د. أحمد الزبيدي
قال أبو الطيب المتنبي في “شرح الواحدي” (4/243) :
لَمْ يَخْلُقِ الرَّحْمَنُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ
أَحَدًا، وَظَنِّي أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ
ووقع عند العلامة الدّميري في: “حياة الحيوان الكبرى” (1/71) برواية أخرى :
لَمْ يَخْلُقِ الرَّحْمَنُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ
أَبَدًا، وعلمي أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ
وأكاد أجزم أن أبا الطيب المتنبي بريء من هذه الرواية؛
براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، لعدة أمور:
الأول: لأنها ليست في ديوانه، أو عند أحد من شراحه.
الثاني: قد نسلم بوضع كلمة “العلم” مكان الظن، ولا ضير في ذلك فهما يأتيان أحيانا بمعنى واحد. قال الله عز وجل: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُواْ اللهِ}، أي؛ يستيقنون. وكذلك: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ}، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} [الكهف: 53] ، هذا كلّه في معنى (اليقين).
الثالث: أما أن يستخدم المتنبي؛ -وهو من هو في الفصاحة والبلاغة، وعلوم العربية- كلمة “أبدا” لتأكيد النفي في الماضي؛ فهذا لا يقع فيه، بل لا يقع فيه من هو أقل شأنا من المتنبي بالعربية وعلومها، فالأصل في “لسان العرب” أن تأكيد النفي في الماضي يستخدم الظرف “قط”، وتأكيده في المستقبل يستخدم الظرف “أبدا”. قال تعالى: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا}. وفي “لسان العرب” :” أما “قط” فإنه هو الأبد الماضي”.
قال النحاةُ: إنَّ كلمة “أبدًا” ظرف مُنَكَّر؛ لتأكيد المستقبل، والماضي الممتد إلى الزمن المستقبل، كقوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}، وقد تأتي في سياق النفي قال تعالى: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا}، كما تأتي في سياق الإيجاب ، قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أما ما مضى وانقضى من الزمان فتأتي معه “قط”.
يقول الناظم: لم يخلق الله تعالى مثله-ممدوحه- أحداً فيما مضى، ويقيني أنه لا يخلق في المستقبل. وهذا من “الدرّ الفريد، وبيت القصيد”، على ما فيه من الغلو في المدح الرشيد.
ونحن نعتذر عن المتنبي فنقول عنه: لم يفضل ممدوحه على كل البشر؛ لأنه لم يقصد ذلك، ولأن كل من ذكرهم من الناس بالضرورة لا يريدهم كلهم، وإنما يريد قوما مخصوصين، وهو شائع في اللسان العربي، وقد خاطب الله تعالى مريم بقوله: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ ، وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}، أفتراه اصطفاها على حواء وهي قبلها. واصطفاها على خديجة وفاطمة – رضي الله تعالى عنهما – وهما بعدها؛ وهما من العالمين! هذا وقد قيل في (كل) إنها تكون بمعنى الجمع تارة؛ وبمعنى البعض تارة. وفسروا قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}، إنها بمعنى البعض.
وفي مناظرة عبد العزيز الكناني -تلميذ الشافعي- لبشر المريسي -بين يدي المأمون-في مسألة خلق القرآن، وكان يذهب بشر إلى ذلك، لقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، والقرآن شيء، فالقرآن إذن مخلوق.
قال بشر: “يا أمير المؤمنين قد أقرَّ بين يديك-يقصدُ الكناني- أن القرآن شيء، .. وقال الله عز وجل إنه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، وهذه لفظة لم تدع شيئا إلا أدخلته في الخلق، ولا يخرج عنها شيء ينسب إلى الشيء؛ لأنها لفظة استقصت الأشياء وأتت عليها مما ذكر الله تعالى ومما لم يذكرها؛ فصار القرآن مخلوقا بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير”. قال الكناني: فقلت: “يا أمير المؤمنين عليَّ أن أكسرَ قوله وأكذبه فيما قال بنص التنزيل؛ حتى يرجع، أو يقف أمير المؤمنين علي كسر قوله، وكذبه، وبطلان ما ادعاه. فقال: هات ما عندك، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}، يعني الريح التي أرسلت على عاد، فهل أبقت الريح يا بشر شيئا لم تدمره؟ قال: لا، لم يبق شيء إلا دمرته، وقد دمرت كل شيء كما أخبر الله تعالى، لأنه لم يبق شيء إلا وقد دخل في هذه اللفظة. قلت: قد أكذب الله من قال هذا بقوله: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاّ مَسَاكِنُهُمْ}، فأخبر عنهم أن مساكنهم كانت باقية بعد تدميرهم، ومساكنهم أشياء كثيرة. وقال عز وجل: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} وقد أتت الريح على الأرض، والجبال، والمساكن، والشجر، وغير ذلك، فلم يصر شيئا منها كالرميم، وقال عز وجل: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يعني بلقيس، فكأن بقولك يا بشر يجب أن لا يبقى شيء يقع عليه اسم الشيء إلا دخل في هذه اللفظة وأوتيته بلقيس، وقد بقي مُلك سليمان؛ وهو مائة ألف ضعف مما أوتيته لم يدخل في هذه اللفظة.
فهذا كله مما يكسر قولك ويدحض حجتك، ومثل هذا في القرآن كثير، ولكني أبدأ بما هو أشنع وأظهر فضيحة لمذهبك وأدفع لبدعتك…”. اه
وقول الشاعر:
ألا إنَّ خيرَ الناس حياً وميتاً أسيرُ ثقيفٍ عندهمْ في السَلاسِلِ
أفترى أن خالد القسري خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه المنتجبين، وأهل بيته الطاهرين؟. ألا ترى أن قوله: حيًا وهالكًا أكثر من قول أبي الطيب.
وعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ لِزَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ”. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بَعِيرًا قَطُّ.
قلت: الأمرُ في هذا راجع إلى النية ، فإن نوى قائله به حقيقة العموم، وأراد تفضيل ممدوحه على الأنبياء الكرام والمصطفين الأخيار، فقد وقع فيه الكفار ، وإلا فإنها إساءة أدب، ومجاوزة حد يمحوه الاستغفار . والله يعفو عنا وعنه وعن كل من يقرأ كلامنا من الأخيار.
على أن هذا البيت لا يليق إلا بسيد الخلق، وحبيب الحق، وأشرف الرسل، ونبي الرحمة، وإمام المتقين، وحامل لواء الحامدين، وصاحب الشفاعة يوم الدين، والمقام المحمود، والحوض المورود.
قصة السعدي مع موسى الهادي:
أسند الصولي عن سعيد بن سلم قال: إني لأرجو أن يغفر الله للهادي بشيء رأيته منه، حضرته يومًا وأبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه، إلى أن قال:
يا خَيرَ منْ عَقدتْ كَفاهُ حُجْزَتَهُ … وَخَيْرَ مَنْ قلّدَتْهُ أمرَها مُضَرُ
فقال له الهادي: إلا من؟ ويلك! قال سعيد: ولم يكن استثنى في شعره، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان، ففكر الشاعر فقال:
إلا النبيَّ رسولَ الله، إنَّ لهُ فضلًا، وأنت بذاك الفضلِ تَفتَخرُ
فقال: الآن أصبت وأحسنت، وأمر له بخمسين ألف درهم. فعرف انه ارتجله، وفتش صحيفته فلم يجده فيها، فأسنى جائزته، وأكرم وفادته.
قال ابن الأثير في “الكامل” (7/305) :” مُحَمَّدُ بْنُ هَانِئٍ الشَّاعِرُ الْأَنْدَلُسِيُّ، قُتِلَ غِيلَةً، فَرُؤِيَ مُلْقًى عَلَى جَانِبِ الْبَحْرِ قَتِيلًا لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ، وَكَانَ قَتْلُهُ أَوَاخِرَ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ (362ه)، وَكَانَ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْمُجِيدِينَ إِلَّا أَنَّهُ غَالَى فِي مَدْحِ الْمُعِزِّ حَتَّى كَفَّرَهُ الْعُلَمَاءُ، في قَوْلُهُ:
مَا شِئْتَ لَا مَا شَاءَتِ الْأَقْدَارُ فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
وجاء في كتاب “البيان المغرب” (2/293) :” أن الشاعر ابن الخطيب؛ وكان من الشعراء بمنزلة؛ وكان مقدمًا في أصحاب المنصور، حتى فسد ضميره عنده، وبقى مدة يلتمس غرَّة منه، حتى قال في بعض أبيات من شعر أفرط فيها (الكامل) :
مَا شِئْتَ لَا مَا شَاءتِ الأقْدَارُ
فَاحُكُمْ فَأنتَ الواحِدُ القَهارُ
فَكَأنَّمَا أنتَ النَّبيُّ مُحَمدٌ
وَكَأنَّمَا أنصَارُكَ الأنصَارُ
فأمر بضربه خمسمائة سوط، ونودي عليه باستخفافه؛ ثم حبسه، ونفاه بعد عن الأندلس.
قال الإمام الذهبي في “تاريخ الإسلام” (39/277) معقبًا على هذه القصة: “لعن اللَّه المادحَ والممدوحَ، فليس هذا فِي القُبْح إلّا كقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى”.
قال ابن أبي السمط:
ما كان مِثلك في الورى في منْ مَضى
أحد وظنّي أنه لا يخلقُ
وهما متفقان في اللفظ والمعنى، مجتمعان على التيقّن في ما مضى والشكّ في ما سيأتي.
قال ابن الرومي:
فَهلْ من سبيلٍ إلى مِثله
أبى اللهُ ذاك على منْ خَلقْ
وقال الحصنيّ:
لمْ يكن في خليفةِ الله ندٌّ
لك في ما مَضى وليس يكونُ
قال التنيسي: “فمنع وجود مثله في الماضي والمستقبل، فحكم على الغيب، وما أشبه هذا الشعر بشيء”. ورحم الله التنيسي فقد صدق، وهنا يقالُ : {يتبعهُم الْغَاوُونَ}.
روي عن المعتصم أنه أمر في ليلة من لياليه بإحضار من جار على بابه، فوجد الغلامُ ثلاثة قد مروا بالباب من أهل المدينة فأدخلوا، فقال لهم المعتصم: اسمعوا هذا الغناء واحدًاً واحدًا وعرّفوني ما عندكم فيه؛ وأمر جارية له بالغناء فغنّت، فقال لأحدهم: كيف رأيت ما تسمع؟ قال: امرأته طالق إن كان الله يخلق مثل هذه، وقال للآخر ما تقول أنت؟ قال: امرأته طالق إن كان الله يخلق مثلها أبدًا. فقال للثالث: ما تقول أنت؟ قال: أقول امرأتي طالق. قال: إن كان ماذا. قال: إن كان لا شيء، قال: ولم طلقت، قال: لطلاق رفيقيّ من أين لهذا العاض … أمه أن الله ما خلق مثل هذه! ولهذا العاض … أمه إن الله لا يخلق مثلها! فلما رأيتهما قد طلقا في غير موضع الطلاق ساعدتهما على ذلك!
موقف الخلفاء من هذه المبالغات:
قصة “سَلْمٌ الخاسر” مع المهدي:
دخل “سَلْم الخاسر ” على المهدي فقال:
أليسَ أحقَّ الناسِ أن يدركَ الغنى
مُرَجِّي أميرِ المؤمنين وسائلُهْ
لقد بسط المهديُّ عدلًا ونائلًا
كأنهما عدلُ النبيِّ ونائلُه
فقال المهدي: أما ما ذكرت من الجود، فوالله إن الدنيا ما تعدل عندي خاتمي هذا، وأما العدل، فإنه لا يقاس برسول الله، صلى الله عليه وسلم أحد، وإني لأتحرَّاه جهدي، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، ثم وفد عليه في السنة الثانية فأنشده:
إن الخلافة لم تكن بخلافة
حتى استقرت في بني العباس
شُدَّت مناكبُ مُلكِهمْ بخليفةٍ
كالدهرِ يخلطُ لينُهُ بِشِماسْ
فأمر له بعشرين ألف درهم وعشرين ثوباً، فلما كان في العام الثالث وفد عليه فأنشده:
أفنى سؤالَ السائلين بجوده
ملِكٌ مواهبه تروحُ وتغتدي
هذا الخليفةُ جودهُ ونوالهُ
نفدَ السُؤَّالُ وجودُهُ لم ينفدِ
فأمر له بثلاثين ألف درهم وثلاثين ثوباً”.
قلت: رحم الله المهدي، فقد أنصف في اعترافه بتقصيره في العدل.
فائدة: قال الإمام الذهبي “الأعلام” 3/110 :”سَلْم الخاسر: شاعر خليع ماجن، من أهل البصرة، سمي الخاسر لأنه باع مصحفًا واشترى بثمنه طنبورًا، توفي سنة 186 هـ”.
وذكر الصولي أن الرشيد قال له: لم سميت الخاسر؟ فَقَالَ: بعت وأنا صبي مصحفًا واشتريت بثمنه شعر امرئ القيس، وقد رزقني الله حفظ القرآن بعد ذَلِكَ، فقال لَهُ: فأنت الآن الرابح.
وهو القائل:
أمزج الراحَ براح
واسقني قبل الصباح
ليس من شأني فدعني
شربُ ذا الماء القراح
وكان “سلم” تلميذًا لبشار بن برد، فلما قال بشار قصيدته التي يقول فيها:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
فقال سلم أبياتا أدخل فيها معنى هذا البيت فقال:
من راقب الناس مات غمّا
وفاز باللذة الجسور
فبلغ بيته بشارًا فغضب وقال: سار والله بيت “سلم” وخمل بيتنا، وكان الأمر كذلك، لهج الناس ببيت “سلم” ولم ينشد بيت بشار أحد، فكان ذلك سببًا للنفور بينهما، فكان “سلم ” بعد ذلك يقدّم أبا العتاهية ويقول: هو أشعر الجنّ والانس.
وفي “وفيات الأعيان” (4/54) :” وكانت لعضد الدولة أشعار، فمن ذلك .. قصيدته التي فيها البيت الذي لم يفلح بعده:
ليسَ شربُ الرَّاحِ إِلَاّ فِي المَطَر
وَغِنَاءٌ مِنْ جَوَارٍ فِي السَّحَر
مبرزَات الكَأسِ مِنْ مَطْلِعِهَا
سَاقيَاتِ الرَّاحِ مَنْ فَاقَ البشَر
عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَابنُ رُكْنِهَا
ملكُ الأَمْلَاكِ غَلَاّبُ القَدَر
فيحكى عنه أنه لما احتضر لم يكن لسانه ينطق إلا بتلاوة: {ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ} ، ويقال إنه ما عاش بعد هذه الأبيات إلا قليلا.
تسمية “ملك الملوك”
قال تاج الدين السبكي (ت ٧٧١هـ)في “طبقات الشعراء” 5/501)..:” فِي سنة (429ه) فِي شهر رَمَضَان، أَمر الْخَلِيفَةُ أَن يُزَاد فِي ألقاب جلال الدولة ابْن بويه شاهنشاه الْأَعْظَم ”ملك الْمُلُوك” وخطب لَهُ بذلك، فَأفْتى بعض الْفُقَهَاء بِالْمَنْعِ؛ وَأَنه لَا يُقَال: ”ملك الْمُلُوك” إِلَّا لله، وتبعهم الْعَوام ورموا الخطباء بالآجر، وَكتب إِلَى الْفُقَهَاء فِي ذَلِك، فَكتب الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيّ أَن هَذِه الْأَسْمَاء يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد وَالنِّيَّة، وَكتب القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ بِأَن إِطْلَاق ”ملك الْمُلُوك” جَائِز وَمَعْنَاهُ “ملك مُلُوك الأَرْض”، قَالَ: وَإِذا جَازَ أَن يُقَال قَاضِي الْقُضَاة جَازَ أَن يُقَال ”ملك الْمُلُوك”، وَوَافَقَهُ التَّمِيمِي من الْحَنَابِلَة.
وَأفْتى الْمَاوَرْدِيّ بِالْمَنْعِ، وشدد فِي ذَلِك، وَكَانَ الْمَاوَرْدِيّ من خَواص جلال الدولة، فَلَمَّا أفتى بِالْمَنْعِ انْقَطع عَنهُ، فَطَلَبه جلال الدولة، فَمضى إِلَيْهِ على وَجل شَدِيد، فَلَمَّا دخل، قَالَ لَهُ: أَنا أتحقق أَنَّك لَو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وَبَيْنك، وَمَا حملك إِلَّا الدّين، فَزَاد بذلك محلك عِنْدِي. قلت- أي السبكي- وَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب هُوَ قِيَاس الْفِقْه، إِلَّا أَن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ يدلُّ لَهُ حَدِيث… أبي هُرَيْرَة؛ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ “.
رَوَاهُ أَحْمد برقم (7329) وَقَالَ: سَأَلت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أخنع فَقَالَ: أوضع. والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ برقم(5853).
زر الذهاب إلى الأعلى
حفظك الله وزادك علما ونفع بكم
جزاك الله كل الخير كلام بكر فيه من حلاوة الحديث الكثير وطراوة الانس وسعد الطالع وراحة للنفس .الله يعطيك العافية مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لك ولنقدك الذي صرفت فيه من الجهد والعلم وتستحق عليه الثواب تحياتي .مهند الشريف
حفظك الله يا دكتور أحمد فقد ضربت بهذا المقال عصافير كثيرة
فقد اعتذرت عن المتنبي، ورددت على المعتزلة، وأظهرت مواقف الخلفاء من المغالاة في الشعر، وغير ذلك الكثير
أتيت على الموضوع من جوانبه جميعها فالثّناء استحقاق لك.
وأمّا البيت موضع البحث فأراه دون مستوى القصيدة والشّاعر ولطالما تساءلت: كيف للمتنبّي أن ينظم (أرقٌ على أرق) ويحشر فيها بيتاً كهذا؟ فلا هو بيت جميل ولا اختيار اسم الله (الرّحمن) يناسب المعنى (الخلق) وكأنّه جاء به ليستقيم وزن البيت. غريبٌ أن يأتي المتنبّي بمفردة لا تخدم المعنى.
أحرى بك دكتورنا أن تيميها: وقفات مع التراث؛ فقها، وادبا، وعلما، وحديثا، ونقدا
ربي يزيدك من علمه