بِنَا شِدَّةٌ قَطُّ إِلَّا فَرَّجَهَا، ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ – وَكَانَ حَاضِرًا: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَهَذَا قَوْلًا، فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَازِمٍ السُّلَمِيِّ. قَالَ: «إِنَّمَا ذَكَرْنَا الْإِنْسَ وَلَمْ نَذْكُرِ الْجِنَّ».
ومن شجعان العرب أيضاً وفرسانهم “الفند الزماني” -وهو شهل بن شيبان بن ربيعة، شبّه بالفند من الجبل، وهو القطعة، لعظم خلقه- كان يقاس بألف، ذكر أنه حمل على فارس مردوف بآخر فطعنهما فانتظما في رمحه وقال شاعر يمدح شجعان العرب :
فواحدهم كالألف بأساً ونجدة وألفُهُمُ للعرب والعُجْم قاهر
وليس نظمُ الفند فارسين في طعنة بكبير، فقد فعل مثل هذه الفعلة أبو دلف في بعض حروبه، وفيه يقول بكر بن النطاح يذكر طعنته من أبيات:
قَالُوا أينظم فارسين بطعنة يَوْم اللِّقَاء وَلَا يرَاهُ جَلِيلًا
لَا تعجبوا لَو كَانَ مدَّ قناته ميلًا إِذا نظم الفوارس ميلًا
وفي حياة الحيوان للدَّميري: “كَانَ بِالْيَمَامَةِ رجلٌ من بني حنيفَة يُقَال لَهُ: جحدر بن مَالك، وَكَانَ لسناً فاتكاً شَاعِرًا، وَكَانَ قد أفحش على أهل هجر وناحيتها، فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج بن يُوسُف فَكتب إِلَى عَامل الْيَمَامَة يوبخه فِي تلاعب جحدرٍ بِهِ، ثمَّ يَأْمُرهُ بالتجرد فِي طلبه حَتَّى يظفر بِهِ. فَبعث الْعَامِلُ إِلَى فتيةٍ من بني يَرْبُوع بن حَنْظَلَة فَجعل لَهُم جُعلا عَظِيما إِن هم قتلوا جحدراً أَو أَتَوا بِهِ، وَوَعدهمْ أَن يوفدهم إِلَى الْحجَّاج ويسني فرائضهم، فَخرج الْفتية فِي طلبه حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا مِنْهُ بعثوا إِلَيْهِ رجلا مِنْهُم يرِيه أَنهم يُرِيدُونَ الِانْقِطَاع إِلَيْهِ. فوثق بهم وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِم. فبيناهم على ذَلِك إِذْ شدوه وثاقاً وَقدمُوا بِهِ إِلَى الْعَامِل، فَبعث بِهِ مَعَهم إِلَى الْحجَّاج فَلَمَّا قدمُوا بِهِ على الْحجَّاج قَالَ لَهُ: أَنْت جحدر قَالَ: نعم. قَالَ: مَا حملك على مَا بَلغنِي عَنْك؟ قَالَ: جرْأَةُ الْجنان، وجفوة السُّلْطَان، وكلب الزَّمَان، قَالَ: وَمَا الَّذِي بلغ من أَمرك فيجترئ جنانك، ويصلك سلطانك، وَلَا يكلب عَلَيْك،زمَانك ؟، قَالَ لَو بلاني الْأَمِير لوجدني من صالحي الأعوان وأشجع الفرسان، وَمن أوفى على أهل الزَّمَان.
قَالَ الْحجَّاج: أَنا قاذفك فِي قبَّة فِيهَا أَسد، فَإِن قَتلك كفانا مؤونتك، وَإِن قتلته خليناك ووصلناك.
قَالَ: قد أَعْطَيْت أصلحك الله االمُنية، وعَظَّمتَ الْمِنَّة، وَقرَّبتَ المحنة. فَأمر بِهِ، فاستوثق مِنْهُ بالحديد، وَأُلْقِي فِي السجْن، وَكتب إِلَى عَامله بكسكر يَأْمُرهُ أَن يصيد لَهُ أسداً ضارياً، فَلم يلبث الْعَامِل أَن بعث لَهُ بأسْد ضاريات قد أبزت- وَالْأَبْزُ الْوَثْبُ– على أهل تِلْكَ النَّاحِيَة، ومنعت عَامَّة مراعيهم ومسارح دوابهم، فَجعل مِنْهَا وَاحِدًا فِي تَابُوت يجر على عجلة، فَلَمَّا قدمُوا بِهِ؛ أَمر فألقي فِي حيزٍ وأجيع ثَلَاثًا، ثمَّ بعث إِلَى جحدر فَاُخْرج وَأعْطِي سَيْفا، ودلي عَلَيْهِ فَمشى إِلَى الْأسد، وأنشأ يقول:
ليثٌ وليثٌ فِي مجَال ضنك
كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ ومحك
وصولةٍ فِي بطشه وفتك
إِن يكْشف الله قناع الشَّك
حَتَّى إِذا كَانَ مِنْهُ على قدر رمح تمطى الْأسد وزأر وَحمل عَلَيْهِ ، فَتَلقاهُ جحدرٌ بِالسَّيْفِ فَضرب هامته ففلقها، وَسقط الْأسد كَأَنَّهُ خيمةٌ قوضتها الرّيح، وَلم يلبث جحدرٌ لشدَّة حَملَة الْأسد عَلَيْهِ مَعَ كَونه مكبلاً أَن وَقع على ظَهره متلطخاً بِالدَّمِ، وعلت أصوات الْجَمَاعَة بِالتَّكْبِيرِ، وَقَالَ لَهُ الْحجَّاج لما رأى مِنْهُ مَا هاله: يَا جحدر إِن أَحْبَبْت أَن ألحقك ببلادك وَأحسن جائزتك فعلت ذَلِك بك، وَإِن أَحْبَبْت أَن تقيم عندنَا أَقمت فأسنينا فريضتك، فَقَالَ: أخْتَار صُحْبَة الْأَمِير. فَفرض لَهُ ولجماعة أهل بَيته وَأَنْشَأَ جحدرٌ يَقُول: (الْكَامِل):
يَا جمل إِنَّك لَو رَأَيْت بسالتي
فِي يَوْم هيجٍ مردفٍ وعجاج
وتقدمي لليث أرسف نَحوه
حَتَّى أكابره عَن الأحراج
جهمٌ كَأَن جَبينه لما بدا
طبق الرحا متفجر الأثباج
شثنٍ براثنه كَأَن نيوبه
زرق المعابل أَو شذاة زجاج
وَعلمت أَنِّي إِن أَبيت نزاله
أَنِّي من الْحجَّاج لست بناج
فمشيت أرسف فِي الْحَدِيد مكبلاً
بِالْمَوْتِ نَفسِي عِنْد ذَاك أُنَاجِي
ومن الفرسان الشجعان؛ شاعرنا المتنبي، فقد كان يصحب سَيْفَ الدَّوْلَة في غزَواته إلى بلاد الرُّوم؛ ومنها غَزْوةُ “الفناء”التي لم يَنْجُ منها إِلَّا سَيْف الدَّوْلَة بنَفْسه، وأخذَتْ عليه الرُّوم الطُّرُقَ، فجَرَّد السَّيف وحمل على العَسْكَر، وخَرَقَ الصُّفُوف ونَجَا بنَفْسه في ستة أنفار، المتنبي أحدهم.
ومن شجاعته النادرة رحمه الله ما ذكروه من قصة قتله، وأنه خرج وهو يعلم بالمتربصين به، فنصحه صاحبه أن يصحبه عدد من الفرسان، فكان جوابه: أما والسيف في عنقي فما بي حاجة إلى مؤنس غيره، …فقال غلامُه وكان عاقلا: الصواب ما رآه أبو نصر، خذ معك عشرين رجلًا يسيرون بين يديك إلى بغداد، فاغتاظ أبو الطيب من غلامه غيظًاً شديدًاً، وشتمه شتمًا قبيحًاً، وقال والله لا أرضي أن يتحدث الناس بأني سرت في خفارة أحد غير سيفي. قال أبو نصر: فقلت: يا هذا أنا أوجه قوماً من قبلي في حاجة يسيرون بمسيرك وهم في خفارتك، فقال: والله لا فعلت شيئاً من هذا، فلما انصرف هاجمه بنو ضبة في ستين رجلاً فقاتلهم قتالا شديداً، ثم فرَّ، فقال له غلامه أين قولك:
الخيل والليْلُ والبَيداءُ تعْرِفني
والسَّيف والرُّمْحُ والقِرطَاسُ وَالْقلَمْ
فقال: قتلتني قتلك الله، ثم قاتل حتى قتل.
وما أشبه قصة شاعرنا المتنبي، بقصة شاعرنا عبدالرحيم محمود أبي الطيب، شاعر فلسطين؛ الذي قتله -هو الآخر- شعره !. عندما كان -ما يسمى- (بجيش الإنقاذ) يهم بالانسحاب من مدينة (الناصرة)، مُخَلفا وراءه بعض القوات؛ يقودها البطل عبدالرحيم محمود تتصدى للعدو وتمنعه من التقدم. وفيما كان ذلك الفتى-محمود- يقود كتيبته، ويقاتل قطعان الصهاينة ببسالة نادرة، نفدت ذخيرتهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكادوا أن يقعوا في الأسر، حينها أشار إلى أصحابه بالانسحاب، وفيما هم في ذلك، إذا بمجاهد يخرج إليه من الزحام ويقول : ألست القائل: سأحمل روحي على راحتي.. ..! فأشرق وجه محمود بنور الشهادة وقال -: (بلى والله ! أنا الذي أقول ذلك.. (ووثب وثبة الأسد الهصور يخترق زخات الرصاص ، وهو يزأر بصوت عالٍ:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر صديق
وإما ممات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان
ورد المنايا ونيل المنى
لعمرك هذا ممات الرجال
ومن رام موتا كريماً: فذا!!
وسقط المجاهد البطل -عبدالرحيم محمود- مضرجا بدمائه، يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد عجُز البيت الأخير: (ومن رام موتا كريمًا: فذا…
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا
قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لَا يُكْذَبُ:
لَا يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي
أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا
لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لَا يُكْذَبُ
زر الذهاب إلى الأعلى
تحياتي واحترامي دكتور احمد الزبيدي والشجاعة هي في الطلب من طلب العلا سهر الليالي .الشجاعة حقا محمودة على قدر هدفها السامي والانساني والالهي الكامل والشهداء احياء عند ربهم ومنزلتهم في منزلة الانبياء والصديقين .وعلى قدر اهل العزم تاتي العزائم وعلى قدر اهل الكرام تاتي المكارم وان الطيور على اشكالها تقع .جزاك الله كل الخير كلامك جميل ومحفز ويدل على ثقافة عالية واطلاع كبير على ادبناالعربي ومروياتنا مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لك ولثقافتك المنتخبة وسمو عقلك تحياتي .مهند الشريف
السلام عليكم دكتور أحمد
أفضت وأجدت علينا كما هو الحال دائما جزاك الله كل خير.
مقال جيد، ومتعوب عليه، وجزاك الله خير الجزاء
جميل و رائع جدا وأكثر ما أعجبني التفريق بين الشجاعة والاقدام
ما شاء الله مقال ماتع باذخ جليل المعنى رشيق المبنى .. جاء في وقته مجيء السحاب على محل،زادك الله نجاحا وتوفبقا
سلمت يمناك دكتور أحمد وزادك الله علما مع علمك ونفع بك 🫡
ما شاء الله عنك دكتور مقال ممتاز و متكامل بوركت
ما شاء الله، وتبارك الله دكتورنا الغالي
مقال ممتاز و متكامل، بوركت