مقالات

بين العامية والفصحى (1) د. أحمد الزبيدي – الإمارات

د. أحمد الزبيدي

لقد مُني العربُ والمسلمون خلال تاريخهم الطويل؛ بمحنٍ، ومصائبَ، وابتلاءات كثيرة، أسود من الليل الأليل؛ استمرت أعواما طويلة، وجرَّت آلامًا وبيلة، كان وقعها على الأمة أشد من الصواعق المحرقة، غير أن “الدعوة الأكثر خطرًا، والأشد فَتْكًا وغدرًاً؛ هي الدعوة إلى العامية واتخاذها أداة للتعبير الأدبي، و إحلالها محل اللغة العربية الفصحى.
كانت وستظل، لأنها عَرَّضت الأمة العربية والإسلامية لأعنف هزة، جعلتهم في ذلة من بعد عزة، بل زلزال أدى إلى انقلاب ثقافي شامل، تغيرت معه جميع الأحوال، وما زلنا إلى يوم الناس هذا نتحسى سمه الزعاف.
ولا سبيل إلى معرفة ذلك والوقوف عليه؛ إلا من خلال دراسة متأنية لتاريخ هذه الدعوة من أصولها الأولى، ومنابعها الأصيلة، والحديث عن رؤوس دعاتها؛ مولداً، وفكرا، وانتماء، وقبيلة، ثم استعراض ما لهم من حجج وأدلة وبراهين أقاموا عليها دعوتهم، وبيان حجم الجهود التي بذلوها، وتكلفوها، وعانوا في سبيل إقناع الناس بها، والعمل على تبنيها، والطرق التي سلكوها في سبيل ذلك، والألبسة التي لبسوها لتحقيق ذلك..!
وسنترجم لبعض أعلامهم؛ ممن كان له أثر كبير في توجيه الرأي الخاص والعام، والتفرق والالتئام، بسبب منصب كبير، أو جاه عريض، أو بسبب تغرير الناس بما أطلق عليه من ألقاب علمية زائفة؛ كأستاذ الجيل، وسيد القال والقيل، أو عميد الأدب، أو فيلسوف الشرق أو الغرب!
ولله در الإمام ابن حزم الأندلسي حينما قال :” “فضيحةٌ لم يقع في العالم إلى اليوم مثلُها، أربعةُ رجالٍ في مسافة ثلاثة أيَّام في مثلها؛ كلُّهم يَتسمَّى بأمير المؤمنين، ويُخطب لهم بها في زمن واحد …!
‌أَلْقَابُ ‌مَمْلَكَةٍ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا … كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًًا صُوْرَةَ الأَسَدِ
ومن كانت هذه حاله، فإنه سيضطر إلى ما لا يطيق، ويلج إلى أضيق طريق.
ثم نتكلم بعد ذلك عن صدى تلك الدعوة المغرضة، وانعكاسها فيما كُتب بأقلام عربية وإسلامية، تؤيدها وتدعو إليها، وتحارب من أجلها.
وسنلقي الضوء على الجهود لبعض المعارضين، ممن كان يعي خطورة الدعوة والداعين، ويعي من يقف وراءها من المستشرقين، ومن لبس لباسهم من المستعربين، وكتب في ذلك يكشف المخبوء والمستور، يحذر قومه وأهله من مغبة الانخراط في تلك الفتنة التي توشك أن تثور، التي هي أشد من القتل، وهي أول ما تؤثر في وحدة الأمة، ووحدة كلمتها واجتماع رايتها، ومحو شخصيتها وهُويتها، وذهابا لريحها، ثم سنتكلم عن بعض الطرق الملتوية التي لجأ إليه بعض الأبواق من أبناء جلدتنا، لإفساح المجال أمام العامية في ميدان الكتابة، بحجج واهية مثل: خدمة اللغة العربية، وتسهيلها على العوام، لذلك فقد قرنوا بين دعوتهم الخبيثة وبين ما يسمى حركات التنوير، والتجديد، والإصلاح. وكأن لسان حالهم يقول:
العلم ميراث النبوّة ناله … قوم لهم حظّ من ‌التنوير. كم في بلادك من نجيب حافظ ، ومشارك في النظم والمنثور، وما دَرُوا أن ميراث النبوة كله يقوم على اللغة العربية الفصيحة، لغة القرآن والسنة النبوية الشريفة! وليس من باب الصدفة أن يكون المجددون ‌والمتنورون حرباً على الدين وأهله في كل زمان ومكان، وآخر المتنورين ظهورًا ما يسمو ن اليوم بالقرآنيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. أرجو أن تكون هذه سلسلة مباركة ينفع بها الله الاسلام والمسلمين، وتكون كسابقاتها أو أفضل

  2. موضوع مهمّ. أنتظر أن تسمّيهم وتعرّيهم واحداً واحداً. ولا بأس أن تتعرّض للمعاصرين منهم الّذين يدعون إلى تبسيط الإملاء وحذف الضّاد وغير ذلك من الخلط.
    بوركت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى