مقالات

الشّروق عنوانه: الشّارقة المُشرِقة   وجيه حسن        –        الإمارات

 

وجيه حسن

 

الشّعار الذي يصادفك وأنت تعبر الجسر الذي يسمّونه في إمارة الشارقة “جسر خالد”، المؤدّي إلى “ساحة الرّولة” وسط الإمارة، والمؤدّي من الجهة الأخرى إلى منطقة “الخان”، وإلى إمارة دبي “دار الحيّ”، كما يُطلَق عليها، مُفادُه “أي الشّعار”: (ابتسمْ أنتَ في الشّارقة).

 هذه العبارة الحلوة المُنمنمَة كُتِبت بقلم المرج الأخضر، وعلى رابِيتين متقابِلتين، باللّغتين العربية والإنجليزية معاً، فحين يعبر المرء من هناك ماشِياً أو راكباً درّاجته أو السيّارة، فإنه حين يقرأ إحدى العبارتين المرسومتين بطريقة عُشبيّةٍ لافتةٍ، يُصاب بنوع من الزّهو والفرح والابتسام، حتى لو كانت تساوره حينها حالة من القلق أو الضّيق أو الانزعاج أو الاغتراب أو الهمّ، أو الغمّ.

وحين تريد أنْ تأخذ قسطاً من الرّاحة النفسيّة والاستجمام الغامِر ليلاً، أو وقت المساء، قُمْ في الهواء الطّلق بزيارة “بحيرة خالد” السّاحرة، الواقعة إلى القرب من “جسر خالد” العتيد، وفي الممشى المريح الطويل الممتدّ، ترى مئات السّحنات لأناسٍ من الصين واليابان والحبشة وباكستان وسورية والهند وغينيا ومصر وأفغانستان والسودان والمغرب وأوغندة وفلسطين وروسيا ولبنان، ومن كلّ جنسيّة وشكل وسحنة ولون ولغة ولهجة ولباس وهيئة.

والذي يُراد تبيانه والحديث عنه وإضافته هنا، أنّك وأنت تتريّض ماشِياً على ممشى البحيرة الضّافي والنّظيف جدّاً، لا تسمع سوى الصّمت يحاورك، وأصوات البلابل تناديك، والموسيقى التي تسمعها من ترنيمات حلوة ترافقك، تصل أذنيك عبر “آلة العود”، وتستغرب بينك وبين نفسك، من أين يأتي هذا العزفُ المنفردُ على آلةٍ موسيقيّةٍ شرقيّة المولد والمنشأ والتّكوين؟

 وحين تدقَّق وتتحرّى وتُنصت، تعرف أنّ هذا الصّوت الموسيقيّ المُنغَّم، يصلك عبْر صناديق معدنيّة صغيرة، شَكْلُ كلّ منها أشبه ما يكون بمظلّة صغيرة، وكلّها مزروعة ومُقامَة ضمن العشب الأخضر الزّاهي، المزروع بأيدي عمّال آسيويين مَهَرَة.

والذي يلفت النّظر والسّمع أكثر وأكثر، نافورات الماء، التي تتعالى أمام عينيك من داخل البحيرة، من هذه الجهة أو تلك، حيث ترحّب بك النّافورات المائيّة بألوانٍ تتراوح ما بين الأحمر والأزرق والأخضر والنّيلي والبنفسجي والأصفر واللّيلكي، حيث تتراقص مياه النّافورات الملوّنة بألوان الطّيف أمام أعين الناظرين إليها مرحّبة بهم، وكأنّها تخاطبهم بودٍ قائلة:

  • يا أهلاً ويا مرْحباً، حللْتم أهْلاً، ونزلْتم إمارةً شامخة سهْلاً، تقول لكم بوجهٍ هاشٍّ باشٍّ ضاحكٍ: “ابتسمْ أنتَ في الشّارقة”.

كذلك يمكن القول: إنّ هناك عدداً من نافورات الماء، خارج نطاق البحيرة، يصافحك رذاذها النديّ بكلّ لطافة وعذوبة وسماحة، وتسمع أصوات الماء الصّاعد – الهابط منها، فلا تشعر بأيّ لونٍ من ألوان الإزعاج، أو القهر الدّاخلي، على وجه البتّ والقطع.

حتى إذا أردتَ القيام بنشاطٍ ما في الهواء الطّلق، من باب القيام برياضة المشي أو الجري المفيدين صحيّاً، فهناك ممرّ خاصّ لذلك، تتمشّى فوقه وكأنّك تمشي أو تركض على ممشى طريّ صُنِعَ خصّيصاً لك من مادّة مرِنة أشبه ما تكون بطراوة الإسفنج نفسه، أو المَطّاط عينه، وكم تشعر حينها وعندها بالرّاحة النفسيّة، وأنت تقوم بهذه الرياضيّة المسائيّة المُسْتحبّة الرّهوة.

تمشي أو تركض فوق هذا البساط المرِن الطريّ، وأنت في ذروة الانشراح، وقمّة الفرح، فلا تسمع سوى نغمات الماء المُمَوْسَقة، وأصوات البلابل التي تشدو على الأغصان بأصوات خفيضة مُنغّمة هادئة، لأنّها تخاف على أذنيك من أنْ يقربهما أيّ إزعاج، أو أدْنى عَكْرة.

هي ذي إمارة الشّارقة المشرقة، بمعالمها الثقافية العريقة: كدار الثقافة، ومبنى اتحاد الكتّاب والأدباء، وبيت الشّعر، ومبنى الهيئة العربية للمسرح، وجريدة “الخليج”، ومجلة “الشارقة الثقافية”، ومجلة “الرّافد”، ومجلة “قوافي”، ومبنى “مجمع اللغة العربيّة”، وسوى ذلك كثير.. هي ذي الإمارة بعماراتها الشّاهقة، بشوارعها النظيفة، بطرقاتها المُخطّط إسفلتُها باللون الأبيض النّاصع، حتى يعرف كلّ سائق عاقل واعٍ مساره الطبيعي، تقول لك بكلِّ رحابة ضافية، وحرارة قلب: “ابتسمْ أنتَ في الشّارقة”.

 وهذه الطرقات المؤدّية إلى باقي إمارات الدولة بكلّ اتّجاه، تعبرها أنت، بينما ثقافة الورد والزّهر ترافقك كيفما سرت، وأينما عبرت، وحيثما نظرت، وكأنّ الورد الجميل الضّاحك، يصافح عينيك، وكأنّما الزّهر المُندّى، يعانق منك الأوردة والشّرايين وأنباض القلب، ومسارب النّفس بآنٍ معاً،  حتى إذا ساقتك قدماك لزيارة أحد “المُولات” الضّخمة الضّافية، للتزوّد ببعض الأغراض الضروريّة، فإنّك ترى أصنافاً وأنواعاً مُتكثّرة من المواد والبضائع، كلّ غرض عليه سعره المحدّد، حتى إذا اختلط عليك أمرُ السّعر، فاذهبْ وحدَك إلى جهاز ملصق إلى الحائط، هناك بإمكانك أن تقرّب الغرض الذي أعجبك، لمعرفة سعره بالضّبط، من دون الحاجة إلى أنْ تسأل أحداً من عمّال “المُول”، أو أحد موظّفيه أيّ سؤال.

وإذا لم تكن تملك سيّارة خاصّة مثلاً، وأنت مضطرّ لأخذ سيارة أجرة، فأوّل أمر عليك القيام به، بعد الرّكوب إلى جانب السّائق الهندي أو الباكستاني تمثيلاً، هو وضع الحِزام، لأنّ عدم وضع الحِزام، فيما لو انتبهت إحدى دوريات الشرطة الحريصة على أمن الوطن والمواطن والوافد بآنٍ، فإنّ هذا يترتّب عليه مخالفة للسّائق أوّلاً، لذا فإنّ وضع (حزام الأمان) بدولة الإمارات ثقافة ضروريّة لازمة بموجب القانون، للسّائق والرّاكب في وقتٍ معاً.

كلّ شيء في الشّارقة المشرقة، يدعوك إلى التّفاؤل والفرح والحُبور، وهنا ترى الناس بوجه عام، يضحكون يبتسمون، ينتشرون في الحدائق العامّة أيام الجُمع، وأيام العطل الرسميّة، وهم في حالة من الانشراح والانبساط التّامّين، فالحدائق نظيفة جدّاً، فورودُها وأزاهيرُها وأشجارُها ومزروعاتُها تبهج عيون النّاظرين، فلا تجد بهاتِهِ الحديقة أو تلك مقعداً واحداً مكسوراً، أو باهتاً، أو مخلوعاً، أو خِلْواً من الطّلاء.. والخدمات فيها متوافرة من مغاسل ومستراحات وعمّال تنظيف وحاويات ومطاعم ودكاكين، حسب أوقات الافتتاح والإغلاق، وكلّ شيء في مكانه، وفي بقعته تماماً.

 وفي مستراحات كلّ حديقة، وفي الحمّامات، تجد المناديل الورقيّة، وتجد الأجهزة التي تضغط على أحدِها فيمنحك شيئاً من رغوة الصّابون المُعَطّر المُسْتَحَبّ.

هذه شذرات ومقتطفات قليلة من معالم وإشراقات إمارة الشّارقة المشرقة بدولة الإمارات العربية المتحدة العتيدة، أردت تصويرها، والكتابة عنها، وتبيان بعض أركانها وملامحها وموجوداتها ومعالمها، علّنا نقول دائماً وفي كلّ حين: “ابتسمْ، أنتَ في الشارقة.. أنتَ في جَنّةِ عدن”، من دون أيّ تزلّف، أو أقلّ مجاملة، أو أدْنى مُخاتلَة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى