مقالات

وقفات مع المتنبي  (25) د. أحمد الزبيدي         –         الإمارات

 (ج 2) السرقات النثرية

د. أحمد الزبيدي

قال د. بدوي طبانة “السرقات الأدبية”(ص1) :”موضوع السرقات الأدبية من أهم الموضوعات التي أولاها نقاد الأدب كثيرًا من عنايتهم، وخصوها بمزيد من اهتمامهم. ولعل هذا الموضوع كان من أبرز الموضوعات التي عالجها النقد الأدبي في قديمه وحديثه، إذ كان من أهم الأهداف النقدية الوقوف على مدى أصالة الأعمال الأدبية المنسوبة إلى أصحابها ، ومقدار ما حوت من الجدة والابتكار، أو مبلغ ما يدين به أصحابها إلى سابقيهم من المبرزين من الأدباء من التقليد أو الاتباع”.

والسرقات الأدبية ليست حكرًا على الشعر فقط، بل قد تطال النثر أحيانًا، فمن أوائل السرقات العلمية في تراثنا الأدبي؛ ما ذكره المؤرخون من خبر سطو الإمام أبي يعلى الحنبلي على كتاب “الأحكام السلطانية” للإمام الماوردي الشافعي!

بين الماوردي وأبي يعلى

قال الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في كتابه –”ذكريات” (ج8ص361):”وأعجب سرقة وأخفاها؛ هي كتاب “الأحكام السلطانية”؛ ومن يسرق كتاباً في النحو أو البلاغة أو الأدب لا يكاد يُكشف أمره لأنها علوم معروفة وطرق مسلوكة ومسالك مطروقة، أما كتاب (الأحكام السلطانية) فإن موضوعه مبتكَر، ما أُلّف فيه قبله ولا كُتب بعده -فيما أعلم أنا- إلاّ ما أُخذ منه.

و “الأحكام السلطانية” كتابان بين أيدي الناس، عنوانهما واحد، وموضوعها واحد، وترتيبها واحد، وكل شيء فيهما واحد، إلاّ أن أحدهما يستشهد بأحكام الفقه الشافعي والآخر بأحكام من الفقه الحنبلي، ومؤلفاهما كانا يعيشان في عصر واحد وفي بلد واحد، وكلاهما كان قاضياً، وأحسب أنهما كانا في محكمة واحدة، وكلاهما عالِم كبير في مذهبه، هما: الماوَرْديّ الشافعي الملقَّب بأقضى القضاة، والقاضي أبو يعْلَى الذي إذا أُطلِقَ اسم القاضي عند الحنابلة انصرف إليه. فمَن منهما الذي أخذ من الآخر؟ معضلة مرّت عليها القرون ولم يستطع أحدٌ أن يحكم فيها بدليل، ولكن الذي يميل القلب إليه أن المؤلّف الأصلي هو الماوَرْدي الشافعي لأن له كتباً أخرى تشبه هذا الكتاب، وأبو يعلى -على علوّ قدره في الفقه- ما في كتبه ما يشبه هذا الكتاب، لا في ترتيبه ولا في أسلوبه. هذا والله وحدَه هو العالِم بحقيقة ما كان!.

ولقد صدق حدس الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله-، ولو اطلع الشيخ الطنطاوي رحمه الله على كتاب ” الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر” للإمام السخاوي (ت ٩٠٢هـ)، لقطع وجزم برأيه.

فقد ذكر السخاوي في (ج1 / 390) ‌‌(فصل) : في من أخذ تصنيف غيره؛ فادعاه لنفسه، وزاد فيه قليلًا ونقص منه، ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل، وذكر كتاب “‌الأحكام ‌السلطانية” لأبي يَعْلَى، أخذها من كتاب الماوردي، لكن بناها على مذهب أحمد.

بين الطنطاوي والعقاد وهيكل

على أن الطنطاوي نفسه قد عانى من داء السطو هذا، فقد قال:       ” ‌السرقات كثيرة، وطالما سرق كبار الكتاب وأنكر الناس عليهم سرقاتهم: العقّاد سرق فكرة من شوبِنْهاور، وأفكارًا من غيره، والمازني سرق من قصة ترجمها هو للكاتب الروسي هاتزيباشيف، ومن لم يسرق اقتبس كما قبس الموسيقي محمد عبد الوهاب من موسيقى الإفرنج جملاً كثيرة لا يعرفها ويميزها إلاّ من له بصر بالموسيقى، حتى إنني لأظن أن أغنيته “ما أحلاها عِيشة الفلاّح” مقتبَسة -ولو من بعيد- من الأغنية المشهورة: “على بلدِ المحبوب ودّيني”.

وما قاله الشيخ الطنطاوي في محمد عبد الوهاب نقوله نحن في حق (الأخوين الرحباني).

  • وفي كتابه “ذكريات” (ج1 ص103) قال الشيخ الطنطاوي :        ” في كتابي “أبو بكر الصدّيق” المطبوع من أكثر من خمسين سنة وكتاب «عمر بن الخطاب» ثم «أخبار عمر» الذي جمعته من مئة وسبعين مرجعاً، قد وضعت في الذيل مصدر كل خبر (الكتاب والطبعة والجزء والصفحة)، فأخذ ذلك كُتّاب كبار وصغار منهم العقاد في «العبقريات» ومحمد حسين هيكل، ونسبوا الخبر إلى مصدره ،وأهملوا ذكر كتابي الذي نقلوا منه اسم المصدر، ولي على ذلك أدلة وبراهين وقد قلته من قبل، سامحهم الله”.

 بين محمد الغزالي السقا وغيره

ولقد قرأت في أحد كتب الشيخ محمد الغزالي-ولا يحضرني الآن اسم الكتاب- كلاما يتهم فيه أحد الكُتاب المشهورين، يتهمه فيه بسرقة كتبه، ولم يسمه ، ولقد وقع في نفسي اسم ذلك الكاتب المشهور بعد مقارنة أسلوبه في بعض كتبه بأسلوب الغزالي، وإنني أتورع عن ذكره لأن الغزالي نفسه لم يفعل.

بين السهيلي وابن القيم 

 ذكر د. محمد ابراهيم البنا في مقدمة تحقيقه لكتاب”نتائج الفكر في النحو” للإمام السهيلي سطو الإمام ابن القيم-رحمه الله- على كتاب السهيلي، فقال: “ولقد عرفت السهيلي أول الأمر- كما عرفه غيري -اسما يتردد في كتب النحو ، إلى أن وقع في يدي كتاب “بدائع الفوائد ” لابن القيم فوجدت اسم السهيلي يتردد فيه كثيرًا ، ووجدت له من الآراء والاجتهادات ما حدابي إلى البحث عن آثاره ومصنفاته، إلى أن هديت إلى هذا المخطوط “نتائج الفكر” ، وبالموازنة بين “بدائع الفوائد” وبينه تبين لي أن ابن القيم قد استطاع أن يدعي نحو السهيلي لنفسه، بتضمينه كتاب “النتائج” كتابه، بعد أن حذف مقدمته، وقدم وأخر، وزاد قليلا واختصر ، حتى ليظن القاريء أن النحو الذي يسوقه ابن القيم في كتابه من بدائعه، والحق أنه ليس له فيه نصيب من قريب أو بعيد، وأن البدائع المسطورة في كتابه هي :”نتائج الفكر”. وعلى أي حال فإن الكتابين مطبوعان، ويستطيع طالب العلم أن يقارن بينهما ويكون في الخيار بين أن يصدق دعوى البنا أو يكذبها.

وأذكر انني قمت بمقارنة سريعة بين الكتابين فهالني استشهاد ابن القيم بالسهيلي عشرات المرات من غير أن يفصح عن اسم الكتاب، فمرة يذكر كلامه بنصِّه ويقول: (قال السهيلي)، و (تم كلامُه) ، ومرة يقول : (رأيتُ للسهيلى فصلاً حسنًا هذا لفظه)، ومرة: ينقل الفائدة، وفي ذيلها يقول: (هذا لفظ السُّهيلي)، وأحيانًا يقول: (وهذا ما أشار إليه السُّهيلي فقال) ويسوقُ كلامه. وتارة يقول: (فائدة من كلام السهيلي).

وتارة قد يبهم فيقول: (وقال بعض الناس).

ولا شك أنه كان معجبًا به أشد الإعجاب حتى أثنى عليه بقوله: (وهذا الجواب من أحد أعاجيبه وبدائعه رحمه الله). بل وصفه بأجمل واحسن من هذا ، فقال عن كلامه :(كلامه هذا من المرقِّصَات، فإنه أحسن فيه ما شاء)

ولعله شعر بذلك فاعتذر عنه بقوله: “لبدائع” (ج2 ص418):”فوافق فيه الخاطرُ الخاطرَ”.

والحق أقول إن ابن القيم وإن اقتبس مادة كبيرة من كتاب السهيلي فإنه لم يكن مجرَّد ناقل ومقرَّر لكلام السهيلي -على اعترافه له بعلو الكعب- بل جاراه في المضمار، وناقشه في الرد والإقرار !

بين ابن أبي العز وابن تيمية

 لا يشك طالب العلم الذي يقرأ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز أن شرحه؛ كله أو جله مستفاد من كتب الشيخ ابن تيمية -رحمه الله- دون أدنى عزو أو إشارة إلى ذلك، وقد سمعت د. عبد الكريم الخضير يعتذر عن ذلك بقوله -ما معناه -:”إن كتب ابن تيمية كانت تجلب العقوبة والأذى”.

   بين ابن حجر والعيني

مثل هذا كتابا؛ “فتح الباري” للإمام ابن حجر، و”عمدة القاري” للإمام العيني، فلطالما ناقشت فيها شيخنا الجليل مفتي الحنفية في دبي؛ الشيخ جيهان نقاب. فهي كما عبر عنها الشيخ الطنطاوي معضلة مرّت عليها القرون ولم يستطع أحدٌ أن يحكم فيها بدليل، حتى جاء الإمام السخاوي نفسه وأصدر فيها حكمه الأخير، قال- الجواهر والدرر- (ج1 ص394) :” وقرأتُ بخطه أيضًا: “شرح البخاري” لبدر الدين العيني. أخذه من “فتح الباري” لابن حجر، ونقص منه وزاد فيه قليلًا، ولكن أكثرَهُ يسوقُه بحروفه، الورقةَ والورقتين وأقلَّ وأكثر، أو يعترض عليه اعتراضاتٍ واهية .

ولقد ذكر السخاوي أخبارًا تؤكد ما ذهب إليه من رأي، وذلك مثل؛ أن الشيخ بدر الدين العيني كان يرسلُ له(يقصد ابن حجر) مرارًا يسأل عن أشياء في الرِّجال وغيرها. ولابن حجر كتاب يشهد بذلك: (الأجوبة الأبنية عن الأسئلة العينية)، سأله إياها البدر العيني.

وأعلى مِنْ هذا كلِّه: أنَّ البدر العيني لمَّا شرع في “شرح البخاري”، رام استعارة “شرح” صاحب التَّرجمة مِنْ شيخنا البرهان ابن خضر، فتوقَّف حتى استأذنه، فأذِنَ له رغبةً في عموم النفع.

ومن طريف ما يروى بين الإمامين؛ ما جاء في كتاب “أدب الفقهاء” لعبد الله كنون، قال:

“ومن ذلك ما وقع بين الحافظ ابن حجر العسقلاني وبدر الدين العيني وكانت علاقتهما على غير ما يرام. فاتفق أن منارة المدرسة المؤيدية بمصر مالت على برج باب زويلة. فأكثر الشعراء من القول في ذلك, وقال ابن حجر هذين البيتين معرضًا بالعيني:

لجامع مولانا المؤيد رونق

منارته بالحسن تزهو وبالزين

تقول وقد مالت على البرج أمهلوا

فليس على جسمي أضر من العين

وبلغ ذلك العيني فقال وأجاد:

منارة كعروس الحسن اذ جليت

 وهدمها بقضاء الله والقدر

قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط

 ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر

وقال ابن حجر في كتابه “إنباء الغمر” أنه اُنشد بيتيه في مجلس المؤيد، وكان العيني إذ ذاك شيخ الحديث بالمؤيدية، فأراد بعض الجلساء العبث بالشيخ بدر الدين العيني فقال له إن فلانًا عرض بك، فغضب واستعان بمن نظم له بيتين ونسبهما لنفسه، وهما للنواجي لا بارك الله فيه، مع أن المقريزي نسب البيتين إلى البدر العيني”.

بين السيوطي والسخاوي

في كتابه: “الضوء اللامع لأهل القرن التاسع” (ج4 ص68) اتهم الإمام السخاوي”(ت 902هـ)، الإمام جلال الدين السيوطي بالسَّطْو على كتبِ الآخرين ثم نسبتِها لنفسه، وقال إنه حين كان يتردَّد عليه اختَلَس منه كثيرًا من الأعمال: “كالخصال الموجبة للضلال، والأسماءِ النبوية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وموت الأبناء،…وغيره”، كذلك سطا على المكتبة المحموديَّة وغير وبدل في كتبها القديمة التي يجهلها كثير من المعاصرين ونَسَبَها لنفسه، وهوَّل في مقدماتها بما يتوهَّم منه الجاهلُ شيئًا مما لا يوفي ببعضه، وزعم أنه سطا على كتاب “تحريم المنطق” وغير فيه وبدل ونسبه لنفسه، وباقي كتبه اختلسها من الحافظ ابنِ حجر بعد أن مسَخَها، مثل: “لُباب النقول في أسباب النزول”، “وعين الإصابة في معرفة الصحابة، والنُّكَت البديعات على الموضوعات”، “والمدرج إلى المدرج”، “وتذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي”، “وتُحفة النَّابِه بتلخيصِ المتشابِه”، “وما رواه الواعون في أخبار الطاعون”، “والأساس في مناقب بني العباس”، “وجزء في أسماء المدلِّسين”، “وكشف النقاب عن الألقاب”، “ونشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير”.

وقد تولَّى السيوطيُّ-رحمه الله- الردَّ على هذه الادِّعاءات بقلمِه اللاَّذِع وأسلوبِه الساخر وحُجَجه القوية ومنهجِه الموضوعي، فألف مؤلفات في ذلك، منها؛ ” الكاوي لدماغ السخاوي” “الفارِق بين المصنِّف والسارق”، و”الكاوي في تاريخ السخاوي”، و”الدوران الفلكي على ابن الكركي” و”القول المجمل في الرد على المهمل” و”طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة” و”التعريف بآداب التأليف” وغيرها، كما نهض للدفاعَ عنه عددٌ من العلماء ، مثل الإمام الشعراني – المتوفَّى سنة 973 هـ – في “ذيل الطبقات” والإمام الشوكاني – المتوفى سنة 1250 هـ – في “البدر الطالع” (ج1 ص329)، وفيه يقول عن السخاوي: “كثيرُ التحامُل على أكابرِ أقرانِه، لا يقيم لهم وزنًا، بل لا يَسلم غالبُهم من الحطِّ عليه، فلْيَعرف المطَّلع على ترجمةِ هذا الفاضل – أي: السيوطي – في الضَّوء اللامع أنها صدرت من خصمٍ له غير مقبول عليه”، يقول الشوكاني: “ما زال دأبُ المصنِّفين، يأتي الآخِر فيأخذ من كتبِ مَن قبلَه، فيختصِرُ أو يوضِّح أو يَعترض، أو نحو ذلك من الأغراضِ التي هي الباعثة على التصنيف، ومَن ذاك الذي يعمد إلى فنٍّ قد صَنَّف فيه مَن قَبْله فلا يأخذ من كلامه؟.

بين السيوطي والقسطلاني

قال العيدروسي في”النور السافر” (ص 107) – في ترجمة القسطلاني -: “ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغض منه، ويزعم أنه يأخذ من كتبه، ويستمد منها، ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الاسلام زكريا، فألزمه ببيان مدعاه، فعدد عليه مواضع قال: إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إن للبيهقي عدة مؤلفات، فليذكر لنا ما ذكر في أي مؤلفاته، ليعلم أنه نقل عن البيهقي، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمته. وكان الواجب عليه أن يقول: نقل السيوطي عن البيهقي”.

اعتراضٌ على أبي حامد الغزالي

  • وقد اعتُرض على الإمام أبي حامد الغزالي –رحمه الله- في بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفه في “أسرار علوم الدين”، فنعت المنتقدين بأنهم طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم، ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم، ثم قال مخاطبًا المدعي عليه:” وزعمت أن تلك الكلمات من كلام الأوائل، مع أن بعضها من مولدات الخواطر، ولا يبعد أن يقع الحافر على الحافر”.

  • سرقات متنوعة

اشتهرت سرقات ابن نباته من علاء الدين الوداعي، كما اشتهرت سرقات صلاح الدين من ابن نباتة، ولما وقف ابن نباتة على المسروقات ألف في ذلك كتاباً سماه “خبز الشعير”؛ لأنه مأكول مذموم، ونقد فيه الصفدي وأورد كثيراً مما سرقه ، وقد نتبع ابن حجة في كتبه عشرات من سرقات الصفدي وابن نباتة وغيرهما. ومن ذلك قول ابن نباتة:

  ومولع بفخاخ

 يمدها وشباك

 قالت لي العين ماذا

 يصيد قلت كراكي

فقال الصفدي:

أغار على سرح الكرى عندما رمى ال

 كراكي غزالًا للبدور يحاكي

فقلت ارجعي يا عين عن ورد حسنه

ألم تنظريه كيف صاد كراكي

على أن ابن حجة هذا لم يسلم مما انتقده على غيره، فقد تُعقّب من الأديب شمس الدين النواجي، فنقده في كتاب “المحجة في سرقات ابن حجة” وللبدر الدماميني كتاب آخر:”نزول الغيث”، نقد فيه الصفدي في كتابه “لامية العجم” .

سرقات العصر الحديث.. إبراهيم المازني

لعل أبرز الاتهامات في العصر الحديث؛ تلك التي وجهت إلى الأديب عبدالقادر المازني، فقد وُجِّه له اتهام بالسرقة في الشعر وفي القصة, فقد هاجمه عبد الرحمن شكري بأنه يترجم شعر بعض الشعراء الإنجليز وينقله إلى قصائد دون الإشارة إليه، كما وجهت إليه الاتهامات بأنه ترجم قصة “ابن الطبيعة” وأنه نقل فصولًا كاملة منها في قصته الأولى “إبراهيم الكاتب” وسيأتي كلام الطنطاوي عن ذلك.

وقد حفلت أعداد مجلة “النهضة الفكرية” التي أصدرها د. محمد غلاب سنة 1932 بمقالات متعددة تحت عنوان “سرقات المازني” وقد رد المازني على هذه الاتهامات في مقال طويل في مجلة الرسالة بعنوان :”السرقات الأدبية”، وبدأه بقول:” سأقص على القراء حادثة أعذر من لا يصدقها ولا ألوم من يرتاب في صحتها، ولكنها مع ذلك حقيقة، وبعض الحقائق أغرب من تلفيقات الخيال”.

وإذا كان المازني قد دبج مقالات عديدة في الرد على التهمة التي ألصقت به، فإن الأديب السوري علي أحمد سعيد المعروف بلقب “أدونيس” لم يستطيع الدفاع عن نفسه إلا بما يشبه إدانة نفسه أكثر فأكثر.

سرقات أدونيس

هوجم الرجل من أستاذين قديرين ، عمدا لتأليف الكتب من أجل إدانته بالبراهين والأدلة الدامغة، فقد قام الأستاذ سامي مهدي بتأليف كتاب عن سرقات أدونيس وسماه “أفق الحداثة وحداثة النمط”، ثم حاء الأستاذ كاظم جهاد ليؤلف هو الآخر كتابًا آخر سماه “أدونيس منتحلاً” من خلال مقارنة نصوص “أدونيس” مع النصوص الأجنبية لتبين بما لا يدع مجالا للشك ثبوت التهمة عليه! وقد اخذوا على “أدونيس” قيامه بالدفاع عن نفسه فبل فضحه وكشفه، فكتب مرة يقول: “إن العناصر كالنثر والوزن والأفكار إلى آخره ليست ابتكارًا لشاعر محدد، وإنما هي موجودة موضوعياً وجود الأشياء، ولهذا فإن استخدامهما لا يكون سرقة أو تقليداً”، وهذا اعتراف صريح من أدونيس، غير أن ما قام به -في عرفه- ليست سرقة؛ فالأدب مشاع للجميع، وكل يأخذ منه كما يشاء.

وقد كتب الشيخ علي الطنطاوي في مقال له يشكو هذه الظاهرة، قال:” أما السرقات الأدبية فلها حديث قديم جدًّا طويل جدًّا، كتبت فيه في غير هذا الموضع، وقد ظهر الآن لون منها ما عرفه الأولون هو سرقة المطبوعات. وقد تجرَّعت منه المرَّ وذقت منه الصَّابَ والعلقم. آخذ كتابي المطبوع بإذني وعلمي والكتاب المسروق، فلا أميز أنا واحداً من واحد؛ لأن الورق هو الورق والحرف هو الحرف والحبر هو الحبر!

بين محمود شاكر وطه حسين وعزام

وعلى كل حال فإن المُر الذي تجرعه الطنطاوي، والصاب الذي ذاقه لا يقارن بما عاناه محمود شاكر من جراء سطو د. طه حسين، ود. عبد الوهاب عزام على كتابه”المتنبي”، وقد تسبب ذلك بعقدة نفسية كادت تعصف بحياة أبي فهر، ألجأته إلى ترك الدراسة والاعتزال في بيته سنين طويلة.  وقد كتب مقالات عديدة كاشف فيها الرجلين بفعلتهما وتحداهما أن يثبتا عكس ذلك، فما أحريا جوابًا!

بين محمد الغزالي وغيره

لقد قرأت في أحد كتب الشيخ محمد الغزالي-ولا يحضرني الآن اسم الكتاب- كلامًا يتهم فيه أحد الكتاب المشهورين، يتهمه فيه بسرقة كتبه، ولم يسم أحدًا، ولقد وقع في نفسي اسم ذلك الكاتب المشهور بعد مقارنة أسلوبه في بعض كتبه بأسلوب الغزالي، وإنني أتورع عن ذكره لأن الغزالي نفسه لم يفعل.

بين العضيدان وعائض القرني

 لعل قصة كتاب “لا تيأس” للشيخ الداعية عائض القرني من أشهر القصص التي صار له دويٌّ كبير في عالم الصحافة، وقاعات المحاكم، ففي عام 2007، طبعت د.  سلوى العضيدان كتابها ” هكذا هزموا اليأس”، بعد أن عكفت عليه أربع سنوات، فلم ينتبه له الناس، فانتشر الكتاب انتشارًا واسعًا ، غير أن مؤلفه هذه المرة كان الشيخ الداعية عائض القرني، فحاولت د. سلوى إقناعه بالاعتذار وسحب الكتاب، فأبى الشيخ وحاول قطع لسانها بمبلغ من المال، فأبت سلوى إلا أن بحكم المحكمة، ولم يطل الأمر حتى حكمت المحكمة لصالح د. سلوى، فحكمت لها المحكمة بـ (300 ) ألف ريال سعودي. وقد كتبت د. سلوى عن ذلك بقولها إنها تعرضت لأكبر طعنة في حياتها على يد القرني، لأنها سبق أن نصرته وآزرته بقلمها عندما اعتزل الأضواء وأغلق عليه باب بيته، ثم أهدت له نسخة من كتابها في 2007، ولم تتصور أن يقابل جميل صنيعها بالسطو عليها، وأ كتبَتْ: ” تمت سرقة ما نسبته 90% منه من كتابي “هكذا هزموا اليأس” بنفس صياغتي للمواضيع وبنفس تعليقاتي وبنفس الأخطاء المطبعية”. و أضافت: “المضحك المبكي أن مقدمتي التي قمت بتأليفها من بنات أفكاري تم السطو عليها هي أيضًا وأدرجت ضمن مواضيع الكتاب”.

هذه الحادثة عبر عنها الروائي عبده خال في مقال بصحيفة “عكاظ “تحت عنوان “سرقة الشيخ عائض القرني”، قال فيه: “حقيقة لم أكن أتمنى أن يسقط الداعية الدكتور في قضية سرقة فكرية لأنها أخطر من السرقة المالية، كون الأمر يتعلق بشخصية لها مريدوها ولها حضورها الدعوي الطاغي وهي تزودنا بـ قال الله وقال الرسول”.

بين رائد صبري ومشهور

ألف الشيخ رائد صبري كتابًا ساق فيه دعاوى كثيرة تجرم الشيخ حسن مشهور، وسماه (كشفُ المستور عن سرقات مشهور)، لكنه أحجم عن طباعته إيمانا منه بأنه لو طبعه فسوف يقضي على مشهور.

وقد أبان الشيخ رائد صبري عن المصنفات التي عزاها مشهورٌ لنفسه وهي في الأصل من تأليفه هو. مثل كتاب ؛ “معجم المصنفات الواردة في فتح الباري”، قال: “هذا الكتاب الذي استغرق العمل فيه أربع سنوات، على أن يخرج باسمي وبتعليق مشهور، وأن يقوم بالاتفاق مع ناشر بخصوصه؛ لعدم تفرغي لذلك، فقد التحقت آنذاك بالخدمة العسكرية الإجبارية”، وعندما انتهى من تعليقه على الكتاب؛ قام بإرسال الكتاب إلى مركز الصفّ لِصفِّ الكتاب، وفعلاً صُفَّ الكتاب.

 و أضاف الشيخ رائد صبري: “طلبت من مشهور الإطلاع على كتابي وعلى ما كتبه بعد الصفّ؛ إلا أنه تلكأ، فعجبتُ من ذلك غاية العجب، وبعد إلحاح شديد مني؛ أخذت الكتاب، فوجدته قد كتب مقدمةً مليئة بالكذب، أظهر من خلالها أن هذا الكتاب من صنع يده، وأنه قام بكل عمل فيه، وعندما اطّلعت على ذلك؛ قمت على الفور بالاتصال به، وأخبرني أن الذي وقع في مقدمة الكتاب من تصرف مركز الصفّ، وأنه سيقوم بتعديل ذلك … وما شاكلَه، وبعدها؛ لم أر الكتاب إلا وهو مطبوع، وللأسف الشديد بقيت المقدمة كما هي، ولم يغيّر شيئاً من ذلك، فاستأتُ كثيراً لذلك، وقمت على الفور بإخبار بعض الإخوة بذلك، وعلى رأسهم الدكتور محمد موسى نصر، كما قمت بسحب كتبي التي كانت عنده مثل: “الإعلام بما فُهم خطأ من حديث سيد الأنام” والمطبوع حاليًا تحت عنوان: “تصحيح الأخطاء والأوهام الواقعة في فهم أحاديث النبي عليه السلام” و “الفوائد البهية بأحكام التشميت الشرعية” و “ثمرات النظر في علم الأثر”، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى موقع د. محمود الحايك، و”ملتقى أهل الحديث” .

بين الكويتي والهلالي

للشيخ أحمد الكويتي كتاب بعنوان: ” الكشف المثالي عن سرقات سليم الهلالي” قدم له الشيخ محمد الأرناؤوطي بقوله: “فقد عرض علي أخي الفاضل أحمد كتابه هذا الذي بين أيدينا وهو (الكشف المثالي) فقرأته، وشجعته على طباعته، وذلك لأمور عديدة. من أهمها أن يعرف القاضي والداني أن الدعوة السلفية دعوة حقة ليست ملكًا خاصًا لعالم مهما كان علمه واجتهاده فيد خل فيها من يشاء ويخرج منها من يشاء بجرة قلم، بعبارة أخرى إن الدعوة السلفية الحقة لا تعرف (باللحى الممشطة) ولا تقيم لها وزنًا ولا اعتبارًا إذا خرجت عن الطريق.. فيخرج ناس من الدعوة ليقول لأولئك: (مهلًا.. إلى أين أنتم ذاهبون)؟!. فهذه الدعوة لا تقبل في صفها وصوليين ولا تجار كلام، فإذا ظهر في صفوف الدعوة أمثال هؤلاء أخرج الله لهم من صفوف الدعوة نفسها من ينبههم إلى خطئهم وإن كان بعض كبارها مشغولين عن مثلهم فلم ينتبهوا لهؤلاء أو لعلهم انتبهوا، ولكن لم يقدروا الأمور كما تجب فتغافلوا عنهم.

الأمر الثاني.. أننا معشر السلفية نحارب البدعة بشتى أشكالها. ومن شر البدع، التدليس في العلم. والافتراء عل الناس وسرقة جهودهم. والفتيا بغير علم. فوجب علينا بصفتنا سلفيين حقيقين محاربة من كانت هذه صفاته وإن نسب نفسه إلى السلفية، وتزيى ظاهًرا بزي أهلها. فكل دعوة في الدنيا فيها الوصوليون، والنفعيون، والمنافقون، والجهلة المتعالمون. فوجب عل العلماء والعقلاء في الدعوة إظهار هؤلاء المنتسبين إلى هذه الدعوة كذبا… فهذا كتاب والحمد لله ليس فيه كذب ولا افتراء ولا تجن على هذا المدعي العلم ولكني كأني بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) تقرع ناصية هذا المدعي فلا يرتجع بل يتمادى في غيه. وكل عيب عابه على غيره في كتبه وقع فيه. وكل صفة وصفها للناس. دمغته ووصمته هو.

“الفارق بين المصنف والسارق”

وقد ألف السيوطي كتاب “الفارق بين المصنف والسارق “، وهو مصنف فريد في بابه، وضعه على شكل مقامة أدبية؛ شدد فيه النكير على أحد سراق كتبه، قال: “هل أتاك حديث الطارق؟ وما أدراك ما الطارق؟! الخائن السارق، والمائن المارق.. فأوسعناه برا فقابله بجفاء، وعاملنا بغدر إذ عاملناه بوفاء، وتطفل علينا في الموائد، فأنعمنا له بشئ مما لدينا من الفوائد، وأذنا لطلبتنا أن يسمحوا له بإعارة مصنفاتنا الدرر الفرائد.. فما كان من هذا العديم الذوق، إلا أنه نبذ الأمانة وراء ظهره وخان، وجنى ثمار غروسنا وهو فيما جناه جان، وافتضّ أبكار عرائسنا اللاتي لم يطمثهن في هذا العصر إنس قبلنا ولا جان، وأغار على عدة كتب لنا، أقمنا في جمعها سنين، وتتبعنا فيها الأصول القديمة وما أنا على ذلك بضنين، وعمد إلى كتابي (المعجزات والخصائص) المطول والمختصر، فسرق جميع ما فيهما بعباراتي التي يعرفها أولو البصر، وزاد على السرقة، فنسبهما إلى نفسه ظلمًا وعدوانًا وما اقتصر، وقال: (تتبعت وجمعت ووقع لي)، قال تعالى: (ولمن انتصر)….”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. أتممت المقال الآن …….. قد أحسنت و زدت زادك الله من بره و فضله ……. موضوع يستحق الطرق و بقوة ليرتدع المائن السارق و يطوق بطوق العار في المغارب و المشارق

  2. منذ ساعة وأنا أقرأ المقال الجميل
    مقال جميل بل جميل جدا، ولا انتقاد على أي مما جاء فيه ولكن لدي الكثير من الحواشي التي أغراني مقالكم بكتابتها
    وسأوافيكم بها لاحقا.
    لقد كتبتَ عن السرقات الأدبية فما بالك بالسرقات الفنية
    ليس بالاقتباس وإنما بوضع توقيع السارق مكان توقيع الفنان الأصلي.
    وقد تعرض أخوك لهذا
    علماً أن اللوحات المسرقة بيعت والأصلية ما زالت نائمة في بيت صاحبها.
    أظن أن بعض الناس خُلِقوا ليُسرقوا
    كما خُلق آخرون ليَسرقوا
    وأنا من الصنف الأول
    وبلغة أخرى:
    لولا طيبة أولاد الحلال لما كان خبث أولاد الحرام
    إنها الحياة

  3. تحياتي واحترامي وان الواثق لا يقع مواقع الجدال فعقله يؤجر عليه ثوابا من الله حتى ولو ادعى احدهم انها افكاره وان الناس لا تنسى وتحفظ فضل العلم ولا يجحد الا جحود حسود .مقال جميل تتطرقت فيه لعدة جوانب وابعادها واستوفيت وذكرت الاسماء والكتب والردود رغم اني لا افضل الرد على السارق واعارته اهتماما وتلك هي السياسة والكياسة فالناس في مشاربها مذاهب وانت دكتور احمد الزبيدي باحث متمكن من ادواته وتقصيه وقراءاته ومعلوماته ومعرفته بسبك الكلام ودقة المعلومة والطرح .مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم ولتقديمك ونباهتك ودقتك وموضوعيتك وحساسيتك الادبية والعلمية تحياتي .مهند الشريف

  4. هما حافظان و بحران، و لكن مزية الحافظ هو أمير المؤمنين في الحديث.
    فالحديث فنه،
    ولكن حقيقة هما متضاهان حفظا و اطلاعا ، والعيني أوسع اطلاعا فقها و اختلافاً و أصولا و عربية ، والحافظ اوسع حديثا ففن الحديث عنده و ان كان العيني أيضا من الحفاظ و يعتبر بنقده و تصحيحه لكن الحافظ أدق ،
    والحافظ العيني أحيانا يعترض و الجواب يكون موجودا في عبارات الحافظ ، الحافظ رحمه الله عاش ثلاث سنوات بعد طبع وظهور العمدة و تصدى الحافظ للرد عليه و الجواب و مع ذلك بقي كثير من البياض في مواضع الأجوبة ،
    والفتح فيها علوم الحديث لا توجد تلك في العمدة ، و حل المفردات و اختلاف الفقهاء في العمدة أقوى وأكثر من الفتح ، و حيث لم يحرر الحافظ حل موضع فهناك ترى العيني كذلك لم يحرر ،
    أما كلام السرقة فهذا من المبالغات ، قلبي لا يطمئن، و كان العيني سريع القلم و الكتابة فتحير الناس من ظهور سفر كبير و في زمن يسير .
    فالحافظ أمير المؤمنين في الحديث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى