مقالات

“راعي الذُّود” الشعرُ الغنائي لرَفيق الرضي – إشارات أدبية وتجربة جديرة بالتأمُّل

الإحساس بالوقت والمكان حاضر

قراءة : د. إبراهيم أبو طالب

رفيق الرضي

                     

هذه قصائد من الشعر الشعبي الغنائي بأجزائها الثلاثة يجمعها موضوع واحد، هو الغزل والتغنِّي بالحبيبة والمشاعر حولها، وهو الموضوع الأثير عبر تاريخ الأغنية اليمنية، يتخلَّلها بعض القصائد في حبِّ اليمن، والتغنِّي بحضارتها وبمدنها، ومن أبرزها مدينة الحبِّ والجمال والتاريخ (صنعاء)، العزيزة على كلِّ قلبٍ عاشقٍ محبٍّ لفتنتها وأصالتها ولطفها وجمالها الذي طالما تغنَّى بها الشعراء عبر التاريخ، من أهلها أو ممن عرفها أو زارها أو سكنها فسكنته، وخالطت شغاف قلبه، فتشربها وجدانُه، وصدح بها إبداعُه.

قصائد “راعي الذود” للشاعر الغنائي رفيق الرضي، بلغ عددها في الأجزاء الثلاثة (788) قصيدة في (818) صفحة، وهو عدد كبير، وبخاصَّة إذا ما عرفنا من تواريخ كتابتها المذيَّلة بكل قصيدة أنها كُتبت بين عامي 2018 وحتى 23 نوفمبر من عام 2022م، وثلاث قصائد منها فقط كتبت عام 2016، بل إن ديوانًا كاملًا وهو الديوان الثالث كتب خلال ثلاثة أشهر فقط، وأحيانًا يكتب الشاعر 4- 5 قصائد غنائية في اليوم الواحد، وربما كان النَّفَس الغنائي والوجداني مُكررًا في بعضها؛ حيث يسيطر على الشاعر جوٌّ نفسي واحد، وربما لو كان باعد بينها أو صبر على تلك القصائد لأنتج واحدةً تعدلُ عشراً أو أكثر، وعلى كلِّ حال فإن الشاعر رفيق الرضي من حيث الشكل قد فطِن إلى أن القصيدة الغنائية يجب ألا تطول عن (12) بيتًا، لهذا نجد الغالبية العظمى من قصائده لا تخرج عن هذا العدد، إلا ما ندر، وقد نوَّع في أوزان بعضها، حيث استخدم أوزان الأغنية اليمنية الحمينية، ذات القافيتين، أو الأوزان الخليلية -بتسكين أواخر الكلمات- كما في مجزوءات الرمل في الغالب، وقد خرج بعض القصائد الوطنية عن هذا العدد فبلغ 20 بيتًا، وقلَّ بعضها فتراوح بين 7 و 8 أبيات.

كتب الشاعر مع تاريخ القصائد الأماكن التي جاءه الهاجسُ فيها، فنجدها في الغالب كُتبت في مدينة دبي -حيث يقيم- أو في تنقلاته وسفرياته في بعض عواصم ومدن عربية، منها: (الرياض، جدة، طيبة، سكاكا الجوف، تيماء، دومة الجندل، الوديعة، صنعاء، البيضاء، مأرب، ذمار، لحج، الخرطوم القاهرة البحرين، وبعض المدن الغربية: مانيلا، وميونخ، وفوانزو…الخ.)

إن الإحساس بالوقت والمكان حاضر لدى الشاعر، والتدفق في الإنتاج غزير وواضح أنَّه حين تسيطر عليه القصيدة فإنه يعطيها العَنان لتقول مشاعره وتعبِّر عن أحاسيسه، فتكون تارةً مؤثرةً وعميقة، وتارة مكرَّرة وعابرة.

قاموس الشاعر اللغوي مزيجٌ من اللغة البيضاء التي تكتب بها الأغاني العربية عمومًا، وما هو فصيح البناء واللفظ، ملحون الأداء، ومنها ما هو متأثر باللهجات الخليجية، مثل: (يا ونتي) التي يستخدمها في بعض قصائده، أو تنوين الكلمات بالكسر كما في النمط النبطي، وهو غير مستخدم في الحميني – في ما عرفنا وقرأنا منه وعايشناه، وذلك يدلُّ على التأثر بالقراءات والمسموعات والمعايشة والمثاقفة، ولا ضير في ذلك، ولكن الألفاظ تختلط وتفقد شيئًا من خصوصية الأغنية وهُويتها المحلِّية.

في العموم تجربة الشَّاعر الرضي تجربة جديرة بالتأمُّل، ولعلَّها لو أخذت طريقها للتلحين والأداء ربما حقَّقت شيئًا من التداول والشُّهرة، ولأنَّ القصيدة الغنائية إنما تُكتب لتغنَّى وتؤدَّى، وليس لتقرأ، فقد تُظلم من القارئ غير المحبِّ لهذا النوع من الشعر الحساس الذي يحتاج إلى عنايةً خاصَّة، وأداء مميز.

الشاعر الرضي، من مواليد مديرية (عُتْمَة) بمحافظة ذمار، وهي مديرية الجمال والطبيعة الساحرة والشعر، برز منها في وقت مبكر عددٌ من الشعراء من أبرزهم أحمد عبد الله السَّالمي، وله ديوان شعر مطبوع، وكان صاحب صوت جميل في الإنشاد وقد ذكره البردوني وغيره في كتبهم، ومنهم كذلك أحمد عبد الرحمن المعلمي شاعر ومشارك في الوعي الثوري، وأديب كبير، وغيرهم الكثير من الأدباء والشعراء المعاصرين، وسيرة رفيق الرضي عامرة بالمشاركات، فهو عضو اللجنة الاستشارية لجائزة عناوين بوكس للنشر، وطالب دكتوراه في إدارة الأعمال، حاصل على شهادة ماجستير إدارة أعمال من جامعة العلوم والتكنولوجيا 2008م، وبكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة صنعاء 2004م، وصدر له أيضًا، ديوان (شواطئ الذكريات)، مركز عبادي، ط1، 2012م، و(ما بعد الغروب)، ط1، 2019، وط2، 2023م، و(ظِلٌ وروح)، شعر فصيح، 2023م، و(عن سمائي لم تغب)، ديوان شعر غنائي يجمع بين الفصيح والنبطي، وكتاب (التراث اليمني الموسيقي) يتناول الأغنية اليمنية وروادها قديمًا وحديثًا، 2024م، ، وكتاب (الإيجابية ما بعد الفشل)؛ تنمية بشرية، 2024م، وجميعها صادر عن دار “عناوين” للنشر

يقول رفيق الرضي: من قصيدة (نبضي لليمن)

 حبَّها في القلب منِّي لا يزال

يا رسول القلب أهواها (أزال)

الإجابه في (عدن) أرض الجمال

نار حبَّك من فؤادي ما سكن

عشق دايم في فؤادي لا يموت

 يسألوني عن هواها (حضرموت)

في رُبى (حجّة) و(محويت) النعوت/

احتوت أرض السعيده كل فن

اليمن أرضي ونبضي لليمن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى