مقالات
“تذكرت ليلى” ميرفت الوكيل* – الإمارات


يقولون: كلٌّ له ليلى، وكل يغني على ليلاه؛ تظمئ نهاره، و تسهر ليله، وتمنعه الطعام والشراب.
قال الشاعر:
كل يغني على ليلاه متخذاً
ليلى من الناس أو ليلى من الخشب
فان فاتته ليلى الناس، أجزأت عنها ليلى الخشب!
فمن هي ليلى نزار قباني؟
اشتهر عند كثير من الناس أن نزار (شاعر المرأة)، -وهو قول حق-، ولكن لم يعلموا أن حب ّ نزار كان دمشق، أكثر من كل النساء.
لقد أسرت الفاتنة دمشق الياسمين الشعراء والأدباء بسحرها حتى غنوها بشعرهم وقصائدهم، قال أبو تمام في وصفها :
لولا حدائقها وأني لا أرى
عرشاً هناك ظننتها بلقيسا
وأرى الزمان غدا عليك بوجهه
جذلان بساماً وكان عبوسا
قد بوركت تلك البطون وقد سمت
تلك الظهور وقدست تقديسا
و غناها بعده تلميذه البحتري فقال:
أما دمشق فقد أبدت محاسنها
وقد وفى لك مطريها بما وعدا
قل للإمام الذي عمت فواضله
شرقاً وغرباً فما نحصي لها عددا
الله ولاك عن علم خلافته
والله أعطاك ما لم يعطه أحدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا
ويصبح النبت في صحرائها بددا
كأنما القيظ ولى بعد جيئته
أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقد أحسن الشاعر لسان الدين بن الخطيب حين وصفها بأنها قطعة من الجنة، قال :
بلد تحف به الرياض كأنه
وجه جميل والرياض عذاره
وكأنما واديه معصم غادة
ومن الجسور المحكمات سواره
أما الشعراء المحدثون فمن أبرزهم العلامة خير الدين الزِّرِكلي الذي كان يفتخر بأنه دمشقي، قال :
قالت أمن بطحاء مكة جارنا؟
قلت: الهناء لمن دعوت بجارك
أنا من دمشق وقد ولدت بغيرها
وسكنت أخرى والحنين لدارك
غير أنه لم يهنا طويلًا، فقد اضطر إلى الرحيل والابتعاد عن بلده الذي يحب فبكاه بأجمل وأرق القصائد . فقال
العينُ بعدَ فراقِها الوطنا
لا ساكِنا ألِفَتْ ولا سَكَنا
ليت الذينَ أحِبُّهُمْ علموُا
وهم هنالِكَ ما لقيتُ هُنا
إِن الغريبَ مُعَذبٌ أبداً …
إِن حَلَّ لم ينعمْ وإِن ظَعنا
أما الشاعر نزار قباني فهو حكاية أخرى، حيث كتب عن دمشق الجميلة قصائد كثيرة قد تُكون ديوانا كاملا، قال:
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
يا شام إن جراحي لا ضفاف لها
فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا
وقال في قصيدته الدمشقية:
هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح
إني أحب… وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقي.. لو شرحتمُ جسدي
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
و لو فتحـتم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب.. تشفي بعض من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـت- جـراح
وعندما قضى الله ان يبتعد نزار عن حبيبته دمشق لم يلبث أن جعل منها رسائل عشق شامية معطرة بعبق الياسمين الشامي يرسلها إلى أمه، في كل بلد يحل فيه، فهو لا ينسى ليلها ولا مآذنها، فيقول في قصائده المرسلة إلى أمه:
مضى عامان يا أمي
وليل دمشق.. فل دمشق
يسكن في خواطرنا
وعندما قابل فتاة اسبانية في مدخل الحمراء وسألته عن بلده أجابها بقوله :
ودمشق… أين تكون؟ قلتُ تَرَيْنها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي في الثغر الذي
مازال مختزناً شموس بلادي
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيدة سمراء مـــن أحـفــادي
قالت: هنا الحمراء زهُو وجودنا
فـاقـرأ عــلى جـدرانـها أمـجـادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الــــذيــن عـــنـتـهـمُ أجـــــدادي
اما أنا فلست شاعرة كنزار، ولا كالزركلي، فلا أستطيع ان أقول الشعر مثلهما، ولكنني أستطيع أن أصف حبي وشوقي وحنيني لها، كما فعل الأديب علي الطنطاوي حين قال:
«الحياةُ الحبُّ والحبُّ الحياة». هذا ما قاله شوقي، ولكني لست في هذا معه؛ فقد يموت المحبّ ويعيش ناس بلا حبّ. وما أنا من أنداد شوقي، لكن لو قال «ما العيش إلاّ الذكريات» لكان أصدق.
_____________________
-
مدبرة النسويق والترويج – مجموعة مجوهرات “جوهرة” في الإمارات العربية المتحدة