
د. أحمد الزبيدي
محمد تَيْمور
رائد القصة القصيرة
(1892 – 1921 م)
ذكر العَلاّمة خير الدين الزِرِكْلي في كتابه “الأعلام” محمد تيمور، فقال:” محمد بن أحمد بن إسماعيل باشا تيمور: كاتب قصصي مصري. مولده ووفاته بالقاهرة. وهو ابن الأديب العالم أحمد تيمور باشا. سافر إلى بَرلين لتعلم الطب، ثم تركه وانتقل إلى باريس، وأقبل على قراءة كتب الأدب الفرنسي. وعاد بعد ثلاث سنوات إلى مصر، وأولع بالتمثيل؛ فألف فرقة تمثيلية عائلية، كان هو بطلها ومؤلف (رواياتها) وأجاد نظم (المونولوجات) التمثيلية وإلقاءها وعاجلته الوفاة في الثلاثين من عمره.”
هذا ما جاد به بإيجاز العلامة الزِرِكلي، ومالم يقله نحن نقوله بشهادة معاصريه؛ وعلى رأسهم د. نفّوسة زكريا في كتابها النفيس “تاريخ الدعوة إلى العامية”، كي تكتمل الصورة، وتضحُ معالمها.
لا ريب أن محمد تيمور هو رائد القصة القصيرة في أدبنا المعاصر، على الرغم من رحيله مبكرًا، فقد توفي وهو في التاسعة والعشرين من عمره؛ بعد أن حفر اسمه في سجل الأدباء الخالدين. مما لا يشبهه في هذا أديب معاصر غير الشاعر الملهم هاشم الرفاعي الذي قضى (1935 – 1959) قريبًا من ذلك.
مسرحياته
قالت د. نفوسة :”تزعم تيمور حركة التمصير بعد محمد عثمان جلال، وكان تمصير المسرح أهم شاغل له في حياته الأدبية؛ بالتأليف، والتمثيل، والترجمة، والنقد. فكانت أغلب المسرحيات من تأليفه، أنه كان يؤثر التأليف على الترجمة. وربما سبب ذلك كما يقول أخوه محمود -مترجم حياته- أنه كان يرى أن نهضة التمثيل تأتي من هذه الوجهة، وقد ألف تيمور ثلاث مسرحيات هي؛ “العصفور في قفص”، و”عبدالستار أفندي”، و”الهاوية”، وقد كتبها كلها بالعامية”
أما (عبد الستار أفندي)، فهي كوميديا أخلاقية، و (العصفور في القفص)، مُثٌلت عام 1918م ، و (الهاوية)، وهي أفضل أعماله، وقد عالج فيها ظاهرة انتشار المخدرات، وله مسرحية(العشرة الطيبة)، وهي أشهر أعماله، اقتبسها عن مسرحية فرنسية، غير أنه مصَّرها، وجعل حوادثها تجري في عصر المماليك، ونقد فيها بعنف تصرفات الطبقة التركية. وقد راعى في مسرحياته أصول الفن التمثيلي مراعاة دقيقة، غير أنه كتبها بالعامية.
قال د. الجوادي :” يرى النقاد في مسرح محمد تيمور تميزًا خاصا من حيث أنه التزم بالواقعية،… ومن حيث استهدافه للموضوعية دون تكرار أو إطناب أو استطراد ، ومع هذا الالتزام بالواقعية والموضوعية وللعامية؛ فقد كانت شخصيات مسرحه من الطبقة الأرستقراطية، بل إنه حين كان يمثل هذه المسرحيات من باب التجريب الابتدائي فإنه كان يستعين بشقيقه وأصدقائه من طبقة د. حسين فوزي وأقطاب المدرسة الحديثة محمود طاهر لاشين وأحمد خيري سعيد”، وله أيضًا (وميض الروح) ضمنه مجموعة من نظمه ونثره و (حياتنا التمثيلية) و (المسرح المصري) .
قال الأستاذ محمد أمين حسونة:” كان فن المرحوم محمد تيمور يقوم على ميزات ثلاث: اللغة والمحاورة وبناء هيكل الرواية، وكان يؤمن بان الفن هو مرآة الطبيعة فيجب أن ننقل إليه الطبيعة كما هي من غير تجميل، ومن أجل هذا وكان ينتصر للعامية ويرى أنه يمكن أن نعبر بها عن كل ما يراد التعبير عنه، ولذا جاءت لغة الحوار في رواياته طبيعية لا أثر للصناعة أو التكلف فيها، وكانت نظرته للحياة اكثر إدراكاً فكان يستوضح مظاهرها ويدور في أعطافها ليستمد فنه من جميع نواحيها، انه ليخيل إلينا ونحن نطالع إحدى رواياته انه قد تقمص بطلها”.
كلمة حق
إذا استطاع مصطفى لطفي المنفلوطي من خلال كتابه (العبرات) أن يبلغ فيكون أبا القصة القصيرة “الخُداج”؛ فإن محمد تيمور، في مجموعته “ما تراه العيون” بلغ أن يكون أمها وأبوها بعد النضج والكمال. فتجربته كانت الخطوة التالية والمتممة لخطوة المنفلوطي الذي عبّد له الطريق، وربما يكون سبب ذلك أن هذا الفن غربي بامتياز، وأن محمدا كان على صلة قوية به حقيقة لا مجاز. ففي كتاب شفاء الروح لمحمود تيمور يذكر أن شقيقه محمد هو الذي امتدح له “موباسان” القصصي الفرنسي الشهير غير مرة، وقد كان معجبا به إلى حد الافتنان، كما كان كذلك على صلة قوية بالأدب المصري الحديث، بشكل عام، وبأدب المنفلوطي القصصي بشكل خاص، ففي باكورة قصصه القصيرة يظهر تأثره بذلك .
دعوته إلى العامية
عندما تحدثنا-في المقالات السابقة- عن (الدعوة إلى العامية) ذكرنا أن المستشرقين وأتباعهم سلكوا طرقًا ملتوية، وطرقًا معوجة من أجل تحقيق أهدافهم وغاياتهم. مثل: حركة تمصير اللغة العربية، وحركة تيسير النحو العربي، وحركة تجديد الأدب العربي. وقد تحدثنا عن كل ذلك بالتفصيل، غير أن كلامنا هنا يتناول دور الأديب الكبير محمد تيمور في حركة التمصير التي كان يترأسها (أستاذ الجيل) أحمد لطفي السيد-كما أطلق عليه المستشرقون. وقد خصصنا مقالًا كاملًا عنه؛ فليرجع إليه من يريد.
ومحمد تيمور كان (ثاني اثنين) بعد لطفي السيد، بل كان أكثر منه ذكاء وحماسا لفكرة تمصير اللغة؛ فكرة وموضوعًا، فقد شُغل بها ، وجاهر بها، وعمل جاهدا على تحقيقها وترسيخها؛ وقد نجح في ذلك أيما نجاح!. ففي مقاله (الوطن)، رأيناه يفتتحه بتمجيد اللغة المصرية؛ وتعبيره عن عاطفته وحبه لمصر وتعلقه بها، فمصر تمتد من الإسكندرية إلى أسوان، ووطنه فرعوني صرف، فهو يتيه فخرًا بذلك، ويزداد تيهًا وفخرًا بلغته الحية ذات النغمة الجميلة، والجرس الأخاذ، مما يميزه عن السوري والمغربي-كما قال- بل يميزه عن جميع سكان الأرض طرًا.
يقول في مقاله: (وطنك أيه المصري هو تلك الأرض التي تعيش عليها، والتي تمتد من الإسكندرية إلى أسوان. هذا هو الوطن إذا أردت أن ترى فيه غير بقعة من الأرض تأكل ثمراتها وتتنفس هواءها، وتضم رجامه عظامك إذا فاضت روحك إلى بارئها . في جوف هذه الأرض ينام مينا ورمسيس ومحمد علي، وفوق هذه الأرض ترى الأهرام وأبا الهول وتلك الآثار القديمة التي تفخر بها مصر) .
بهذه اللغة وبهذا التوجه وبهذا الانتماء صدر لمحمد تيمور من رواياته المسرحية؛ (العصفور في قفص)، و (عبد الستار أفندي)، و (العشرة الطيبة)، و(الهاوية) كتبها كلها بالعامية؛ المصرية الشائعة دون أن يعبأ بالخرق الذي أحدثه في الفصحى، والذي جعله هدفًا للأدباء والنقاد.
رؤى الأدباء
نقد محمود عزمي
-
يقول عزمي في تقديمه لكتاب محمد تيمور (المسرح المصري): “وطالما أثارت هذه العامية مناقشات حادة طويلة بينه وبين كثير من الأدباء، على أنه كان يرى أن المسرح مرآة الطبيعة يجب أن تنقل إليه الطبيعة كما هي من غير تزويق، ويرى الناس في أحاديثهم يتكلمون العامية فلا بد أن تكون كذلك على المسرح، وأن العهد الذي كان فيه المسرح أداة من أدوات أدب اللغة قد انقضى وجاء دور المسرح الحقيقي. وكثيرا ما قيل لتيمور إن العامية لا يمكن أن تصور الشعور الحقيقي خصوصًا في المواقف المحزنة المؤلمة، ولكنه كان يرى ذلك عجزًا من قائله. فالعامية شأنها شأن أي لغة أخرى ، يمكن أن يعبر بها عن كل شي”، ولم يرض تيمور بهذا؛ بل تجاوزه إلى ترسيخ نزعته إلى تمصير اللغة في مؤلفاته الأخرى التي كتبها بالفصحى، فجعلته يُقحم العامية فيها. وجعلته من ناحية أخرى لا يعنى بتقويم أسلوبه وتنميقه.
نقد زكي طليمات
-
أشار طليمات إلى هذا في تقديمه لكتابه (حياتنا التمثيلية) فقال: “ويلوح لي أن تأثره بهذه النزعة “تمصير اللغة” كان صارفا إياه عن تقويم أسلوبه الكتابي سيما في النثر، ولا شك أنه فقد نفسه بين هجره المحسنات الكتابية التي ترمي إلى حبكة الأسلوب العربي وما كان يسعى إلى إيجاده”.
السلام عليكم دكتور
ارى ان الفترة التي تتحدث عنها مرحلة في تاريخ اللغة العربية الفصحى وصراعاتها مع العامية وهي ان لم اخطئ نهايه القرن التاسع عشر والعشرين ارجو ان تحدثنا على ما قبل وما بعد هذة الفترة مع الشكر.
💎💎💎
أفادكم الله
ما أتعجب منه في مدرسة التغريب أنها دعت إلى العامية لتسهيل التعبير والفهم عند الناس، ولكن ما معنى حماسهم للحروف اللاتينية أولاً ثم اللغات الأجنبية التي أغرقوا التعليم والأجيال والبلاد بها؟
بوركت دكتور، مقالك يدل على أصالة اللغة العربية
بانتظار ما تخبرنا به عن توفيق الحكيم.