الكاتب الكبير، والأديب الشهير، ورائد المسرحية في الأدب العربي توفيق الحكيم، ولد بالإسكندرية من أب مصري وأم تركية، وكان والده يعمل بالقضاء. درس في “رأس التين الثانوية”، ثم “التحق بكلية الحقوق” ثم سافر إلى أوروبا ليحصل على الماجستير فالدكتوراة، لكنه اتجه إلى الأدب، وعاد ليعمل في النيابة، ثم في القضاء؛ وسجل تجربته تلك في كتب ثلاث: (يوميات نائب في الأرياف)، و(ذكريات الفن والقضاء)، و(عدالة وفن).
عمل بعد ذلك بوزارة المعارف، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ثم اشتغل بالصحافة، فمديرًا عامًا لدار الكتب، ثم عضوًا متفرغًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ثم مندوبًا لمصر في اليونسكو، ثم عاد إلى مصر من باريس 1960م ليتفرغ للأدب.
تزوج متأخرًا؛ وأنجب ابنًا وابنة، فتوفى ابنه وزوجته، ولم ينقطع إنتاجه، فكان بين الحين والحين يثير قضايا جدلية، ويتقحم معارك فكرية. وفي عام 1982 م انتخب رئيسا لاتحاد كتاب مصر.
فلسفته في الحياة
اختلف الناس في تقييم الحكيم وفلسفته في الحياة، فعزفنا عن ذلك كله، ورضينا بما وصف به نفسه.
قال وقد سئل عن نفسه: “توفيق الحكيم شخص لا أعرف عنه شيئًا كثيرًا..،وإني اقرأ عنه أحيانًا بعض ما ينشر عنه فأراه شخصًا آخر … أما أنا فأسأل نفسي دائمًا: ما هي المهمة التي كلفت بها في هذه الحياة الموقوتة…، وكلما سرت في طريق حياتي فطنت فجأة إلى أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي تصورته…، ولو كان في طريق حياتي لافتات مثل لافتات المرور تنبهني إلى أن هذا الطريق يؤدي إلى جهة كذا كنت تنبهت من أول الأمر ولم أواصل السير…،فأنا إذن مخلوق ضحية عدم وجود لافتات مرور في شارع حياتي الطويل …”.
ويقول في كتابه “تحت شمس الفكر” (القاهرة، 1937 م) ص 15: “إن الحقيقة الدينية بعيدة عن وسائل العلم ودائرة بحثه، وإن العقل يستطيع أن يهدم الدين كما يشاء … فالتوفيق بين العلم والدين ضرب من العبث”.
ونحن لا نتجشم الرد على الحكيم فإنه بات من المسلَّم فيه أن قضية العلم يهدي ويدعو للإيمان، وقد رأينا كثيراً من العلماء الراسخين المنصفين الغربيين والشرقيين، هداهم العلم إلى الإيمان بالله العزيز الحميد.
يقول الأستاذ “هوشل”: “كلما اتسع نطاق العلم زادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي”.
ويقول “سبنسر” :“العلم يناقض الخرافات، ولكنه لا يناقض الدين نفسه”. وقد حفلت مكتبات العالم بكتب قيِّمة ملأت بمثل هذه الاعترافات، كلها تدعو إلى الله والإيمان به.
وحسبنا كتابان مهمان حازا شهرة عالمية واسعة، أحدهما: ألَّفه “كريسي موريسون” رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك، وعضو المجلس التنفيذي لمركز البحوث القومي ، وأحد أقطاب العلوم الكونية في عالمنا، بعنوان “الإنسان لا يقوم وحده “، فند فيه كتاب “جوليان هكسلي” الملحد؛ “الإنسان يقوم وحده” يعني: من غير إله ! قلت: وكلام الحكيم يشبه كلام إيليا أبي ماضي في قصيدته (الطلاسم):
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت
وسأبقى ماشيًا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت، كيف أبصرت طريقي: –
لست أدري
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حر طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن … لست أدري
ومع ما قيل من ثناء على هذه القصيدة، فإنها لا تزيد على أن تكون كلامًا فارغًا لا معنى له، كلامًا كله تضجر وتبرم وتأفف من الحياة. قال المعري:
يسوسون الأنام بغير عقل
فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأفَّ من الحياةِ وأفَّ مني
ومن زمنٍ رئاسُته خساسَه
غير أن تأفف المعري سببه ما ذكره من أمر السياسيين، وتأفف أبي ماضي بدعوى عجزه عن حل لغز الحياة، وأن لهذا الكون خالقًا خلقه لغاية محددة وهدف مقصود.
ومع هذا فإن أبا ماضي مع ضلاله وغيه، يظل من الشعراء المجددين في دولة الشعر، وتحسب له محاولته في التجديد والخروج من المألوف والتقليد.
موقفه من العامية في القصة
معلوم أن الذي خلف عبد العزيز فهمي في المجمع اللغوي هو توفيق الحكيم، وهو الذي دعا إلى قاعدة “سكّن تسلم”، بل قال عن اللغة العربية: “أنه لا يُنتفع بها وأن عصرها قد انتهى”.
ولم يرض “الحكيم” عن متابعته لدعوات “سبيتا” و”ويلكوكس” و”ولمور” وغيرهم من المستشرقين الحاقدين على اللغة العربية والعرب، بل فاقهم بدرجات، فدعا إلى اعتمار القبعة الأوروبية، ونادى باتخاذ الحضارة الغربية لتكون منطلقًا للعرب والمسلمين، ودعا إلى الإقليمية المصرية ذات الطابع الفرعوني الكاره للعرب والمسلمين، وهو صاحب التبعية للنسق الغربي في الأدب والولاء للصهيونية العالمية والتلمودية.
وفي مسرحيته “شهر زاد” يقول توفيق الحكيم:” صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية؛ كانت الفلسفة الأوربية وقتها تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون، وأن الله -تعالى الله علوًا كبيرًا- قد مات -كما قال نيتشه- وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الالحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد صدم هذه العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد”.
وفي كتاب “زهرة العمر” ، زاد في جرعة الصراحة فقال: إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا، كل آلامي مرجعها هذا التناقض في حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة”.
وفي الوقت الذي هاجم فيه الحكيم عروبة مصر ونفى انتمائها الإسلامي ووجهها العربي. كان يكيل فيه المديح لإسرائيل ناعتا إياها بالدولة المتحضرة، وقد تبين لاحقًا أن للحكيم صلاتٌ بالصهيونية العالمية. ففي عام 1943 ترجم له أبا إيبان كتابه “يوميات نائب في الأرياف” إلى اللغة الإنجليزية، وبعدها بأربعة أعوام زار الحكيم عاصمة إسرائيل “تل أبيب”، ورتبت له لقاءات عدة بالفنانين والمسرحيين، ومسؤولي المسرح، وكان محور اللقاءات والنقاش مسرحية (سليمان الحكيم) التي استوحى وقائعها من التوراة، وعرضوا عليه ترجمة المسرحية إلى العبرية، ولم يلبث بعدها الحكيم أن صار داعية سلام بين العرب وبين الصهاينة المحتلين، وصار ينادي بالتعاون الثقافي بين الفكرين؛ العربي واليهودي، وإنشاء جمعية عربية إسرائيلية مقرها العاصمة الفرنسية للعمل من أجل السلام”.
وفي رأيي؛ إن ما انتهى إليه الحكيم -مما ذكرنا- ليس بغريب على رجل يحمل أفكارا مشوشة عن الأديان عامة وعن الإسلام خاصة، لذلك رأيناه مسكونًا بالفكر الوثني والفرعوني، فقد اعتمد في (أهل الكهف) على وجهة نظر فرعونية مشوشة؛ وكان لفكرته تلك عن الإسلام أثر جعله يخلط بين مصر القديمة والأديان بصفة عامة، فالمسلم يؤمن بأن هناك انقطاعًًا يفصل ما بينه وبين التصورات الوثنية والوضعية، كما أنه يؤمن بأن الإسلام هو دين رباني منذ آدم حتى محمد – صلى الله عليهم وسلم – له تصور خاص يحدد علاقته الإنسان بربه، ونفسه، والآخرين، ويرسم له منهاجا كاملا لا ينقصه شيء من الفلسفات القديمة أو الحديثة! وقد علل ذلك بقوله:” “لقد قرأت كتاب الموتى والتوراة والأناجيل الأربعة والقرآن”.
وقد اعترف الحكيم في بعض جلساته بعبثية ما يقوم به وعدم جدواه، فقال :” إن كل أعمالي التي تعبت العمر فيها لا قيمة لها فقد ضيعت حياتي فيما كان يخيل إلي أنه له قيمة”.
وذكر مرة في أحد مقالاته التي نقد فيها رواية نجيب محفوظ” أولاد حارتنا” تعاطفه مع الشيطان الذي طرد من الجنة بسبب عصيانه وكفره، ونظر إلى القصة الواقعة على أنها لا تعدو أن تكون “حرية الرأي”، وأن الشيطان عوقب -ظلمًا- على رأيٍ أبداه، وعقيدة اعتقدها، حملته على عدم السجود لآدم؟. بل إنه دعا إلى نصرة الشيطان على الله عز وجل، وزعم أن الشيطان قال لله: “لا أسجد إلا لك”، ومع هذا عاقبه الله وطرده وهو مظلوم مظلوم ؟!
وقد كتب مقالًا صور فيه حوارا دار بين “إبليس” وشيخ الأزهر، أفحم فيه إبليس الشيخ، وأقام عليه الحجة، وأثبت -إبليس- أمام شيخ الأزهر أنه مظلوم، ، وأن جميع الكائنات كانت تردد صياح إبليس: أنا مظلوم مظلوم ؟!.
وليعذرني القاريء في ما أطلت به من تطواف في حياة توفيق الحكيم وكتبه وسيرته، وما أردت من ذلك إلا لأثبت أن عداءهم للعربية ما هو إلا صورة مصغرة عن عدائهم للدين.
والآن نرجع إلى ما كنا فيه:
نتيجة لانتشار الدعوة إلى الكتابة بالعامية؛ انبرى عدد من القصاص وفي مقدمتهم توفيق الحكيم لتأليف القصص وكتابتها بالعامية، وراجت أعمالهم لما كان لها من دعم ونصرة من سفارتي فرنسا وبريطانيا في مصر، ومن مؤازرة من رجال الفكر والثقافة في مصر ممن تولوا مناصب عالية؛ مثل لطفي السيد، وغيره، ولِما وجدوا من ترحيب وتشجيع من عدد من الصحف التي أعانتهم على نشر نتاجهم في الصحف حينا، وفي كتب مستقلة حينا، تمكنت العامية من شق طريقها في ميدان القصة والمسرحية كلغة مقصودة لذاتها.
أما في القصة فقد اتفقوا على أن يكون السرد بالفصحى، وأما الحوار فقد اختلفوا فيه مدة، وانتهى الأمر لصالح الفصحى، فقد استخدم “الحكيم” العامية في قصتين من قصصه؛ “عودة الروح”، و”العوالم”، وكلتا التجربتين من باكورة أعماله القصصية. وسنتكلم عنهما
“عودة الروح” .. موضوعها
هذه القصة هي أولى أعماله؛ ويرجع تاريخ تأليفها إلى سنة (1927م)، وهي مثال حيٌّ واضح على تأثره وانجرافه مع تيار الدعوة إلى العامية وتمصير اللغة، وقد اتفق النقاد على أن بطلها “محسن” يمثل شخصية المؤلف “توفيق الحكيم” الريفية، الذي ترك بلده وأهله وذهب إلى القاهرة كي يتعلم، وهناك يعيش مع أعمامه وعمته العانس “زينب”، وخادم يخدمهم، ثم تظهر على مسرح الأحداث فتاة جميلة اسمها “سنية”، فتستحوذ بدلها ودلالها على اهتمام “محسن” وأعمامه، فيتنافسون في شد انتباهها وإعجابها، وأما عمته زينب فشغلها الشاغل “جارها” الذي هو همها؛ فهي في سعي دائب لإيقاعه في حبال حبها والزواج منها؛ مستعينة بالسحرة والمشعوذين.
ويلاحظ القاريء أن العامية في هذه القصة هي الطاغية ؛ إلا قليلا منها كتب بالفصحى.
موقف من العامية في كتاباته المسرحية
توفيق الحكيم رائد المسرحية في الأدب العربي بالاتفاق، وقد تنوعت مسرحياته إلى ثلاثة أنواع:
نوع استلهم مادته من القرآن الكريم والثقافة الإسلامية. مثل؛ “أهل الكهف” و”سليمان الحكيم”.
نوع استلهم مادته من الأدب اليوناني، مثل؛ “أوديب”، و “بجماليون”. وكلا النوعين كتبهما بلغة فصيحة، وأسلوب عذب جميل.
نوع استلهم مادته من الواقع المحلي. مثل؛ مسرحية “الزمار”، و”رصاصة في القلب”، استخدم في الأولى عامية الريف، واستخدم في الثانية عامية المدينة.
قال الحكيم: كتبت مسرحية “الزمار” بالعامية، على أن استحدام العامية يقوم عليه اعتراض وجيه؛ هو أن هذه اللغة ليست مفهومة في كل زمن ولا في كل قطر بل ولا في كل إقليم…اه
وهذا اعتراف صريح وجريء من رائد المسرحية في الأدب العربي، بأن اعتراضهم على العامية وجيه، لما له من أبعاد خطيرة تؤثر في وحدة الأمة وائتلافها.
ثم بعد حين ألف الحكيم مسرحيته “الصفقة” فاختلف النقاد حولها وحول ماهية اللغة المستخدمة فيها، فجاء كلامه ليفصل بينهم، حيث حدد هو نوع اللغة التي استخدمها في المسرحية. قال:” كان لا بد لي من تجربة ثالثة لإيجاد لغة صحيحة لا تجافي قواعد الفصحى، وهي في نفس الوقت مما يمكن أن ينطقه الأشخاص ولا ينافي طبائعهم ولا جو حياتهم! لغة سليمة يفهمها كل جيل وكل قطر وكل إقليم، ويمكن أن تجري على الألسنة في محيطه، تلك هي لغة هذه المسرحية؛ قد يبدو لأول وهلة لقارئها أنها مكتوبة بالعامية، ولكنه إذا أعاد قراءتها طبقًا لقواعد الفصحى فإنه يجدها منطبقة على قدر الإمكان، بل إن القارئ يستطيع أن يقرأها قراءتين: قراءة بحسب نطقه الريفي فيقلب القاف إلى جيم أو إلى همزة تبعًا للهجة إقليمه، فيجد الكلام طبيعيًّا، مما يمكن أن يصدر عن ريفي. ثم قراءة أخرى بحسب النطق العربي الصحيح، فيجد العبارات مستقيمة مع الأوضاع اللغوية السليمة … إذا نجحت في هذه التجربة فقد يؤدي ذلك إلى نتيجتين؛ أولاهما: السير نحو لغة مسرحية موحدة في أدبنا تقترب بنا من اللغة المسرحية الموحدة في الآداب الأوروبية. وثانيهما، وهو الأهم: التقريب بين طبقات الشعب الواحد وبين شعوب اللغة العربية، لتوحيد أداة التفاهم على قدر الإمكان دون المساس بضرورات الفن”.
تحياتي واحترامي وان الادباء لهم شطحاتهم وقد قال الله عز وجل والشعراء يتبعهم الغاوون .لكن هذا لا ينفي فنهم وادبهم وابداعهم مع تحفظنا على بعض افكارهم التي لا تلوي على شيء سوى التيه .مقالات جميلة متسقة وبناءات متينة ورسائل وصلت مع منطقها العذب ورؤى متسلسلة ذات طابع هرمي يعطي اهتماما وشد انتباهنا الى افكار يريد طرحها الباحث الذكي الاريب والمتمكن دكتور احمد الزبيدي وقد استطاع الوصول بنا الى شاطئ الامان .مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم وكتاباتك الملفتة للعقل والاهتمام والاخذ بها وبرؤاها .تحياتي .مهند الشريف
تحياتي واحترامي وان الادباء لهم شطحاتهم وقد قال الله عز وجل والشعراء يتبعهم الغاوون .لكن هذا لا ينفي فنهم وادبهم وابداعهم مع تحفظنا على بعض افكارهم التي لا تلوي على شيء سوى التيه .مقالات جميلة متسقة وبناءات متينة ورسائل وصلت مع منطقها العذب ورؤى متسلسلة ذات طابع هرمي يعطي اهتماما وشد انتباهنا الى افكار يريد طرحها الباحث الذكي الاريب والمتمكن دكتور احمد الزبيدي وقد استطاع الوصول بنا الى شاطئ الامان .مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم وكتاباتك الملفتة للعقل والاهتمام والاخذ بها وبرؤاها .تحياتي .مهند الشريف
جزاكم الله خيراً
أفادتني المقالة في فهم هذا الحكيم الصهيوني، تذكرت المسيري رحمه الله: كل من يتقبل النموذج الغربي بلا نقد، ينتهي في حضن الصهيونية