الشارقة – “البعد المفتوح”:
صدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر السوداني د. محمد عبد القادر سبيل، عن “دار الأجنحة” للنشر في العاصمة السودانية “الخرطوم”، و يقع الإصدار في حوالي ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير، معروضة في جناح الدار رقم U13 في القاعة (1) لمعرض الشارقة الدولي للكتاب (43).
حصيلة تجربة الشاعر محمد عبد القادر عبر مسيرته الشعرية الطويلة تنوف عن الأربعين عامًاً ،حيث صدرت له مجموعته الأولى “عالياً عالياً مثل شهيق الحسرة” في عاصنة دولاة الإمارات أبوظبي عام 1994م، والثانية “الهدر” عن دار “الانتشار العربي” في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1996م، ثم “وحده الجبل” عام 1999م عن الدار ذاتها، وأما مجموعته “درب الأربعين” فقد صدرت عن “الجمعية الثقافية السودانية” التي أسسها الشاعر في أبوظبي عام 2002م، وأخيراً جمع محمد عبدالقادر سبيل قصائد جديدة في مجموعة بعنوان ” إذ أعود إلى الأرخبيل” لم يسبق نشرها في من قبل، فأودعها الآن أعماله الكاملة.
تجربة محمد عبدالقادر سبيل الشعرية التي برزت خلال التسعينات حينما فاز بالجائزة الأولى في مسابقات الشعر الفصيح التي نظمها حينئذ اتحاد كتاب الإمارات، ونشرت معظم الأعمال في مجلات عربية كبرى مثل “الناقد” و “إبداع” و”شؤون أدبية” و”نزوى”، شملت أشكال القصيدة الثلاثة: التفعيلة الحرة والشكل البيتي (التقليدي) و”قصيدة النثر”، وقد أظهر عبر نصوصه المتنوعة إمكانات فنية تمتاز بالعمق ومهارة الإبداع. رغم أنه وفي مقدمة إصداره الجديد ينأى عن كونه شاعراً مطبوعاً ويعتقد أنه مفكر ضل طريقه الى الأدب، الأمر الذي يلفت النظر حيث يقول: تحتم عليّ غيبتي الطويلة (امتدت عشرين عامًا) عن نشر كتاباتي، أن اقدم أعمالي (غير الكاملة) بإفادتين: أولاهما أنه ينبغي التفريق بين الشعر والقصيدة، فقصيدة النثر فن شديد الخصوصية ومتطور نوعياً باتجاه الاستقلال عن الشعر بمفهومه التاريخي. ولعل ما يعضد ذلك هو أن كثيرًا من “قصائد النثر” التي وردت في السفر الحالي تمتاز بالنزعة الفلسفية، بينما مالت تجربته في قصيدة التفعيلة إلى التعبير الإنساني والسردي الوجداني، بينما اتسمت القصيدة “البيتية” بفخامة اللغة والتشبث بالبلاغة واللغة الكلاسيكية. وهو يصف ذلك بأنه حاول أن يعطي كل ذي حق حقه!.
نعود إلى الإفادة الثانية في مقدمة الكتاب الجديد، إذ يقول: خلصت – يعني خلال تأملاته الفلسفية في فترة غيابه عن الضوء ونشر الشعر – إلى أنه لا أحد يستطيع أن يبدع الشعر، لأنه جوهر ميتافيزيقي كامن في كل شيء( هذا سيعني أن لكل شيء شعريته والشعرية حينئذ هي الشعر ذاته)، فيُكتشَف ويُستخلص كالذهب (بترتيب معين)، ولا يخلق من العدم، ومن جملة الأشياء الكلام، فهو كامن فيه فيستخلص بترتيب معين نسميه المهارة والدربة، وكل بقدر موهبته وخبراته.
وفي سياق عرض وعيه وتنظيره النقدي، قال إن الشعراء ينقسمون الى مدرستين، الأولى هي مدرسة امرئ القيس، وهؤلاء هم الشعراء المطبوعون بالفطرة، يعبرون بالارتجال والعفوية المطلقة، وفي المقابل ثمة مدرسة زهير بن أبي سلمى، وهؤلاء يعولون على العقلنة والصقل المتمهل والتجويد لاستقطار العمق الفلسفي. وكشف سبيل أنه ينتمي إلى هذه المدرسة الزهيرية. وأضاف أن المتنبي ومحمود درويش ونزار ينتمون إلى مدرسة امرئ القيس، بينما البحتري وأبوتمام والمعري وادونيس يقعون ضمن مدرسة زهير، حيث الفكر مقدم على الجزالة و رقّة التعبير الوجداني.
التطواف في الأعمال الكاملة لمحمد عبدالقادر سبيل نزهة في رياض متنوعة من اشكال الشعر وصوره ومراحل تطوره حتى النضج عنده، متراوحاً بين المعتاد والساحر والمستعصي على الفهم، ومهما ظن أنه مفكر وفيلسوف أكثر منه شاعراً بالمعنى الحرفي، فإن الأعمال الكاملة قد تضمنت شعراً لا محالة، وتضمنت أيضا ما يمكن الاختلاف عليه من نصوص كفارقة للأشكال الحاسمة، ويلحظ أيضاً أن الشاعر رتب أعماله الكاملة بعكس تواريخ صدورها، فجعل المجموعة الأحدث ” إذ أعود إلى الأرخبيل” هي الأولى، والأولى “عالياً عالياً” هي الأخيرة في تسلسل الكتاب، وله في ذلك حجة أوردها في الكتاب الذي امتاز بحسن التصميم والإخراج وجودة الطباعة.
( مقتطف من قصيدة “هل للعمر من تالٍ؟”
يمضي الزمانُ دِراكاً للخطوب بنا
وما الحياة
سوى دَيْن لآجالِ
تصرّم الصحبُ والأحباب من كنَفي
وما تغيّر لي ربي بمثقالِ
تلك الحظوظُ لُقَى دنيا
وزينتُها
تُفري القلوبَ
بإدبار وإقبالِ
ما زلتُ أذكر
يوم البين إذ هتفتْ
وُرْقٌ على شجر الجُمّيز
ترثى لي
بَرْحَ الأحبة في رأد الضحى
ولها
في ذاتها وطَرٌ
قضّته في حالي
وما التياع فؤادٍ
إذ رُزئتُ بهِ
إلا ارتياعُ ظُبيّ طوْعَ رئبالِ
إمّا ظننتَ سأنسى
بَعْد تفرقةٍ
فاذكرْ وصالَ فتىً وافى بأنفالِ
هذي القلوب لها رانٌ
وتجليةٌ
وإنني لَعَلَى مائي وصلصالي
ما ضيّع الدهرُ مني ما حفظتُ له
حِفْظَ الشحيحِ
ولي تِبْري وغِربالي
زر الذهاب إلى الأعلى