مقالات

بين العامية والفصحى (9) د. أحمد الزبيدي         –         الإمارات

د. أحمد الزبيدي

ردود على شبهات المستشرقين وجنودهم

(3)

(أستاذ الجيل) ‌‌أحمد ‌لُطفي ‌السَيِّد

 وُلِدَ أحمد لطفي السيد في مصر عام (1870م). ودرس الحقوق في القاهرة وعمل في المحاماة، وشارك في إنشاء “حزب الأمة”، وحرر صحيفته “الجريدة” إلى سنة 1914، وعمل مع “الحزب الوطني”، و”الوفد” المصريين، ثم تحول إلى “الأحرار الدستوريين”، وعين مديرًا لدار الكتب المصرية، فمديرا للجامعة عدة مرات، فوزيرًا للمعارف، و “الداخلية” و”الخارجية” (1946)، وعُين رئيسًا لمجمع اللغة العربية سنة 1945 ، واستمر فيه إلى أن توفي عام ( 1963 م). تتلمذ على جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده فتأثر بهما، وقرأ كتب أرسطو، ونقل عددًا منها إلى العربية.

هذه ترجمة لطفي السيد اختصرتها لك قدر الإمكان، أما وقائع حياته، وفكره، ونشاطه فنبسط فيها بعض الشيء.

قد علمت عزيزي القاريء مما مضى من مقالات أن المستشرقين – أعداء الإسلام- هم الذين هوّنوا من شأن اللغة العربية، ونسبوا إليها الضعف في مستوى الثقافة والتحصيل العلمي، وأن العامل الأكبر في فقد (قوة الاختراع) لديهم هو استخدام الفصحى في القراءة والكتابة، ونصحوهم باتخاذ اللغة العامية أداة للتعبير الأدبي،  ومعلوم أن(لغة القاهرة) هو  أول كتاب دعا إلى ‌استعمال ‌العامية؛ كتبه القاضي الإنجليزي (ولمور)  عام 1902 م ، وضع فيه قواعد اللهجة العامية، وشجع على جعلها لغة للعلم والأدب ، كما اقترح كتابتها بالأحرف اللاتينية، ثم حمل الراية بعده (ويلكوكس) الذي جأر بهجر اللغة العربية سنة 1926 م، وترجم أجزاء من الإنجيل إلى “العامية المصرية” ، ويقوم على إثر ذلك (سلامة موسى) فيشيد بالكاتب والكتاب، ودعا في كتابه (البلاغة العصرية واللغة العربية) إلى لغة أخرى غير الفصحى، لغة جديدة! قد ذكرنا هذا كله في المقالات السابقة، وأحببنا أن نذكرك به قارئنا الكريم كي تبقى على ذكر مما نقوله!

ولأمر ما أرجانا الحديث عن (أستاذ الجيل)، و (منشيء الوطنية الحديثة) ، و (أفلاطون العرب)-كما يزعمون-  وسنرى في ما يأتي من صفحات أن المستشرقين هم الذين كانوا وراء هذه الدعاية الإعلامية، وهم الذين كانوا وراء صناعته وإعداده !

ورحم الله القائل:

مِمَّا يُزَهِّدُنِي في أَرْضِ أَنْدُلسٍ

أَسْمَاءُ مُعْتَضِدٍ فيهَا وَمُعْتَمَدِ

أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا

‌كَالْهِرِّ ‌يَحْكِي ‌انْتِفَاخًا صُوْرَةَ الأَسَدِ

ف (أستاذ الجيل) هذا -كما يزعمون- هو الذي تزعم حركة تمصير العربية، وهو من السابقين الأولين؛ الذين زينوا  استعمال العامية وشجعوا -بحكم منصبه- على استعمالها، وأن حملته المدعومة بالمال والأقلام كانت من أعتى الحملات وأخبثها على العربية والعروبة، وهو أيضًا صاحب اقتراح تيسير العربية، فاقترح سنة 1899م الدلالة بالحروف عن الحركات على أن تدخل هذه الحروف في بنية الكلمة، فتكتب(ضرب) هكذا (ضارابا)، ونثبت التنوين ورسمه في الكتابة فتكتب(سعدٌ) هكذا (ساعدون). ولم يجد هذا الاقتراح قبولا لأنه يقطع الصلة بين ماضينا وحاضرنا، ويلزمنا بإثبات حركات لا تدعو الحاجة إليها.

  • وغني عن القول أن الدعوة إلى تمصير اللغة نوع من أنواع العصبية الوطنية الممقوتة التي محاها الإسلام، ولا سبيل إلى تحقيقها إلا بتمصير الدين الإسلامي الذي تقوم عليه هذه العربية.

وقد لفت لطفي السيد نظر الباحثين والدارسين إلى خبثه وتدسسه وجمال طرحه في دعوته، فقد كانت مداخل البحث عنده بارعة خفية دقيقة، فهو لم يفاجئ القارئ في هذا الوقت المبكر بالحملة على اللغة العربية، أو الدعوة إلى ترك الكتابة بها إلى العامية، وإنما تسلل إلى ذلك بطريقة فيها كثير من الدهاء والمراوغة والمداورة، فلغتنا-في زعمه- واسعة في القاموس ضيقة في الاستعمال، مخصبة في المعاني والمسميات القديمة، مجدبة في المعاني الجديدة والاصطلاحات العلمية، قد انقطع رقيها من قرون طويلة فوقفت عند الحد الذي وصلت إليه أيام النهضة العباسية!

فكان لفكرة لطفي السيد هذه صدى كبير في الأوساط المصرية على اختلافها فوجدت معارضين ومؤيدين. أما المعارضون فلم يخف عليهم ما انطوت عليه فكرة التقريب بين الفصحى والعامية من مناصرة للعامية، ومحاولة للتدرج في رفعها إلى الاستعمال الكتابي بعد أن فشلت الدعوة إلى استعمالها خالصة والاكتفاء بها بدل الفصحى، وكان في مقدمة من عارضها وبيَّنَ خطورتها مصطفى صادق الرافعي-رحمه الله- في مقاله (تمصير اللغة)، واعتمد في معارضته على أدلة كثيرة نذكر أهمها:

  • أن شيوع هذه الفكرة يؤدي إلى انقراض الفصحى ومحوها.

  • أن قاعدة التسامح في استعمال المفردات والتراكيب العامية ستتسع في الأجيال المستقبلة إلى درجة تصير فيها الفصحى في كتابها الكريم ضربا من اللغات الأثرية.

  • أن فكرة إحياء العربية باستعمال العامية تتعارض مع ما سنته لغة القرآن من تقييد اللهجات بها، ومحو لغات العرب جميعها على فصاحتها وقوة الفطرة في أهلها وردها إلى لغة واحدة هي اللغة القرشية، فكيف نحن نعمل على تمزيق هذه الوحدة اللغوية التي استطاعت أن تؤلف بين قلوب العرب على دين واحد. وكيف نرضى باستعمال لهجاتنا العامية التي تأبى أن تتقيد بشيء، وهي أبدَا دائمة التغير حتى صارت في بعض قرى مصر كأنها مالطية (متمصرة)، وصار بعض هذه القرى لا يفهم عن بعض كم ترى بين أقصى الدلتا وأقصى الصعيد.

 وانتهى الرافعي إلى القول بأن وسيلتنا في إحياء العربية هي نشر التعليم واستعمال الفصيح خالصا مأنوسا.

  • قال الشيخ أبو إسحاق الحويني: “وقد قرأت منذ أيام في مذكرات أحمد لطفي السيد، الذي لقبوه بأستاذ الجيل، وتحت عنوان (الجامعة الإسلامية) أيام اللورد كرومر، وعندما كان الإنجليز يحتلون مصر، ظهرت فكرة إنشاء جامعة إسلامية في مواجهة الإنجليز لتحرير البلد، فلما نطق بهذه الفكرة بعض الصحفيين على صفحات الجرائد آنذاك؛ هاب الإنجليز والغرب ذلك، فبعثوا يسألون عن حقيقة الأمر، فانبرى (‌أستاذ ‌الجيل) يفند وينفي بقوة قلب وجرأة جنان أن يكون هناك أي فكرة للجامعة الإسلامية، وقال: هذا تفكير ساذج لصحفي كاذب.

  • ولا يستطيع الكاتبون عن حياته أن يخفوا أنه فاوض “اللورد كتشنر” ناظر الحربية الإنجليزية ثم “جراهام”، على أن تنفصل مصر عن تركية، وتصبح دولة مستقلة يحكمها الخديوي تحت وصاية بريطانية.[ كتاب “أحمد لطفي السيد” لحسين فوزي النجار (ص 183) ]

 

  • أما فكره فكان متأثراً جداً بالفلاسفة “داروين” و”مل” و “روسو” وأضرابهم من الغربيين، وكان مع كل ناعق من دعاة التفرنج والعصرية، فقد حظيت دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة بتأييد لطفي السيد بما لم تحظ بها من كاتب أو صحفي آخر. (المرجع السابق).

  • وعندما أصدرت الحكومة قراراً بنقل صديقه وشريك دعوته طه حسين من الجامعة – بسبب الضجة التي ثارت حوله – لم يسع لطفي السيد إلا أن يقدم استقالته من منصب وزير المعارف احتجاجاً على ذلك.

  • وقد ذكر مؤرخ حياته حسين فوزي النجار بعض الحوادث التي تدل – كما يرى – على أنه كان لا يؤمن بالغيبيات والقوى الخفية .

  • وفي كتاب “عودة الحجاب”: أن ‌”أستاذ ‌الجيل” ! (لطفي السيد) ، هو أول من أدخل الطالبات في قسم الطلاب سافرات الوجوه، ولأول مرة في تاريخ الجامعة المصرية يسانده في ذلك طه حسين وكامل مرسي، وتحت الضغط الخارجي رضيت وزارة المعارف بالأمر الواقع واعتبار هذا من حقوق الفتيات.

أنور الجندي يُعَرّي ‌”أستاذ ‌الجيل” المزيَّف:

قال -رحمه الله- تحت عنوان: “لطفي السيد .. وأكذوبة ‌أستاذ ‌الجيل”:

“خلفت لنا فترة التبعية للغرب مُسَلَّمات خطيرة وكلمات دخيلة، وحاولت سُحُب كثيرة من سُحُب الغزو الفكري والتغريب أن ترسم صورة خادعة لبعض الشخصيات، وكان أخطر ما أطلق في هذه الفترة كلمة عميد الأدب على الدكتور طه حسين وأستاذ الجيل علَى لطفي السيد”، فإلى أي مدى كان هذا اللقب صحيحًا بالنسبة لمنشئ “حزب الأمة”، ومترجم أرسطو، والخصم الأول للعروبة وللوحدة الإسلامية جميعًا ؟ .

فهل كان لطفي السيد حقيقة أستاذ الجيل وأي جيل ؟ ! :

أولاً: دعا إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان باعتبار أنهم وحدهم الذين سيتولون الحكم ، ومقاومة تعليم سواد الأمة، ومعارضة الاتجاه إلى المجانية، وذلك حتى يمكن المحافظة على وجود طبقة معينة تتولى حكم البلاد دون أن يتاح ذلك لباقي أفراد الشعب.

وقد رد عليه مصطفى كامل صاحب “اللواء” رئيس “الحزب الوطني”، ولخص آراءه وكشف عن فسادها.

ثانياً: مقاومة التضامن العربي الإسلامي وقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911 ، وكتب في هذا المعنى تحت عنوان “سياسة المنافع، لا سياسة العواطف” مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضن بأموالهم أن تبعثر في سبيل أمر لا يفيد بلادهم، وقد أثارت هذه المقالات على لطفي السيد عاصفة بل وطعنًا جارحًا على حد تعبير تلميذه د. محمد حسين هيكل في مذكراته.

ثالثاً: أيد وجهة النظر البريطانية الاستعمارية في التعاون مع الجاليات المسيطرة المحلية ودعا إلى أن تملك هذه الجاليات في الأراضي المصرية فيكون لها الحق في التملك والسيطرة على البنوك والتجارة وغيرها.

رابعاً: مجَّدَ اللورد كرومر: الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن مسيطرًا على سياسة البلاد وساحقًًا لكرامتها ومغتصبًا لثروتها وحياتها وحيّاه يوم خروجه من البلاد تحية الأبطال وقال عنه: “أمامنا الآن رجل من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا ندًا له يضارعه في عظائم الأعمال: هو اللورد كرومر”، وقد  نشر هذا في “الجريدة” في نفس اليوم الذي ألقى فيه “كرومر” خطاب الوداع فسبَّ المصريين جميعًا، وقال لهم إن “الاحتلال البريطاني باقٍ إلى الأبد”.

سادسًا: رسم لطفي السيد خلال عمله في “الجريدة” (1907 – 1914) منهجًا للحياة الاجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية، يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبي والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة ماكرة خادعة هي (مصر للمصريين) وقاوم بهذا الفكر ذلك الأتجاه الأصيل الذي كان يحمل لواء دعاة الوطنية الصادقة والفكر الإسلامي النيِّر وكوّنَ مدرسة تحقق لها بعد الحرب العالمية الأولى السيطرة على مقدرات الأمور بعد أن أقصى رجال الوطنية الحقة.

سابعاً : بالرغم من دعوة لطفي السيد العريضة إلى الدستور والحرية، فإن الوزارات التي قبل الاشتراك فيها كانت كلها تتسم بطابع واحد، فهي جميعًا وزارات انقلاب ضد الدستور والبرلمان والحريات العامة.

يقول الأستاذ فاروق عبد القادر: “إن الباحث في لطفي السيد ليس بوسعه أن يتجاهل هذا التناقض كيف للرجل الذي كتب مطالبًا بالدستور مدافعًا عن الحرية أن يشترك في وزارات عبثت بالدستور وصادرت الحرية، كيف يشترك في وزارات طابعها الإرهاب والسطو على الحريات؟”.

تاسعًا: إن “حزب الأمة” الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية؛ أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والأثرياء والأعيان الذين وصفهم بأنهم (أصحاب المصالح الحقيقية)، وقد كان هدف “حزب الأمة “و “الجريدة” بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على إيجاد شرعية للاحتلال مع الدعوة إلى المهادنة مع الغاصب وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء.

  • وقد رسم (‌أستاذ ‌الجيل) منهجاً للحياة الاجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية في مصر يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبي والاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة خادعة هي ” مصر للمصريين “.

موقفه من الدين

 أما موقفه من الدين فيلخصه قوله كما جاء في كتاب (رجال اختلف فيهم الرأي) للأستاذ أنور الجندي (ص (4 – 11) : (لست ممن يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه، أو قاعدة أخلاقية بعينها، ولكني أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره، هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر).

  • وقال د. حسين فوزي في كتابه “أحمد لطفي السيد” (ص 287): (والفكرة في عقيدة لطفي السيد هي الحرية، الحرية في كل صورها ومعانيها والعقيدة هي القومية والديمقراطية والتمدين)؟

  • قال الأستاذ المفكر محمد محمد حسين: (وليس في كلام هؤلاء جميعاً على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم – من ‌لطفي ‌السيد وحزبه إلى طه حسين وشيعته – فكرة جديدة. فكل ما قالوه وما يقولونه ترديد لما قاله هؤلاء. حتى الذين أكثروا من الكلام فيما سموه (الأدب الشعبي) وادَّعوا أنهم جمعوا فيه ما جمعوا من آثار لم يكونوا إلا ناقلين مما جمعه أمثال ماسبيرو وبوريان، بل لقد اعتمدوا عليهم في تصنيف ما جمعوه وفي ترتيبه وتبويبه أيضاً. ولولا خشية الإِطالة وضيقُ المقام لأوردت النصوص التي تثبت ما أقول).

  • ورحم الله الأستاذ أنور الجندي، فقد قال: (هما أكذوبتان في تاريخ الأدب العربي الحديث : أكذوبة أستاذ الجيل، وأكذوبة عميد الأدب العربي).

‌وأخيراً؛ فقد قالت العرب :”أهل ‌مكة ‌أدرى ‌بشعابها”

 يقول الأستاذ  عباس محمود العقاد -رحمه الله-  ردا على مقولة :”لطفي السيد أستاذ الجيل”: (هذا لطفي السيد ليس بالفيلسوف ولا هو بأستاذ أحد، ولم يكن في كل ما قاله وكتبه في حياته دليل على أكثر من أنه رجل متحذلق، ضيق الاطلاع، يملأه الغرور. لطفي السيد ليس بالفيلسوف؛ بقوة رأسه، ولا بقوة اطلاعه، فأما رأسه فضعيف متعفن، بشهادة الطب لا بشهادة النقد ومقاييس الآراء، فقد أجريت له عملية جراحية قبل بضعة أشهر لاستئصال كيس صديدي في رأسه، وعداوة مباديء التعفن في دماعه، ومهما قال القائلون في الفكر والدماغ فما نظن أحدًا يدعي أن إنسانا يجيد التفكير وفي دماغه تعفن يستأصل بمِبْضَع الجراح، أما ضيق اطلاعه ، فالدليل عليه بسيط حاسم كهذا الدليل الذي لا لجاج فيه، فإن لطفي السيد قد ترجم كتاب الأخلاق لأرسطو فاسألوه أين مقدمته هو على ذلك الكتاب. الكتاب ليس فيه إلا ترجمة المقدمة الفرنسية مع أن تقديم أرسطو إلى العربية ألزم وأليق بنا من تقديمه إلى الفرنسية، فليس أعجب من ترجمة عربية لأستاذ فيلسوف مكتفى فيها بالمقدمة الفرنسية ومسكوت فيها كل السكوت عن علاقته بالشرق والشرقيين. أما أن هذه غير لازمة فلا، وأما أن كتابته فوق طاقة الأستاذ الفيلسوف وفوق مقدور اطلاعه فذلك هو التعليق الوحيد المعقول، ويزيده عجزًا على عجز أنه قضى في ترجمة الكتاب خمس سنوات أو ستًا فلم تكفه هذه المدة لاستيعاب بعض المعلومات التي يداري بها ذلك النقص المعيب).

هذا ما كتبه العقاد في “كوكب الشرق” عام 1928م.

وقد علق الأستاذ أنور الجندي على كلامه بقوله: (وبعد أكثر من ثلاثين عاما أو يزيد، تبين أن لطفي السيد لم يترجم أرسطو ؛ وإنما قام بترجمته (قسم الترجمة في الدار)، وهو ما أفضى به إلي الأستاذ أحمد عابدين مدير دار الكتب، وقد جاءت ترجمتها في غاية التعقيد لأن مستوى المترجمين كان دون مستوى -سانهيز- الفرنسي، وكان الأمر في حاجة إلى عقل حصيف يتقبل الترجمة الحرفية إلى مفهوم يكشف عن تعقيدات الفلسفة اليونانية الأرسطاليسية ويحل عقدها).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جميل جداً
    عرفنا إذاً مصدر الشعارات الوطنية المعاصرة: مصر أولاً، الأردن أولاً، لبنان أولاً…، وهي نفسها بنفس الحجج القديمة: المصلحة لا العواطف، لماذا ننصر إخوة خارج الحدود؟ ونفس الهدف القديم: خدمة أهداف الاستعمار دون مطالبته بشيء، من حق بريطانيا أن تتطلع لنهب بلاد بعيدة والسيطرة عليها، وتتحالف لذلك مع بلاد أخرى ليس لها صلات بها، وليس من حقنا نحن نصرة إخوتنا عليهم، مازالوا هكذا إلى اليوم، الشعور بالدونية المطلقة، وعرفنا حقيقة النزعات الاستقلالية وأهداف شعاراتها، الانفصال عن الأخ القريب وتسهيل ابتلاعنا على العدو البعيد، هذه هي مشاريع التغريب خادم الغرب منذ البداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى