د. أحمد الزبيدي
قاسِم أَمِين
(1863 – 1908 م)
كاتب باحث، اشتهر بمناصرته للمرأة ودفاعه عن حريتها. كردي الأصل. ولد في بلدة ” طره ” بمصر. نشأ وتعلم في الإسكندرية، ثم في القاهرة. وأكمل الحقوق في فرنسا. وعاد إلى مصر سنة 1885 فكان وكيلًا للنائب العمومي، فمستشارًا بمحكمة الاستئناف. وتوفي في القاهرة. له ” تحرير المرأة – ط ” و ” المرأة الجديدة – ط ” وكان لصدورهما دويّ، ونشر له كتاب ثالث سمي ” كلمات قاسم بك أمين “.
موقفه من الفصحى
كان قاسم أمين من أوائل من أعلنوا عن عدائهم للعربية الفصحى، بل كان مرجعًا في ذلك لكل من تأفف وتضجر منها ، وقد ذكرنا قبلُ الحرب التي شنها عليها سلامة موسى، متكئًا في ذلك على قول قاسم أمين.حيث قال:” إن الفصحى التي نكتب بها والذي شعر به ولكوكس ليس حديثا ، وإنما يرجع إلى ما قبل ثلاثين سنة حين نعى قاسم أمين على الفصحى صعوبتها وقال كلمته المشهورة: (إن الأوروبي يقرأ لكي يفهم أما نحن فنفهم لكي نقرأ)، واقترح أن يلغى الإعراب فيسكن أواخر الكلمات، وليس هذا فحسب بل إنه قام بحملة شعواء على الإعراب متهما إياه بأنه مصدر كل ما يقع من لحن في قراءة العربية، ومتخذًا من عدم وجود الإعراب في بعض اللغات الأوربية حجة يدعم بها رأيه، وحَسْبَ رأيه ينبغى علينا نحن أهل العربية “أن نبقى أواخر الكلمات ساكنة لا تتحرك بأي عامل من العوامل”، وبهذه الطريقة، وهي طريقة جميع اللغات الإفرنجية والتركية، يمكن حذف قواعد النواصب والجوازم والحال والاشتغال دون أن تضار اللغة أي ضرر لأن مفرداتها سوف تبقى كما هى. (الأعمال الكاملة لقاسم أمين/ تحقيق د. محمد عمارة/ ط2/ دار الشروق/ 1989م/ 143).
جذوره
صدر كتاب “المصريون” باللغة الفرنسية عام 1894، وهو باكورة إنتاج قاسم أمين؛ ردًا على الدوق الفرنسي داركير وهجوما على كتابه “مصر والمصريون”، الذي هاجم فيه المصريين ونساءهم وعاب دينهم، وانتقد فيه بشدة إباحة تعدد الزوجات، ونال من الحجاب وقرار المرأة في بيتها، واقتصار وظيفتها على تربية النشء ورعاية الزوج، فما كان من قاسم أمين إلا أن رد عليه؛ فكتب عن العادات الاجتماعية الأصيلة في المجتمع المصري، ودافع بشراسة عن حرية تعدد الزوجات، وهاجم-بعد ذلك- تحرر المرأة الأوروبية الذي أسهم بشكل كبير في وجود الفتنة في الأرض والفساد الكبير، مما أثار حفيظة وغضب الأميرة “نازلي” ، فطلبت من الشيخ محمد عبده أن يبلغه غضبها ويعيد النظر في أفكاره التي وضعها في كتابه عن “حجاب المرأة”،فلبث غير بعيد وخرج على الناس بكتاب “تحرير المرأة”.
كتاب “تحرير المرأة”
في عام( 1899 م) وبدعم كبير من الشيخ محمد عبده، وأحمد لطفي السيد، قام قاسم أمين بنشر كتابه “تحرير المرأة”، تناول فيه قضايا تناولها من قبله عدد من المستشرقين وأعداء الدين؛ مثل وجود الحجاب في الثقافة الإسلامية، وإباحة تعدد الزوجات والطلاق، والعزلة بين المرأة والرجل؛ وأنها ليست من الشريعة، ودعا بعد ذلك إلى “تحرير المرأة لتخرج للنور والحياة”.
والحق أقول؛ أن قاسم أمين لم يأت في كتابه بجديد يذكر، بل كان كلُّه أو جلُّه مقتبس من كتاب (مرقص فهمي) صديق اللورد كرومر الحميم؛ الذي أصدر كتاب (المرأة في الشرق) عام 1894م،ونادى فيه المرأة المسلمة إلى نزع الحجاب والاختلاط بمحافل الرجال، وهاجم فيه أحكام الشريعة الإسلامية التي تحرِّم زواج المسلمة بغير المسلم ودعا إلى التمرد على هذه الأحكام، والدوق الفرنسي صاحب كتاب (المصريون)، الذي هاجمه أمين نفسه من قبل!
أقبل المستشرقون على هذا الشاب “قاسم أمين” يتبنونه ويحيطونه برعايتهم، كما أقبلوا من قبل على طه حسين، ولطفي السيد، وسلامة موسى، ولويس عوض، فخلعوا عليه كما خلعوا عليهم أعظم الألقاب؛ مثل الإمام، والرائد، والملهم، وأستاذ الجيل، وعميد الأدب العربي، وباعث النهضة الحديثة ، وغير ذلك …. الخ.
ورحم الله الشاعر:
مما يزهِّدني في أرضِ أندلُس
أسماءُ معتضدٍ فيها ومعتمدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها
كالهر يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ
-
وهذا ما يفسر اغتباط الدوائر الغربية بحركة تحرير المرأة العربية وبنشاط الاتحاد النسائي في الشرق-من بعد- وتمثلت ببرقية حرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر النسائي العربي عام 1944م.
-
وأقبلوا على كتابه؛ كما أقبلوا من قبل على كتاب “الشعر الجاهلي” لطه حسين، وكتاب “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق، ففرحوا به فرحا شديدا، وقرضوه، وأثنوا عليه وعلى كاتبه، واستشهدوا بما جاء فيه، فترجموه إلى اللغات العالمية، ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية، ليظهروا للناس أن المسلمين هم الذين يسعون لهدم ثوابت دينهم، وأن المعركة داخلية بين المسلمين.!!
ردود على الكتاب
ما أن صدر الكتاب حتى أثار عجاجة واسعة من الاستهجان والاستغراب ، فتسابق إليه كبار المفكرين والكُتّاب يردون ويفندون، ومن أهمهم الاقتصادي الأستاذ طلعت حرب، والزعيم الوطني مصطفي كامل الذي ربط أفكار أمين بالاستعمار الإنجليزي. وليس ذلك فحسب بل توالت الردود عليه؛ حتى وصلت الكتب التي ردت عليه أكثر من مائة كتاب!
(فصل الخطاب في المرأة والحجاب)
كتاب ألفه الاقتصادي المصري الكبير الأستاذ محمد طلعت حرب؛ ذكر فيه أدلة وجوب ستر الوجه، ورد على شبهات المخالفين. كما رد فيه على كتاب قاسم أمين ومما قاله: ” إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا، وقد فضح فيه سرقة قاسم أمين لأفكار سبقه فيها (الفاضل التركي)، مبينا مدى التطابق بينه وبين ما كتبه قاسم أمين، رغم أن الفاضل التركي أصدر كتابه عام (1893م)، وجاء بعده قاسم أمين ليصدر كتابه بعد ذلك عام (1898م).
رد الزعيم مصطفى كامل
عقب صدور كتاب قاسم أمين عام (1899م)؛ هبَّ الزعيم الوطني مصطفى كامل للرد عليه ففي خطبة له بالقاهرة في أول اجتماع عقده “الحزب الوطني” قال : (فلا يليق بنا أن نكون قردة مقلدين للأجانب تقليدًا أعمى، بل يجب أن نحافظ على الحسن من أخلاقنا، ولا نأخذ من الغرب إلا فضائله؛ فالحجاب في الشرق عصمة أي عصمة؛ فحافظوا عليه في نسائكم وبناتكم، وعلموهن التعليم الصحيح، وإن أساس التربية التي بدونه تكون ضعيفة وركيكة هو تعليم الدين) وفتح مصطفى كامل جريدة اللواء لكل من يرغب في الرد على قاسم أمين.
وبعد أن وصل الكتاب إلى العراق والشام انبرى الشعراء والكتاب للرد عليه؛ فرد عليه الشاعر العراقي البناء حيث قال:
وجوه الغانيات بلا نقاب
تصيد الصيد بشرك العيون
إذا برزت فتاة الخدر حسرى
تقود ذوي العقول إلى الجنون
قال الأستاذ المفكر محمد محمد حسين -حصوننا مهددة من الداخل-(ص83):” وفي الوقت الذي يتجرع فيه الغرب آثار خروج المرأة على فطرتها ووظيفتها، كان بعض كتابنا ومفكرينا ينادون بأن نأخذ في ذلك الطريق الذي انتهى بالغرب إلى ما هو فيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية هزت دعائم مجتمعه هزَّاً عنيفاً أفقده استقراره واتزانه وعرَّض سلامته وكيانه لأشد الأخطار…
وأخطر ما في هذه الدعوة وأمثالها مما يراد به حملنا على كل فاسد من مذاهب الغرب أن أصحابها يريدون إقحامها على إسلامنا زاعمين أنها لا تعارضه. وقد كان قاسم أمين هو أول من جرَّأ الناس على تحريف النصوص؛ حين طلع علينا بطائفة من المزاعم التي تقوم على المجازفة، ومن النصوص المحرفة عن مواضعها والمخلوعة من سياقها خلعاً يخرجها عن مدلولها، وحين تصيَّد من كتب التاريخ ورواياته – على اختلاف درجاتها ودرجات مؤلفيها – كلَّ شاذ غريب فحشدها في حيِّز واحد وضمَّ بعض أشتاتها إلى بعض، حتى خيَّل إلى قارئها أنها – على شذوذها وقلتها – شيء مألوف كثير الوقوع. ومع أن هذا الذي جمعه هو خلاصة ما في الكتب – صحيحها وسقيمها – من غرائب الأخبار والآراء التىِ تصور حالات شاذة نادرة لا تنهض بها حجة ولا يَبْطُلْ بها عرف، ومع أن كثيراً من النصوص التاريخية أو الفقهية التي اقتطفها ناقصة الدلالة غامضة العبارة، فقد استطاع أن يروج ذلك كله بين الناس بمرور الأيام، بفضل قوة حزبه الذي كان يسميه اللورد كرومر. حزب الشيِخ مُحَمَّدْ عبده حتى أصبحت هذه النصوص مِنْ بعدُ – على فساد الاستدلال بها – هي البضاعة المشتركة لمتابعي دعوته ومطوِّريها. وذلك كله هو الذي دعا الشاعر شوقي – رحمه الله – إلى أن يتساءل عن حقيقة صنيع قاسم أمين: أهو غيرة المدافع عن النصوص الإِسلامية، أم هو إغارة المحرف لها عن مواضعها ؟. وذلك من قصيدة له ألقاها سنة 1928 م، وعرض فيها للباقته في الاستدلال، وبراعته في الجدال، فقال:
ولك البيان الجَزْلُ في
أثنائه العلم الغزير
في مطلبٍ خشنٍ كثيـ
رٍ في مزالقه العثور
ما بالكتاب ولا الحديث
إذا ذكرتهما نكير
حتى لنسأل: هل تغا
ر على العقائد أم تغير؟
حقيقة حزب الشيخ محمد عبده
في تقاريره المرفوعة إلى البرلمان الإِنجليزي (ط لندن) تقرير سنة (1905- 1906) الفقرة 7 ص 15 – 16.
وفي كتابه (Modern Egypt)، أوصى اللورد كرومر بذلك الحزب خيراً، وعلق على رجاله الرجاء والآمال في رعاية المصالح الإِنجليزية؛ عن طريق إنشاء علاقات من الود والتفاهم بين الإِنجليز وبين المسلمين في مصر.
وبمناسبة تعيين سعد باشا زغلول وزيرًا للمعارف سنة 1906، نصح كرومر بأن يُمنحوا “حزب محمد عبده” كل تشجيع ممكن. يقول : إن اختيار سعد زغلول لهذا المنصب ليس إلا تنفيذاً لسياسة ترمي إلى تأييد هذه المدرسة، ووضع مقاليد السلطة في يدها. … (وسوف نراقب ما تتمخض عنه هذه التجربة من آثار في عنايةٍ وانتباه. فإِذا نجحت التجربة، وذلك ما آمله وما أعتقده، فسوف نمنح قدراً أكبر من التشجيع للسير في الاتجاه نفسه إلى مدى أبعد، أما إذا فشلت التجربة، فستكون النتيجة الحتمية لذلك هي الاعتماد في شؤون الإِصلاح على الأوربيين – وعلى الإِنجليز خاصة – إلى مدى أكبر مما جرى عليه العمل سابقاً، وأيةً ما كانت الحال فلن يكون هناك سبيل إلى التراجع. إن العمل يسير بجد ونشاط في إدخال المدنية الغربية إلى مصر، وهو يأخذ طريقه بتقدم ونجاح في كل إدارة من إدارات البلد، حسب خطة مرسومة وضعت خطوطها بعد دراسة للموقف. تقوم على التطور والتدرج، لا على الانقلاب العنيف والتغيير المفاجيء!
زر الذهاب إلى الأعلى
أحسنتم جزاكم الله خيراً
🌟🌟🌟🌟
والعجب كل العجب من دعم الاستعمار لمدرسة محمد عبده، وثناء التقدميين في نفس الوقت عليه، وأتذكر أن الكتابات التقدمية في بلادنا كانت تخجل من الاعتراف بهذه الحقيقة أي كونه مدعوماً من سلطة الاحتلال، فهي تثني على هذا الحزب وزعيمه الشيخ، وفي نفس الوقت تبني للمجهول خبر تعيينه في المناصب الدينية، فتقول: وعُيّن، وتم تعيينه، ووصل إلى منصب كذا، أما الفاعل فهو من الجن 🤷🏻♂️، ألم يخطر ببال التقدميين أن البرامج التي يدعمها الاحتلال لا تساهم في التقدم الذي ينشدونه؟
والعجب الثاني من حماس الاحتلال لتطبيق برامج اجتماعية على منهج الغرب، وفي نفس الوقت تصديها لتطبيق أي برامج علمية من نفس المنهج، فدعاة تحرير المرأة والشذوذ والانفلات الأخلاقي يحصلون على كل أشكال الدعم، في حين يتم اغتيال العلماء وقصف المشروعات العلمية وفرض الحصار على التجارب النهضوية، ملاحظة جديرة بالتأمل لمن يعتقد أن التعلق بالغرب وتقليده هو سبيل النهوض.
بارك الله فيك دكتورنا الحبيب على هذا الجهد الطيب
بإذن الله
تحياتي واحترامي وان التشابه كثير في الاسلام وفي كل شيء والله حذر منه كثيرا في قرانه الكريم يتبعون ما تشابه والمتشابهات لان الله حكيم ويعلم ان هناك خطوط رفيعة بين الحق والباطل والذكي الحصيف الذي يدركه ويعرف ويميز الحق اي الخيط الابيض من الاسود واثبات الشهر القمري او بالتحديد رمضان وعيده وايام الحج والذي يرى الخيط ذو رؤية ثاقبة وبعيدة ومتانية وثابتة وذكية وهذا ما لمسته فيك دكتور احمد الزبيدي باحثنا الذي ينبش التاريخ ويضع عين الحقيقة والحق عليه وان اشارتك للغة ونحوها وتشكيل حروف كلامها فالمفردة في اللغة لها معان مختلفة حسب حركاتها وكذلك نحوها وهذا يدل على بطلان ادعائهم وثبات ما تقوله وتثبته وتدافع عنه جزاك الله كل الخير واعطاك القوة والعافية واعانك على المضي في طريقك مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم ولاستقصائك الحقائق وتتبعك مساراتها والخوض في حقل الالغام كفدائي يسعى للحق والحقيقة .تحياتي مهند الشريف
جميل
مقال جميل أخي أحمد ، والمشكل فيه هو عنوان المقال (بين العامية والفصحى) وهذا الموضوع أخذ مقدمة المقال فقط ، بينما غطى معظم المقال مسألة الحجاب التي لا علاقة لها بالعنوان سوى أن قاسم أمين هو القاسم المشترك بين الموضوعين.
ألقاب مملكةٍ في غير موضعها
كالهرّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ
في وقتها…
يميناً لئن هان العراق لما علا
ليعربَ صوتٌ في سماء ولا نادي
صدق الكنعاني رحمه الله
صباح الخير,
اللغة باب الأدب والحياة وكل من يدلو بدلوه فيها تعطيه حسب ما أعطاها فإن رفعها رفعته معها وإن حاول أن ينزلها سقط لوحده.
نقدك صحيح، وهذا هو مقصودي، لأن عداوتهم للعربية هي في الحقيقة ستار لعداوتهم للاسلام!