

أحلام جحاف

قراءة نقدية: رفيق الرضي
ما بين وخارج أسوار مدينة صنعاء القديمة، ترتسم على الحجارة قصصًا عريقة تتحدث عن تاريخ اليمن الموغل في القدم، وفي ظلال بساتين العنب وخضرة “وادي ظهر”، يتربع “دار الحجر”
شاهدًا على حضارة متجذرة، يتجلى سحر العنب اليمني بألوانه ونكهاته الفريدة التي ضرب فيها المثل لمن يلازمه سوء الحظ في الاختيار بين أمرين فيخسر كليهما (بلح الشام وعنب اليمن).
هكذا أخذت الكاتبة أحلام جحاف القارئ في سردها وروايتها لأحداث وقصص وشخصيات ليتداخل الواقع بالخيال، فيرسما صورة جميلة في كل مرة، وتنقل القارئ في جنبات حارات صنعاء وأزقة شوارعها، ليعيش مع شخصيات القصص الواردة في جنبات الكتاب الصادر عن دار “كُتبنا للنشر”، واختارت الكاتبة أن تظهر المجموعة القصصية أمثلة وقصصًا من التراث اليمني، في رسالة تسعى من خلالها لإتاحة الفرصة لخيال الكاتب لتلقي تلك الرسائل، وتحفز لديه التفكير النقدي حول تناقضات المجتمع، في محاولة فك طلاسم التعقيدات الكثيرة والأحكام المسبقة حول المرأة وكذلك حول أغلب قضايا المجتمع.
لم تقدم الكاتبة صورة واحدة للمرأة، بل تركت الأمر للقارئ للتعرف إلى نماذج مختلفة من الواقع اليمني، حيث تعيش المرأة الواقع بكل تعقيداته وتناقضاته وتحدياته، كما تتعرض للتهميش والإقصاء، في تراجع لما وصلت له المرأة اليمنية من مكانة تاريخية، فقد عرف اليمنيون المرأة قائدة وحاكمة ومشاركة للرجل في المسؤوليات والمهام.
ومن خلال ما أوردته الكاتبة، فإن القصص لا تُظهر المرأة دومًا ضحية للرجل، بل تظهر في بعضها قدرتها على القسوة والتسبب بالألم للآخرين، فيكون الرجل الضحية في أحيان وفي غيرها تجد قسوة المرأة طريقها للتسلط على من حولها، ولم تقدم الكاتبة حلولًا لمشاكل وتعقيدات المجتمع، بل حاولت تقديم الواقع كما هو، وقبل ذلك حاولت فهم المجتمع، والكشف عن مشاكله عميقة الجذور بهدف الدفع للخروج من هذا الواقع بعد فهمه.
توضح الكاتبة توظيفها بعض كلمات اللهجة المحلية اليمنية لمنح النصوص نكهة خاصة، تنقل القارئ لشوارع وحارات صنعاء والتعرف إلى ثقافة وتاريخ اليمن، وبما يسمح للقارئ أن يقترب من الشخصيات والدخول إلى عالمها بكل ما فيه من متاهات وتساؤلات،
كما تؤكد الكاتبة أن اللغة العربية ثرية وغنية بمصطلحاتها واللغة المحلية جزء من هذا الثراء، والأدب فقط قادر على تحطيم الحواجز وتغيير الصور النمطية عن الآخر المجهول،و أشارت كذلك إلى تناولها لقضايا اجتماعية كثيرة منها التناقض في نظرة المجتمع للمرأة الذي يردد أنه يكرم المرأة، لكنه يردد في مناسبات مختلفة يعمل على تحجيمها ومصادرة رأيها وفكرها حتى لا تخرج عن الدور المرسوم لها، و تناولت الكاتبة تعقيدات العلاقات بين الرجل والمرأة وباقي أفراد الأسرة بما فيها من حب وكراهية وتسلط وخيانة، إضافة إلى تمكن العادات والتقاليد من تفاصيل الحياة اليومية للأسرة اليمنية، وكيف تتحول لقيود تعيق الحركة والنمو والتغيير.
توجز الكاتبة حديثها عن مجموعتها القصصية أنها تعرض فسيفساء معقدة من حياة المرأة في مجتمع هو في أشد الحاجة للتعرف على ذاته وفتح أبواب النقاش حول قضايا أساسية تتعلق بالعدالة والمساواة والحرية الإنسانية، في مسعى لإضاءة الطريق، والبناء على الحوار.
في سعي الكاتبة أحلام جحاف إلى إثارة تساؤلات تترك للقارئ الإجابة عليها. يتساءل القارئ إذا كانت هناك إجابات محددة في فكر الكاتبة أحلام جحاف، لترد على ذلك بقولها: “من الجميل ان يتساءل القارئ، فالأدب يسعى لإثارة الوعي وتقديم وجهات نظر مختلفة ولا يقدم إجابات جاهزة، بل يدعو القارئ للتفكير وتكوين آرائه الخاصة. واقعنا معقد ومشاكلنا كثيرة ومن الصعب تقديم إجابات، هذا سيكون تبسيط مخل لأن العلاقات الإنسانية معقدة ومتعددة الأوجه، المهم أن نعترف بوجودها ونؤمن بضرورة التغيير”.
زر الذهاب إلى الأعلى