حرص علماءُ المسلمين -رحمهم الله – في قراءتهم القرآن الكريم على تتبع النكات البلاغية واستجلاء اللطائف البيانية، ومن الأساليب التي وقفوا عليها “أسلوبُ الترقي”، وهو أسلوب عربي جميل، يندرج ضمن مسالك التقديم والتأخير، وضمن (علم المعاني)، لذلك نجده في (برهان) الزركشيّ، النوع السابع عشر، وفي (إتقان) السيوطي النوع التاسع –رحمهما الله – يذكرانه في أقسام التقديم والتأخير.
و(أسلوب الترقي) كما عرفه الإمام الطيبي – رحمه الله – هو: “أن يذكر معنى ثم يردف بما هو أبلغ منه”، وقد مثل الإمام الطيبي عليه بقوله” (فلان يعلم التصريف والنحو)؛ ففيه ترقٍّ وتدرجٌ؛ لأن التصريف يختص بالمفردات، والنحو بالمركبات، والعلم بالمفردات مقدم على العلم بالمركبات.
و مثَّل عليه الإمام الزمخشري بقول الله تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً}. قال:” لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة من نكفت الدمع. إذا نحيته عن خدك بإصبعك (ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ): ولا من هو أعلى منه قدرًا، وأعظم منه خطرًا، وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش، كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومن في طبقتهم. فإن قلت: من أين دلّ قوله: (ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) على أنّ المعنى: ولا من فوقه؟ قلت: من حيث أنّ علم المعاني لا يقتضي غير ذلك، وذلك أنّ الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوّهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجةً، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقرّبون من العبودية، فكيف بالمسيح؟ ويدل عليه دلالة ظاهرةً بينة تخصيص المقرّبين؛ لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلةً. ومثاله قول القائل:
لا شبهة في أنه قصد بالبحر ذى الأمواج: ما هو فوق حاتم في الجود.
وأضاف الزمخشري بقول:” ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله: (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى)، حتى يعترف بالفرق البين. وروي: أن وفد نجران قالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا؟ قال: “ومن صاحبكم” قالوا: عيسى، قال: وأى شيء أقول؟ قالوا: تقول: إنه عبد اللَّه ورسوله، قال: “إنه ليس بعارٍ أن يكون عبداً للَّه”. قالوا: بلى، فنزلت الآية أي: لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه، فلو كان موضع استنكافٍ لكان هو أولى بأن يستنكف؛ لأنّ العار ألصق به، ومعنى ذلك أن يتدرّج المتكلم في إيراد المعاني؛ فينتقل من الأدنى إلى الأعلى، ومن القوي إلى الأقوى، ومن الأهون إلى الأغلظ وهلم جرًا.
قال الإمام أبو القاسم الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ) -رحمه الله- :” فإن قلت: فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه؟ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كقولهم: فلان عالم نحرير، وشجاع باسل، وجواد فياض؟ قلت: لما قال: (الرَّحْمَنِ) فتناول جلائل النعم، وعظائمها وأصولها، أردفه (الرَّحِيمِ)، كالتتمة والرديف؛ ليتناول ما دق منها ولطف.
وفي (الرَّحْمَنِ) من المبالغة ما ليس في (الرَّحِيمِ)؛ ولذلك قالوا: رحمنُ الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى. وقال الزجَّاج في الغضبان: “هو الممتلئ غضباً”، ومما طن على أذني من ملح العرب: أنهم يسمون مركبًاً من مراكبهم بالشقدف، وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم: ما اسم هذا المحمل؟ أردت المحمل العراقي. فقال: أليس ذاك اسمه الشقدف؟ قلت: بلى. فقال: هذا اسمه الشقنداف، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى، وهو من الصفات الغالبة، كالديبران، والعيوق، والصعق، لم يستعمل في غير اسم الله عز وجل، كما أن (الله) من الأسماء الغالبة، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمان اليمامة، وقول شاعرهم فيه:
(وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا)
فباب من تعنتهم في كفرهم.
وقال الإمام أبو بكر الرازي (المتوفى: 666هـ) :”فإن قيل: الرحمن أبلغ في الوصف بالرحمة من الرحيم بالنقل عن الزجَّاج وغيره، فكيف قدمه وعادة العرب في صفات المدح الترقي من الأدنى إلى الأعلى؟
قلنا: إنما قدمه لأن الله تعالى اسم خاص بالباري لا يسمى به غيره، لا مفردًا ولا مضافًا فقدمه، والرحيم يوصف به غيره مفردًاً ومضافًاً فأخره، والرحمن يوصف به غيره مضافًا ولا يوصف به مفردًا إلى الله تعالى فوسطه.
وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي(ت 393هـ) في (المنتخب من صحاح الجوهري) -ص 1822:” والرحمنُ والرحيمُ: اسمان مشتقَّان من الرحمة ونظيرهما في اللغة نديم وندْمان، وهما بمعنىً.
قلت: إذا صح قول الجوهري لا يرد السؤال قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)، فإن قيل: كيف قدم العبادة على الاستعانة والاستعانة مقدمة لأن العبد يستعين الله على العبادة فيعينه الله عليها؟ قلنا: الواو لا تدل على الترتيب، أو المراد بهذه العبادة التوحيد، وهو قدم على الاستعانة على أداء سائر العبادات، فإن من لم يكن موحدًا لا يطلب الإعانة على أداء العبادات.
فإن قيل: المراد {بالصراط المستقيم}؛ الإسلام، أو القرآن، أو طريق الجنة، والمؤمنون مهتدون إلى ذلك، فما معنى قولهم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وأنه تحصيل الحاصل؟
قلنا: ثبتنا عليه وأدمنا على سلوكه، خوفًا من سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما تقول العرب للواقف: قف حتى آتيك، معناه: دم على وقوفك وأثبت عليه، أو معناه طلب زيادة الهدى كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} وقال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} .
قوله تعالى : {غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)
فإن قيل: ما فائدة دخول (لا) في قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ}، وقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} . والضالين كاف في المقصود ؟
تحياتي واحترامي وان الجنة درجات والنار كذلك والرحمة منها فالضال يرجع عن ضلاله وضلاله ليس بيده اما المغضوب عليهم فهم من وجب غضب الله عليهم فقد نازعوه في ملكه حاشى لله وهو الازلي الابدي الملك الواحد الذي اوجد كل شيء واوجدهم ودلهم عليه كما ان للعقل درجات كما نعرف في الغباء والذكاء واليقين بالله كذلك وهو اعظمهم . والله اعلم .شرح دكتور احمد الزبيدي فتح الباب لعقولنا لتتفكر في ملكوت الله وهو شرح قويم متين وقد اصاب القصد ووصل الى الهدف والغاية جزاه الله كل الخير مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم ولشرحك وتفكرك في كلام الله وهوالهدي الصحيح تحياتي مهند الشريف
تحياتي واحترامي وان الجنة درجات والنار كذلك والرحمة منها فالضال يرجع عن ضلاله وضلاله ليس بيده اما المغضوب عليهم فهم من وجب غضب الله عليهم فقد نازعوه في ملكه حاشى لله وهو الازلي الابدي الملك الواحد الذي اوجد كل شيء واوجدهم ودلهم عليه كما ان للعقل درجات كما نعرف في الغباء والذكاء واليقين بالله كذلك وهو اعظمهم . والله اعلم .شرح دكتور احمد الزبيدي فتح الباب لعقولنا لتتفكر في ملكوت الله وهو شرح قويم متين وقد اصاب القصد ووصل الى الهدف والغاية جزاه الله كل الخير مع الحب والتحية والاحترام والتقدير لشخصك الكريم ولشرحك وتفكرك في كلام الله وهوالهدي الصحيح تحياتي مهند الشريف
السلام عليكم,
رمضان مبارك,
جزاك الله كل الخير ما زلنا نستفيد منك ومن علمك جزاك الله كل الخير.